مفاوضات بلا أفق … وكذلك معاناة شعبية !!

 


 

 

مواطن طريح السرير في مكان قالوا عنه مشفي لكن لاشيء هنالك يدل علي ذلك ... تصوروا أنه يناشد الجراح بأن يسارع بإجراء عملية بتر رجله التي تقررت له ... مسكين هذا المريض الذي بات قانعا تماما أن البتر هو الخلاص بسبب تفاقم الحالة في ظل هذا الإهمال وتردي الأوضاع الناتجة عن الحرب اللعينة فما عادت هنالك أدوية ولا فحوصات ولا تمريض ولا طبيب عمومي ناهيك عن جراح !!..

في منزل يسكنه الأب وخمسة من أبنائه ... بقية الأسرة ما بين نازح ولاجيء ومنهم من أدركته الحرب اللعينة العبثية بعيداً عن البيت الكبير فعلق حيث هو وانقطعت أخباره بانقطاع المواصلات والاتصالات... الأب يعاني من مرض مزمن ولا يجرؤ أحد من الأبناء أن يبارح المسكن لعله يعثر عند أهل الخير ولو جرعة تبقيه علي قيد الحياة حتي ولو لثواني وكأنه أدرك أن المنية لا بد ناشبة اظفارها والفي أن كل الأدوية المنقذة للحياة لا تنفع ظل يذكر أبناءه بأنه في حالة الوفاة يرجو أن يحمل لمثواه الاخير قرب مقبرة والده ..
وفي ذاك اليوم الحزين الذي امتدت غلالته السوداء ليس علي هذا البيت الوادع بل كان السودان كله يتشح بالظلمة والطائرات من فوق تقذف بالحمم والمدافع تحصد الأجساد البريئة في المهاجع والطرقات والأسواق ... دوت الجدران بصوت كهزيم الرعد وهرع الأبناء الي غرفة الوالد فوجدوه كومة من اللحم ... واصروا إن ينفذوا وصية الوالد بالحرف مهما تكن الخسائر وخرجوا بالعنقريب الي الشارع من غير مشيعين وحتي جارهم الوحيد الصامد لم يخطروه رحمة به من هذا المشوار المحفوف بالمخاطر وعلي بعد خطوات قريبة سمع الجار دويا كان الأعنف في ذاك اليوم ... وخرج ليجد العنقريب وبه كومة اللحم وبجانبه خمسة أكوام أخري اختلط فيها العظم باللحم والدماء المتجمدة ... حملهم جميعاً في رحلة ماكوكية الي داخل منزلهم ودفنهم هنالك ومازالت الطائرات تجتهد في حصد المزيد من الأرواح والمدافع تريد أن تتفوق علي نفسها وعلي نسور الجو وكل هذا الجهد الفريد المثال إنما يبذل لإرضاء جنرالين لم يرتويا بعد من دماء المواطنين ولم يشبعا من أكل لحوم البشر !!..
كانت الأم تجري كالمجنونة تسأل عن مشفي للتوليد عشان ابنتها التي علي وشك أن تضع مولودها في جو خانق برائحة البارود والرصاص والقنابل ولا يوجد عاقل يمكن أن يعرض نفسه لخطر هؤلاء المجانين ولكن الأم ليس لها حيلة وهي تري ابنتها في هذا الظرف الدقيق ظرف الولادة الذي هو أما حياة أو موت ولا توسط بينهما ...
المهم وبعد ان كادت الروح تصل الحلقوم وجدوا داية لتقوم باللزوم ولكن الداية أقسمت بأنها لن تشرع في إجراء اللازم ومباشرة عملية الولادة الا اذا وفروا لها مشرط أو شيء من هذا القبيل... ووقتها كانت الساحة تعج بكافة أشكال التسليح والذخائر والموت داير يحصد الأرواح الأمهات والمواليد وكبار السن والشباب ولكن ما طلبته الداية من أداة لازمة لإخراج الوليد للحياة تعذر ولم يعثر له علي اثر وفقد السودان شهيدا آخر قبل أن يري النور !!..
هانت يابلادنا العزيزة غدا تشرق شمسك بإذن الله سبحانه وتعالى ورغم الحسرة وغصة القلب بتصرف الابعدين والاقربين نحونا بكل هذه السلبية وعدم اعارتنا نظرة والشعب يموت ولا يجد من يدفنه والبيوت صارت مقابر ولا شفنا خير من العرب ولا من الأفارقة ولا من الغرب الكبير ... وكل ما قدموه لنا إبداء القلق وأنهم يشاطروننا الاحزان ويطلبون أن تنتهي هذه الحرب اللعينة العبثية الليلة قبل بكرة وهم يرددون هذه الاسطوانة المشروخة منذ خمسة شهور ولا يفعلون شيء غير الإجتماعات والمنابر وحصص الانشاء التي تغلب عليها المحسنات البديعية والأشعار والروايات والقصص القصيرة وفلم باربي و تسجيلات نجوم الكرة الأوربية للدوريات العربية وإرسال الإمارات أحد أبنائها للفضاء وترسل للسودان أجهزة الموت والدمار الشامل عشان الشعب كلو يروح المقابر ويفرح ابن زايد ويفرح معه الصهاينة وابوهم بايدن !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
لاجئ بمصر .

ghamedalneil@gmail.com
////////////////////

 

آراء