مقتطفات من تراث قبائل جبال النوبة وجنوب كردفان .. ترويها الاستاذة جليلة كوكو
عادل سيد احمد
16 April, 2024
16 April, 2024
مقتطفات من تراث قبائل جبال النوبة وجنوب كردفان .. ترويها الاستاذة جليلة كوكو .. حررها عادل سيد أحمد
المحرر:
- تواصلت في الايام الفائتة مع الاستاذة الفاضلة جليلة كوكو بغرض التعاون في عرض احاجي من النوبة وجنوب كردفان، وقد اجتهدت الاستاذة في البحث عن تلك الاحاجي، وقد افادتني بعد ايام من البحث ان ما توصلت اليه سيكون حديثا عن تراث تلك القبائل تقدمها هدية وعيدية للقراء، ويشتمل الحديث على ظواهر تراثية منها الرقص والصراع والقنيص (القنص) والالعاب.
وها انا اورد ما جادت به الاستاذة مبوبا وفقا لترتيب تسجيلاتها الصوتية على الواتساب:
(1)
ونبدأ ببرنامج اسمه القنيص (القنص او الصيد- المحرر) وهو عبارة عن مهرجان شبابي للفروسية، ويكون في الصيف دائما، حيث يكون الناس قد فرغوا من الزراعة والحصاد، فيتجمعون ويذهبون الى صيد الحيوانات، والقنيص مرتبط بالنقارة (ام ضرا) وتسمى أمبة ايضا، وتتكون المجموعات من الكوقولو وهي العشرة مجموعات اللغوية التي تخاطب بعضها، وهي مناطق كادوقلي وما حولها تقريبا. وعادة ما تنتظر الفتيات الفارس الذي يحضر اسمن او اكبر صيدة، ويمكن ان تكون الصيدة غزال، حلوف، زرافة او ابسط شيء ممكن ان يحضر الشاب معه ريش نعام او دجاج الخلاء، وهم يرتادون الغابات في الصيف في هذا المهرجان، وعندما يعودوا يجدوا الفتيات في استقبالهم بالغناء والرقص.
(2)
من الالعاب لدينا لعبة اطفال تسمى ( تجيي)، ويجلس الاطفال تحت شجرة الجميز الكبيرة او اي شجرة اخرى ظليلة. وكل فتاة تحضر معها لوبيا بيضاء او سوداء او حمراء او مزركشة ابيض باسود او ابيض باحمر... ويقمن بوضع هذه اللوبيا في بخسة وتسمى ام صرو (والبخسة عبارة عن قرعة كبيرة مجوفة فيها فتحة صغيرة وتستخدم في حفظ اللبن او العسل او المريسة او العصيدة) ويقوموا بإدخال البوصة في البخسة لسحب اللوبيا (والبوصة هي عود الذرة الجاف المجوف)، فتكب فيها حبوب اللوبيا الصغيرة المحصودة من الجباريك (ومفردها جبراكة وهي الزراعة المنزلية في الحوش) وليس الحبوب الكبيرة المحصودة من الزراعة وغالبا ما تكون لوبيا الجباريك ملونة، وهكذا تخلط هذه الحبيبات الملونة داخل البخسة، والفائز هو من يسحب لوبيا من لون واحد فيجمع هذا اللون من كل المتنافسين، اما اذا سحب الوان واشكال مختلفة فيعيد المحاولة من جديد، فمثلا اذا سحبت اللوبيا السوداء بالبوصة فيحق لك ان تجمع كل الحبوب السوداء عند المتنافسين الآخرين وتضعها في كوم. وهناك المحظوظون الذين يفوزون كل مرة بصنف واحد، ويمكن ان يملأ ما يجمعوه قرعة او (كورية) كبيرة من اللوبيا يعود بها الى البيت.
(3)
لدينا ايضا رقص وأغاني البنات، وهي مخصصة للفتيات في الأعمار بين 12- 15 سنة، وهذه الالعاب مرتبطة برقصة البخسة، وتقام دائما في نهاية فصل الخريف وبداية موسم الحصاد، وتتجمع اولئي الشابات ويبدأن في الغناء الذي يقرظ الفارس القوي، لانها مرتبطة بالصراع (المصارعة- المحرر)، او يهجون الرجل الخواف او الجراي فيشجبنه ويفضحنه. لذلك يتبارى الفرسان امام الفتيات كل رجل يحمل درقته وعصاته ويرقص، ويسمى (توسو مولادو) اي الدونجوان او زير النساء.
فتتجمع الفتيات ويغنين لاؤلئك الفرسان، وفي بعض الاحايين يحفز الشاب البنات اللائي يغنين له او الحكامة بغزالة او ريش نعام او ريش دجاج الوادي، وهن مجموعة من البنات يغنين مع بعضهن البعض، وفي الليل تقام رقصة البخسة.
ورقصة البخسة تتم وفق إيقاع جماعي، تتكون آلاته من القرع (البخسة)، لكنه ملفوف وباحجام متنوعة في شكل بوق، أو ساكسفون، تصدر أصواتا مختلفة يجيد العزف عليه شباب متخصصون، .ويتم تأليف اغاني من المؤلف تكون بين الشباب ضد بعض، كمدح احدهم، أو شتم الفتيات وبالعكس، ويترجم في شكل ايقاعات راقصة.
(4)
وهناك لعبة مهمة تشبه لعبة الهوكي الأمريكية، وتسمى عندنا تروبي. وتروبي تعني بالرطانة: كرة، وهي ليست كرة عادية انما هي مصنوعة من ثمرة الدليب، حيث تنقسم اللاعبات الى فريقين وكل شابه تحمل عصا معقوفة تشبه عصا الهوكي براسها الملوية، وتوضع كرة الدليب في المنتصف في البداية، ويقوم فريق الجهة الجنوبية بابعادها بواسطة ضرب الكرة في اتجاه لعيبته الموزعين لابعادها في اتجاه الشمال ويفعل فريق الشمال العكس بابعاد الكرة ناحية الجنوب، وهي نفس اللعبة التي يلعبها الخواجات وتسمي عندهم ( الهوكي)، اما بناتنا فيسمينها لعبة تروبي يتبارى فيها الفريقان بحماس، ويكون هناك اناس متفرجين كثيرين.
وعادة ما تلعبها الفتيات الكبيرات وليس صغيرات السن.
(5)
ايضا نذكر الكراكير، وهي موجودة في الجبال، والكركور عبارة عن جبل مجوف له فتحتان، ومنها تدخل اشعة الشمس وضؤها، فيضيء الكركور، وتستخدم الكراكير عادة آناء الحروب للاختباء. ويحمل كل الناس الضروريات من ماء وطعام الى داخل الكركور، ويحتموا به بحيث ان هذا الجبل لو ضرب بواسطة بديناميت او الدانات والقذائف فانه يحتملها، ولا تؤثر فيمن هم بداخله.
ولكل عائلة كركور خاص ومعروف تختبيء فيه، ويكون الكركور مقفولا بحجر كبير ولا يفتحونه الا عند الضرورة القصوى.
في بعض الاحايين يجد الاهالي الثعابين الكبيرة داخل الكراكير، وهي غير مؤذية فيصدف ان يكون احدهم راقدا بداخل الكركور وبجواره اصلة، وتخرج تلك الاصلة متى ما تمت مضايقتها. والكراكير نفسها نظيفة وباردة، وفي نفس الوقت مشمسة، وهذا كل ما يتعلق بالكراكير عندنا في جبال النوبة.
ودائما ما تكون النساء والاطفال داخل الكراكير، وفي الخارج، فوق الجبل، يوجد المقاتلون الشجعان وهم يحملون الحراب، والسهم ابو شوك؟ والبنادق المرمطون، والمقلاع. وفي العادة تكون في قمة الجبل مخابيء من الحجارة الكبيرة، والأشجار الضخمة.
(6)
وفي هذه المقتطفات التراثية لابد لنا من الحديث عن الحجر (المقلاع)، وقد روى لنا الاجداد انهم كانوا يحاربون النصارى والانجليز بالحجر الذي يسمى عندهم (دال فورا)، ودال فورا حجر ملفوف في حبل، وعندما ينفك الحبل يطير الحجر فيصيب، بشكل مؤكد، الهدف. ويمكن ان يكون الهدف الفارس او الحصان الذي يمتطي صهوته، والدال فورا يقتل الحصان او الفارس ايهما اصاب، فهو اذن سلاح خطير للمحترفين وليس كل الناس يجيدون استخدامه، فالشباب يجمعون اكوام الحجارة لاؤلئك المحترفين الذين يصبون به الاعداء في مقتل، وقد كان الاعداء كثر وكانوا يغيرون على اهل الجبال، وكانت هنالك تجارة الرقيق، فكانت المطاردات بالحصين للقبض على الرقيق، فكانت تتم محاربتهم بدال فورا، طبعا في تلك الأزمان لم يكن السلاح الناري او ما شابهه موجودا.
(7)
وعن الزواج عند النوبة نقول انه يمكن يستمر حول كامل، وتبدا هذه السنة منذ ان ينتوي العريس الزواج ويخطب الفتاة ويدفع لها المهر من البقر او الأغنام او خلافهما، ثم ينصرف لتجهيز زراعته ويؤازره الناس فيزرعون ويحصدون معه بالنفير، ويجمعوا الحصاد ايضا بالنفير، وهذه هي حكاية الزواج... والى ان يجمعوا الحصاد في السنة الثانية ويخزنوها في السويبات ( صوامع صغيرة للغلال من الطين المبلط ومعروشة بالقش)، وهناك سويبة مخصصة للذرة واخرى للسمسم وثالثة للفول، واخريات للمحصودات الغابية كالنبق واللالوب وغيرها. اما العروس فتكون مضيوفة بالبنات من حولها، ويمكن ان تحمل العروس وتشارف على الوضوع ولا يزال الناس ينادونها بالعروس، وهي عاطلة لا تفعل شيئا يخدمنها البنات المتحلقات حولها، فيحضرون لها الحطب واللالوب والماء لان الماء لا يتوفر الا من الآبار...
(8)
ايضا نتحدث عن الزراعة، والتي تتم عن طريق النفير، ويعني ذلك ان يجهز المزارع مستلزمات زراعته ثم يدعو ناس القرية كلهم لمساعدته في الحصاد، ويقوم بتحهيز الوجبة لهم دون ان يدفعوا هم ادنى مبلغ. والوجبة تكون طعام او شراب (المريسة) البلدي، وهي وجبة باردة، تجهز ليس بغرض السكر وانما لانها تقطع العطش الناتج من العمل، ويجهزنها النساء حيث تقوم المرأة بتوصيلها مع صاحباتها او اخواتها الى الحقول التي غالبا ما تكون بعيدة عكس الجباريك القريبة (وهي الزراعة المنزلية)، وتتكون منتجات الجبراكة من العيش الحلو، والتبش، والفول السوداني وعيش الريف، والكركدي والدخن وهكذا، وتعمل فيها المراة واطفالها او صاحباتها، اما الزراعة الرئيسية فتنتج السمسم والذرة واللوبيا، وفي بعض المزارع القطن، وهلم جرا، وهي التي تتم فيها الزراعة بنظام النفير ويقوم بها الرجال والنساء، ويتم الايلام لها وتطلع دعوات مخصوصة لهذا النفير او ذاك.
(9)
ومن العادات النوبية العريقة الصراع، وهي رياضة شعبية تسمى بالنوبية (تبينيه) وتعنى ان الشخص المعني فارس في قبيلته او اسرته.
ويتم تجهيز المصارع قبل شهرين او ثلاثة بان يضعوه في معسكر مقفول، وياكل السمن بالدكوة (زبدة الفول السوداني)، او الدكوة بالعسل، ويشرب لبن، ولا ياكل الملاح مثل الويكة وغيرها، وبذلك يصير المصارع قويا ويتمسح بالرماد ليصير قويا اكثر... وفي هذا المعسكر لا يقوم باي جهد ولا يتعب الى ان ياتي زمن الصراع، وتقام المباريات في ميادين خاصة، هناك شخص معين هو من يقيم مراسم الصراع وغالبا ما يكون من المصارعين القدامى أو الكجوري. ويكون موعدها في شهر نوفمبر (اي بعد الحصاد ) ويكون هناك سبر، ورقصة الكمبلا المربوطة بالصراع.
تقام رقصة الكمبلا في موسم حصاد الجبراكة بنهايه شهر اغسطس الى منتصف سبتمبر، وهي رقصة عنيفة لا يقدر عليها الا الشباب الأقوياء حيث يدقون الأرض دقا ويقوم الشخص المكلف بإعداد رقصة الكمبلا بوضع سوط في غرفته وعندما يسقط هذا السوط من مكانه دون ان يلمسه أحد يعتبر ذلك إذانا ببدأ الرقصة، ويقوم بجلد كل الراقصين بذلك السوط فتصيبهم حالة أشبه بالهستيريا فيهيجون كالبقر ويصدرون أصواتا كالثيران ويكون في ميدان منطقة الاسبار المخصصة لرقصة الكمبلا، ويقوم مؤلف أغاني الكمبلا بالخروج إلى ساحة السبر والبدء في التغني بصوت عالى، ومعه الشخص المسؤول عن رقص الكمبلا، وترى الراقصين يهرولون تلقائيا إلى الميدان للبدء في الرقص.
الكمبلا لها زي معين، أهمها قرون البقر, والكشكوش المصنوع من سعف الدوم وبداخله حبيبات من احد انواع القش، تشبه حبوبها حبوب الذرة أو الدخن، ويربط الكشكوش في أيدي أو أرجل الراقصين.
وليست كل القبائل ترقص الكمبلة انما هنالك قبائل معينة تمتاز بتلك الرقصة.
(10)
وناتي على ذكر الكجور، والكجور هو الاب الروحي الذي نسميه (تامسلا) وهو الكجوري وهو شخص وهبه الله تلك الخاصية، وهي العمل في مجال الروحانيات، ويعتقد فيه السكان الذين يقطنون الجبال، ومعروف عن الجبال انها مساكن للجن كله، وفي بعض الاحيان يحذر الكجور الشباب من انتشار الجن وينصحهم بعدم الخروج او الرقص في الميادين. وفي بعض الاحيان يقع الشباب او يمرض، فياخذه الناس الى الكجور الذي يقوم برشه بالماء وبعمل بعض الطقوس فيتعافى ذلك الشاب.
والكجور مرتبط بتراث وارض النوبة، ولا يوجد في اي مكان آخر تقريبا، او يوجد اناس لهم طقوس اخرى. والكجوري عنده بيت خاص ويكون طاهرا وعفيف وليس بلص، ولا يفعل ما يشين، وغالبا ما يكون كبار السن كجرة، وفي بعض الاحيان يورث الكجور، بمعني انه عندما يتوفي احد الكجور فان ابنه يصير كجوريا بدله.
وللكجوري اشياء خاصة هي الكوكاب، وقرعة كبيرة وبخسة صغيرة يضعها بجانبه، والكوكاب قطعة من الحديد مستديرة ومدببة، تشبه الحربة، وتستخدم في الصيد بما فيه صيد الاسماك، فيذهب الناس للبحر او الخيران ويصطادوا الاسماك الكبيرة خاصة سمك القرموط التي يتم طعنها بالكوكاب. وهو سلاح حربي ايضا، وهناك اب شوك ويستخدم في الصيد بان يقذف به من بعيد في اتجاه الصيدة فيصيبها، ويلازم الكجور ايضا، فلابد ان يكون للكجوري كوكاب ويحمله معه اينما ذهب، ومن بعيد يعرف ان صاحب الكوكاب (كجوري).
والناس يجيئون اليه فيرشهم بالماء من البخسة او يرش المريض ويتكلم فوقه ويبدا بالبسملة (انيما سلا)، ولا يوجد كجوري لا يبدا علاجه بقوله بسم الله الرحمن الرحيم.
والكجور انواع، فهناك كجوري خاص بالمطر، وفي الجفاف او عندما يشح المطر يخرج كجوري المطر ويقدم كرامات، وتؤخذ لها من كل بيت ذرة وويكة، وينظفوا المكان ويطلع الكجوري في تلة او جبل صغير ويدعو الله ويقوم بعمل الطقوس لانزال المطر، وكل الناس يدعون معه بتلك الكرامات، والكرامة تشد خارج البيوت: بليلة، عصائد، ... الخ.
وهناك كجور خاص بعلاج الامراض يذهب اليه المرضى ليشفيهم... وهناك كجور (السبر)، فعندما تنضج عيوش الجباريك وتكون جاهزة لا ياكل منها الناس حتي ياتي الكجور ويقوم بعمل طقوس السبر حتى بعد ذلك ياكل الناس عيش الريف والتبش والفول واللوبيا وخلافها، كما ان هناك كجور خاص بالحصاد الكبير، ولا احد يحصد او يحش المحصول قبل اداء هذا الكجور للطقوس المعروفة.
اما السبر فهو شعار دائما ما يكون في بداية المواسم، ويقوم باداء طقوسه شخص معين او كجوري؛ ويقام السبر لمناسبات متعددة، فمثلا في سبر الحصاد ينتظر الناس هذا الشخص ليعلن بداية الموسم ولا يتجرأ احد بقطف تبشة اول قندول عيش قبل ذلك الإعلان، وهو عبارة عن كرامات بعدها يمكن للناس ان يبداوا الحصاد، وتاكل وبالذات محاصيل الجباريك.
وهناك سبر الماء (عندما يكون المطر شحيح) وهي تتوارث وخاصة باسر بعينها، فان مات السبر ورث ولده عنه هذا التخصص.
ولعمل الكرامات يؤخذ القليل من المستلزمات من كل بيت: عيش، فول، سمسم وهكذا وتطبخ في الشارع، ويتم كنس تلك الشوارع ونظافتها بواسطة اهل القرية، وبعد ذلك يقوم الشخص المعين بعمل طقوس برش البليلة ويدعو الله ان ينزل لهم المطر. وفي نفس اليوم تجد السحاب قد تجمع وهطلت الامطار بفضل الله.
وفي منطقة أخرى عندنا سبر اللوبيا، وهو نفس سبر الحصاد، ولكن في منطقة الدلنج يسمى سبر اللوبيا. وهناك سبر الكمبلا وسبر الصراع وهناك السبر الذي ياذن للناس بالذهاب لرقصة النقارة، وكل سبر الحصاد مربوط برقصة البخسة.
والسبر يقام في بداية موسم لشيء معين (افتتاح)، ويقوم بطقوسه شخص معين متخصص، او كجوري.
(11)
نود الحديث هنا عن (المهر)، وهو المال الذي يدفع للعروس، ويكون عبارة عن ابقار واغنام وادوات زراعة، وليس في كل القبائل، ولكن نحن كمجموعة قبائل كوقولو (وتضم احدى وثلاثين قبيلة، وهي احدي المجموعات اللغوية من العشرة التي تنتمي إليها المجموعات اللغوية في جبال النوبة) نمارس هذا التقليد.
وقد كان ذلك كله في السابق، ولكن لا يزال البقر يدفع في المهر حتى الآن؛ ثلاثة بقرات وثور او ثوران وبقرة، ومعهما بعض ادوات الزراعة، ويدفع لعم العروس وليس والدها او امها فليس لهما نصيب من المهر، فان لم يكن اخاه فابن خالته وليس ابن عمه
لانه، في الماضي، كان الوراث هم ابناء الأخت، فيورث الناس ابناء اخواتهم وليس ابناءهم.
وياخذ الاعمام المهر من جهة ام والدها، هي عملية متعارف عليها ومتبادلة فانت تستلم ايضا مهر ابناء خالتك.
ويعطي العم، الذي استلم المهر، بقرة للعروس، ويشتري لها المعدات الزراعية ولوازم البيت، ولو ظهرت لها اي حوجة اخرى فتذهب لهذا العم مباشرة، وهم يحلون لها اي مشكلة ويلبون كل طلباتها، فليس هناك اي دور لابيها او امها في التصرف في المهر. واننا لنرى ان ذلك نوع من ترابط الاسرة الممتدة.
ولو اخذ الاب المهر فيمكن ان يقاضيه الاعمام في جلسة من جلسات الادارة الأهلية، ويشكو لهم العم قائلا: لماذا لم يعطني اخي هذا مهر ابنته؟
وهذا التقليد، الذي يدل على الترابط الاسري قائم عنا حتى اليوم.
(12)
ونختتم هذه المقتطفات بالحديث عن الموت والمآتم، ولها طقوس خاصة، والناس يعبروا عن احزانهم بالأغاني.
وفور موت احد الاهالي تتجمع النساء، وتجلس كبيرات السن على الارض، وتملا بخصة كبيرة بحبات عيش الريف المدقوق فتصدر صوتا يكون هو ايقاع الاغنيات الحزاينية، خاصة في اليوم الثالث (قبل رفع الفراش مباشرة)، وتسمى تل الاغاني (توس مورور كودي) وهي خاصة بالمآتم، وهي تغني للمتوفين من كبار السن على وجه الخصوص، وصغار السن لا يغنى لهم. فهي مخصصة للكجرة وكبار السن. وفي تلك الاغاني تمجيد للميت وذكر محاسنه، ويذكروا أخرين ضمن هذه المناحات، وتكون حزينة جدا حتى للناس الذين لا يعرفون اللغة يجدوا انفسهم، لا شعوريا، يبكون.
وتتحلق النساء تتوسطهم الحكامة التي تتغني بتلك المناحات وتردد جوقة النساء من خلفها كلمات المناحة.
وفي اليوم الثالث تقام الكرامات، وهي طقس مهم للغاية، فيجب على اقرباء الميت عمل الكرامة (أولاده وأولاد اخوانه وأولاد نسائبه، وأولاد اخواته)، وممكن ان يصل عدد الذبائح بغرض الكرامات عشرة او خمسة عشر تور، كل يحضر بهيمته ويعلن انه مكرم لعمه او نسيبه او خاله، ودون ان تشعر تجد ان المكان قد امتلا بالذبائح، وتكرر تلك الكرامات في السنوية ايضا. ولكن تضاف للسنوية اعلان أصدقاء المتوفى البعيدين في القرى المجاورة والقبائل الصديقة، فيخبرهم اهل الميت بموعد الذكرى السنوية.
ويحضر كل الناس ومعهم البهائم والعيش والويكة والمريسة الى ديار اهل الميت حيث تقام تلك السنوية.
وهذا ختام تلك المقتطفات مع امنياتنا لكم بعيد سعيد، وكل عام وانتم بخير.
ا. جليلة كوكو
عادل سيد احمد
amsidahmed@outlook.com
المحرر:
- تواصلت في الايام الفائتة مع الاستاذة الفاضلة جليلة كوكو بغرض التعاون في عرض احاجي من النوبة وجنوب كردفان، وقد اجتهدت الاستاذة في البحث عن تلك الاحاجي، وقد افادتني بعد ايام من البحث ان ما توصلت اليه سيكون حديثا عن تراث تلك القبائل تقدمها هدية وعيدية للقراء، ويشتمل الحديث على ظواهر تراثية منها الرقص والصراع والقنيص (القنص) والالعاب.
وها انا اورد ما جادت به الاستاذة مبوبا وفقا لترتيب تسجيلاتها الصوتية على الواتساب:
(1)
ونبدأ ببرنامج اسمه القنيص (القنص او الصيد- المحرر) وهو عبارة عن مهرجان شبابي للفروسية، ويكون في الصيف دائما، حيث يكون الناس قد فرغوا من الزراعة والحصاد، فيتجمعون ويذهبون الى صيد الحيوانات، والقنيص مرتبط بالنقارة (ام ضرا) وتسمى أمبة ايضا، وتتكون المجموعات من الكوقولو وهي العشرة مجموعات اللغوية التي تخاطب بعضها، وهي مناطق كادوقلي وما حولها تقريبا. وعادة ما تنتظر الفتيات الفارس الذي يحضر اسمن او اكبر صيدة، ويمكن ان تكون الصيدة غزال، حلوف، زرافة او ابسط شيء ممكن ان يحضر الشاب معه ريش نعام او دجاج الخلاء، وهم يرتادون الغابات في الصيف في هذا المهرجان، وعندما يعودوا يجدوا الفتيات في استقبالهم بالغناء والرقص.
(2)
من الالعاب لدينا لعبة اطفال تسمى ( تجيي)، ويجلس الاطفال تحت شجرة الجميز الكبيرة او اي شجرة اخرى ظليلة. وكل فتاة تحضر معها لوبيا بيضاء او سوداء او حمراء او مزركشة ابيض باسود او ابيض باحمر... ويقمن بوضع هذه اللوبيا في بخسة وتسمى ام صرو (والبخسة عبارة عن قرعة كبيرة مجوفة فيها فتحة صغيرة وتستخدم في حفظ اللبن او العسل او المريسة او العصيدة) ويقوموا بإدخال البوصة في البخسة لسحب اللوبيا (والبوصة هي عود الذرة الجاف المجوف)، فتكب فيها حبوب اللوبيا الصغيرة المحصودة من الجباريك (ومفردها جبراكة وهي الزراعة المنزلية في الحوش) وليس الحبوب الكبيرة المحصودة من الزراعة وغالبا ما تكون لوبيا الجباريك ملونة، وهكذا تخلط هذه الحبيبات الملونة داخل البخسة، والفائز هو من يسحب لوبيا من لون واحد فيجمع هذا اللون من كل المتنافسين، اما اذا سحب الوان واشكال مختلفة فيعيد المحاولة من جديد، فمثلا اذا سحبت اللوبيا السوداء بالبوصة فيحق لك ان تجمع كل الحبوب السوداء عند المتنافسين الآخرين وتضعها في كوم. وهناك المحظوظون الذين يفوزون كل مرة بصنف واحد، ويمكن ان يملأ ما يجمعوه قرعة او (كورية) كبيرة من اللوبيا يعود بها الى البيت.
(3)
لدينا ايضا رقص وأغاني البنات، وهي مخصصة للفتيات في الأعمار بين 12- 15 سنة، وهذه الالعاب مرتبطة برقصة البخسة، وتقام دائما في نهاية فصل الخريف وبداية موسم الحصاد، وتتجمع اولئي الشابات ويبدأن في الغناء الذي يقرظ الفارس القوي، لانها مرتبطة بالصراع (المصارعة- المحرر)، او يهجون الرجل الخواف او الجراي فيشجبنه ويفضحنه. لذلك يتبارى الفرسان امام الفتيات كل رجل يحمل درقته وعصاته ويرقص، ويسمى (توسو مولادو) اي الدونجوان او زير النساء.
فتتجمع الفتيات ويغنين لاؤلئك الفرسان، وفي بعض الاحايين يحفز الشاب البنات اللائي يغنين له او الحكامة بغزالة او ريش نعام او ريش دجاج الوادي، وهن مجموعة من البنات يغنين مع بعضهن البعض، وفي الليل تقام رقصة البخسة.
ورقصة البخسة تتم وفق إيقاع جماعي، تتكون آلاته من القرع (البخسة)، لكنه ملفوف وباحجام متنوعة في شكل بوق، أو ساكسفون، تصدر أصواتا مختلفة يجيد العزف عليه شباب متخصصون، .ويتم تأليف اغاني من المؤلف تكون بين الشباب ضد بعض، كمدح احدهم، أو شتم الفتيات وبالعكس، ويترجم في شكل ايقاعات راقصة.
(4)
وهناك لعبة مهمة تشبه لعبة الهوكي الأمريكية، وتسمى عندنا تروبي. وتروبي تعني بالرطانة: كرة، وهي ليست كرة عادية انما هي مصنوعة من ثمرة الدليب، حيث تنقسم اللاعبات الى فريقين وكل شابه تحمل عصا معقوفة تشبه عصا الهوكي براسها الملوية، وتوضع كرة الدليب في المنتصف في البداية، ويقوم فريق الجهة الجنوبية بابعادها بواسطة ضرب الكرة في اتجاه لعيبته الموزعين لابعادها في اتجاه الشمال ويفعل فريق الشمال العكس بابعاد الكرة ناحية الجنوب، وهي نفس اللعبة التي يلعبها الخواجات وتسمي عندهم ( الهوكي)، اما بناتنا فيسمينها لعبة تروبي يتبارى فيها الفريقان بحماس، ويكون هناك اناس متفرجين كثيرين.
وعادة ما تلعبها الفتيات الكبيرات وليس صغيرات السن.
(5)
ايضا نذكر الكراكير، وهي موجودة في الجبال، والكركور عبارة عن جبل مجوف له فتحتان، ومنها تدخل اشعة الشمس وضؤها، فيضيء الكركور، وتستخدم الكراكير عادة آناء الحروب للاختباء. ويحمل كل الناس الضروريات من ماء وطعام الى داخل الكركور، ويحتموا به بحيث ان هذا الجبل لو ضرب بواسطة بديناميت او الدانات والقذائف فانه يحتملها، ولا تؤثر فيمن هم بداخله.
ولكل عائلة كركور خاص ومعروف تختبيء فيه، ويكون الكركور مقفولا بحجر كبير ولا يفتحونه الا عند الضرورة القصوى.
في بعض الاحايين يجد الاهالي الثعابين الكبيرة داخل الكراكير، وهي غير مؤذية فيصدف ان يكون احدهم راقدا بداخل الكركور وبجواره اصلة، وتخرج تلك الاصلة متى ما تمت مضايقتها. والكراكير نفسها نظيفة وباردة، وفي نفس الوقت مشمسة، وهذا كل ما يتعلق بالكراكير عندنا في جبال النوبة.
ودائما ما تكون النساء والاطفال داخل الكراكير، وفي الخارج، فوق الجبل، يوجد المقاتلون الشجعان وهم يحملون الحراب، والسهم ابو شوك؟ والبنادق المرمطون، والمقلاع. وفي العادة تكون في قمة الجبل مخابيء من الحجارة الكبيرة، والأشجار الضخمة.
(6)
وفي هذه المقتطفات التراثية لابد لنا من الحديث عن الحجر (المقلاع)، وقد روى لنا الاجداد انهم كانوا يحاربون النصارى والانجليز بالحجر الذي يسمى عندهم (دال فورا)، ودال فورا حجر ملفوف في حبل، وعندما ينفك الحبل يطير الحجر فيصيب، بشكل مؤكد، الهدف. ويمكن ان يكون الهدف الفارس او الحصان الذي يمتطي صهوته، والدال فورا يقتل الحصان او الفارس ايهما اصاب، فهو اذن سلاح خطير للمحترفين وليس كل الناس يجيدون استخدامه، فالشباب يجمعون اكوام الحجارة لاؤلئك المحترفين الذين يصبون به الاعداء في مقتل، وقد كان الاعداء كثر وكانوا يغيرون على اهل الجبال، وكانت هنالك تجارة الرقيق، فكانت المطاردات بالحصين للقبض على الرقيق، فكانت تتم محاربتهم بدال فورا، طبعا في تلك الأزمان لم يكن السلاح الناري او ما شابهه موجودا.
(7)
وعن الزواج عند النوبة نقول انه يمكن يستمر حول كامل، وتبدا هذه السنة منذ ان ينتوي العريس الزواج ويخطب الفتاة ويدفع لها المهر من البقر او الأغنام او خلافهما، ثم ينصرف لتجهيز زراعته ويؤازره الناس فيزرعون ويحصدون معه بالنفير، ويجمعوا الحصاد ايضا بالنفير، وهذه هي حكاية الزواج... والى ان يجمعوا الحصاد في السنة الثانية ويخزنوها في السويبات ( صوامع صغيرة للغلال من الطين المبلط ومعروشة بالقش)، وهناك سويبة مخصصة للذرة واخرى للسمسم وثالثة للفول، واخريات للمحصودات الغابية كالنبق واللالوب وغيرها. اما العروس فتكون مضيوفة بالبنات من حولها، ويمكن ان تحمل العروس وتشارف على الوضوع ولا يزال الناس ينادونها بالعروس، وهي عاطلة لا تفعل شيئا يخدمنها البنات المتحلقات حولها، فيحضرون لها الحطب واللالوب والماء لان الماء لا يتوفر الا من الآبار...
(8)
ايضا نتحدث عن الزراعة، والتي تتم عن طريق النفير، ويعني ذلك ان يجهز المزارع مستلزمات زراعته ثم يدعو ناس القرية كلهم لمساعدته في الحصاد، ويقوم بتحهيز الوجبة لهم دون ان يدفعوا هم ادنى مبلغ. والوجبة تكون طعام او شراب (المريسة) البلدي، وهي وجبة باردة، تجهز ليس بغرض السكر وانما لانها تقطع العطش الناتج من العمل، ويجهزنها النساء حيث تقوم المرأة بتوصيلها مع صاحباتها او اخواتها الى الحقول التي غالبا ما تكون بعيدة عكس الجباريك القريبة (وهي الزراعة المنزلية)، وتتكون منتجات الجبراكة من العيش الحلو، والتبش، والفول السوداني وعيش الريف، والكركدي والدخن وهكذا، وتعمل فيها المراة واطفالها او صاحباتها، اما الزراعة الرئيسية فتنتج السمسم والذرة واللوبيا، وفي بعض المزارع القطن، وهلم جرا، وهي التي تتم فيها الزراعة بنظام النفير ويقوم بها الرجال والنساء، ويتم الايلام لها وتطلع دعوات مخصوصة لهذا النفير او ذاك.
(9)
ومن العادات النوبية العريقة الصراع، وهي رياضة شعبية تسمى بالنوبية (تبينيه) وتعنى ان الشخص المعني فارس في قبيلته او اسرته.
ويتم تجهيز المصارع قبل شهرين او ثلاثة بان يضعوه في معسكر مقفول، وياكل السمن بالدكوة (زبدة الفول السوداني)، او الدكوة بالعسل، ويشرب لبن، ولا ياكل الملاح مثل الويكة وغيرها، وبذلك يصير المصارع قويا ويتمسح بالرماد ليصير قويا اكثر... وفي هذا المعسكر لا يقوم باي جهد ولا يتعب الى ان ياتي زمن الصراع، وتقام المباريات في ميادين خاصة، هناك شخص معين هو من يقيم مراسم الصراع وغالبا ما يكون من المصارعين القدامى أو الكجوري. ويكون موعدها في شهر نوفمبر (اي بعد الحصاد ) ويكون هناك سبر، ورقصة الكمبلا المربوطة بالصراع.
تقام رقصة الكمبلا في موسم حصاد الجبراكة بنهايه شهر اغسطس الى منتصف سبتمبر، وهي رقصة عنيفة لا يقدر عليها الا الشباب الأقوياء حيث يدقون الأرض دقا ويقوم الشخص المكلف بإعداد رقصة الكمبلا بوضع سوط في غرفته وعندما يسقط هذا السوط من مكانه دون ان يلمسه أحد يعتبر ذلك إذانا ببدأ الرقصة، ويقوم بجلد كل الراقصين بذلك السوط فتصيبهم حالة أشبه بالهستيريا فيهيجون كالبقر ويصدرون أصواتا كالثيران ويكون في ميدان منطقة الاسبار المخصصة لرقصة الكمبلا، ويقوم مؤلف أغاني الكمبلا بالخروج إلى ساحة السبر والبدء في التغني بصوت عالى، ومعه الشخص المسؤول عن رقص الكمبلا، وترى الراقصين يهرولون تلقائيا إلى الميدان للبدء في الرقص.
الكمبلا لها زي معين، أهمها قرون البقر, والكشكوش المصنوع من سعف الدوم وبداخله حبيبات من احد انواع القش، تشبه حبوبها حبوب الذرة أو الدخن، ويربط الكشكوش في أيدي أو أرجل الراقصين.
وليست كل القبائل ترقص الكمبلة انما هنالك قبائل معينة تمتاز بتلك الرقصة.
(10)
وناتي على ذكر الكجور، والكجور هو الاب الروحي الذي نسميه (تامسلا) وهو الكجوري وهو شخص وهبه الله تلك الخاصية، وهي العمل في مجال الروحانيات، ويعتقد فيه السكان الذين يقطنون الجبال، ومعروف عن الجبال انها مساكن للجن كله، وفي بعض الاحيان يحذر الكجور الشباب من انتشار الجن وينصحهم بعدم الخروج او الرقص في الميادين. وفي بعض الاحيان يقع الشباب او يمرض، فياخذه الناس الى الكجور الذي يقوم برشه بالماء وبعمل بعض الطقوس فيتعافى ذلك الشاب.
والكجور مرتبط بتراث وارض النوبة، ولا يوجد في اي مكان آخر تقريبا، او يوجد اناس لهم طقوس اخرى. والكجوري عنده بيت خاص ويكون طاهرا وعفيف وليس بلص، ولا يفعل ما يشين، وغالبا ما يكون كبار السن كجرة، وفي بعض الاحيان يورث الكجور، بمعني انه عندما يتوفي احد الكجور فان ابنه يصير كجوريا بدله.
وللكجوري اشياء خاصة هي الكوكاب، وقرعة كبيرة وبخسة صغيرة يضعها بجانبه، والكوكاب قطعة من الحديد مستديرة ومدببة، تشبه الحربة، وتستخدم في الصيد بما فيه صيد الاسماك، فيذهب الناس للبحر او الخيران ويصطادوا الاسماك الكبيرة خاصة سمك القرموط التي يتم طعنها بالكوكاب. وهو سلاح حربي ايضا، وهناك اب شوك ويستخدم في الصيد بان يقذف به من بعيد في اتجاه الصيدة فيصيبها، ويلازم الكجور ايضا، فلابد ان يكون للكجوري كوكاب ويحمله معه اينما ذهب، ومن بعيد يعرف ان صاحب الكوكاب (كجوري).
والناس يجيئون اليه فيرشهم بالماء من البخسة او يرش المريض ويتكلم فوقه ويبدا بالبسملة (انيما سلا)، ولا يوجد كجوري لا يبدا علاجه بقوله بسم الله الرحمن الرحيم.
والكجور انواع، فهناك كجوري خاص بالمطر، وفي الجفاف او عندما يشح المطر يخرج كجوري المطر ويقدم كرامات، وتؤخذ لها من كل بيت ذرة وويكة، وينظفوا المكان ويطلع الكجوري في تلة او جبل صغير ويدعو الله ويقوم بعمل الطقوس لانزال المطر، وكل الناس يدعون معه بتلك الكرامات، والكرامة تشد خارج البيوت: بليلة، عصائد، ... الخ.
وهناك كجور خاص بعلاج الامراض يذهب اليه المرضى ليشفيهم... وهناك كجور (السبر)، فعندما تنضج عيوش الجباريك وتكون جاهزة لا ياكل منها الناس حتي ياتي الكجور ويقوم بعمل طقوس السبر حتى بعد ذلك ياكل الناس عيش الريف والتبش والفول واللوبيا وخلافها، كما ان هناك كجور خاص بالحصاد الكبير، ولا احد يحصد او يحش المحصول قبل اداء هذا الكجور للطقوس المعروفة.
اما السبر فهو شعار دائما ما يكون في بداية المواسم، ويقوم باداء طقوسه شخص معين او كجوري؛ ويقام السبر لمناسبات متعددة، فمثلا في سبر الحصاد ينتظر الناس هذا الشخص ليعلن بداية الموسم ولا يتجرأ احد بقطف تبشة اول قندول عيش قبل ذلك الإعلان، وهو عبارة عن كرامات بعدها يمكن للناس ان يبداوا الحصاد، وتاكل وبالذات محاصيل الجباريك.
وهناك سبر الماء (عندما يكون المطر شحيح) وهي تتوارث وخاصة باسر بعينها، فان مات السبر ورث ولده عنه هذا التخصص.
ولعمل الكرامات يؤخذ القليل من المستلزمات من كل بيت: عيش، فول، سمسم وهكذا وتطبخ في الشارع، ويتم كنس تلك الشوارع ونظافتها بواسطة اهل القرية، وبعد ذلك يقوم الشخص المعين بعمل طقوس برش البليلة ويدعو الله ان ينزل لهم المطر. وفي نفس اليوم تجد السحاب قد تجمع وهطلت الامطار بفضل الله.
وفي منطقة أخرى عندنا سبر اللوبيا، وهو نفس سبر الحصاد، ولكن في منطقة الدلنج يسمى سبر اللوبيا. وهناك سبر الكمبلا وسبر الصراع وهناك السبر الذي ياذن للناس بالذهاب لرقصة النقارة، وكل سبر الحصاد مربوط برقصة البخسة.
والسبر يقام في بداية موسم لشيء معين (افتتاح)، ويقوم بطقوسه شخص معين متخصص، او كجوري.
(11)
نود الحديث هنا عن (المهر)، وهو المال الذي يدفع للعروس، ويكون عبارة عن ابقار واغنام وادوات زراعة، وليس في كل القبائل، ولكن نحن كمجموعة قبائل كوقولو (وتضم احدى وثلاثين قبيلة، وهي احدي المجموعات اللغوية من العشرة التي تنتمي إليها المجموعات اللغوية في جبال النوبة) نمارس هذا التقليد.
وقد كان ذلك كله في السابق، ولكن لا يزال البقر يدفع في المهر حتى الآن؛ ثلاثة بقرات وثور او ثوران وبقرة، ومعهما بعض ادوات الزراعة، ويدفع لعم العروس وليس والدها او امها فليس لهما نصيب من المهر، فان لم يكن اخاه فابن خالته وليس ابن عمه
لانه، في الماضي، كان الوراث هم ابناء الأخت، فيورث الناس ابناء اخواتهم وليس ابناءهم.
وياخذ الاعمام المهر من جهة ام والدها، هي عملية متعارف عليها ومتبادلة فانت تستلم ايضا مهر ابناء خالتك.
ويعطي العم، الذي استلم المهر، بقرة للعروس، ويشتري لها المعدات الزراعية ولوازم البيت، ولو ظهرت لها اي حوجة اخرى فتذهب لهذا العم مباشرة، وهم يحلون لها اي مشكلة ويلبون كل طلباتها، فليس هناك اي دور لابيها او امها في التصرف في المهر. واننا لنرى ان ذلك نوع من ترابط الاسرة الممتدة.
ولو اخذ الاب المهر فيمكن ان يقاضيه الاعمام في جلسة من جلسات الادارة الأهلية، ويشكو لهم العم قائلا: لماذا لم يعطني اخي هذا مهر ابنته؟
وهذا التقليد، الذي يدل على الترابط الاسري قائم عنا حتى اليوم.
(12)
ونختتم هذه المقتطفات بالحديث عن الموت والمآتم، ولها طقوس خاصة، والناس يعبروا عن احزانهم بالأغاني.
وفور موت احد الاهالي تتجمع النساء، وتجلس كبيرات السن على الارض، وتملا بخصة كبيرة بحبات عيش الريف المدقوق فتصدر صوتا يكون هو ايقاع الاغنيات الحزاينية، خاصة في اليوم الثالث (قبل رفع الفراش مباشرة)، وتسمى تل الاغاني (توس مورور كودي) وهي خاصة بالمآتم، وهي تغني للمتوفين من كبار السن على وجه الخصوص، وصغار السن لا يغنى لهم. فهي مخصصة للكجرة وكبار السن. وفي تلك الاغاني تمجيد للميت وذكر محاسنه، ويذكروا أخرين ضمن هذه المناحات، وتكون حزينة جدا حتى للناس الذين لا يعرفون اللغة يجدوا انفسهم، لا شعوريا، يبكون.
وتتحلق النساء تتوسطهم الحكامة التي تتغني بتلك المناحات وتردد جوقة النساء من خلفها كلمات المناحة.
وفي اليوم الثالث تقام الكرامات، وهي طقس مهم للغاية، فيجب على اقرباء الميت عمل الكرامة (أولاده وأولاد اخوانه وأولاد نسائبه، وأولاد اخواته)، وممكن ان يصل عدد الذبائح بغرض الكرامات عشرة او خمسة عشر تور، كل يحضر بهيمته ويعلن انه مكرم لعمه او نسيبه او خاله، ودون ان تشعر تجد ان المكان قد امتلا بالذبائح، وتكرر تلك الكرامات في السنوية ايضا. ولكن تضاف للسنوية اعلان أصدقاء المتوفى البعيدين في القرى المجاورة والقبائل الصديقة، فيخبرهم اهل الميت بموعد الذكرى السنوية.
ويحضر كل الناس ومعهم البهائم والعيش والويكة والمريسة الى ديار اهل الميت حيث تقام تلك السنوية.
وهذا ختام تلك المقتطفات مع امنياتنا لكم بعيد سعيد، وكل عام وانتم بخير.
ا. جليلة كوكو
عادل سيد احمد
amsidahmed@outlook.com