ملامح من الحياة في كندا (9)

 


 

حامد بشري
3 November, 2024

 

المسكوت عنه

لاحظت خلال أقامتي بكندا ، أنواع مختلفة من المشاكل الأجتماعية التي أخذت تطفح علي السطح وسط المجموعات التي هاجرت الي كندا خلال العقدين الأخيرين أو ما يزيد مما حد من الأستفادة من الفرص التي تتوفر في هذا القطر ومثيلاته من الدول الأوربية . ليس في وضع يسمح لي بتقديم النصح وأنما الهدف أشراك القارئ والقادمين الجدد بالمعلومة التي أستقيتها بالمعاشرة ومن وسائل الأعلام في هذا العالم الغربي المضطرب.
نعلم أن هذه البلاد تختلف عنا في عاداتها وتقاليدها الأجتماعية والثقافية ومن الضروري الأندماج والتعايش مع هذا الواقع الجديد والأنخراط في معاملاته ونظامه والأستفادة من تجارب الجاليات التي سبقتنا في المهجر والأقتناع التام بأن هذا القطر سيكون موطناً لنا ولذريتنا مع الشكر والأمتنان والتقدير لأستقباله وضيافته لنا بعد أن عانين الأقامة في ظل حكم عسكري باطش لثلاثين عاماً ونيف أعقبه حرب وتشريد وجوع ومرض وأقامة في بلدان بدون هوية .
أولي المشكلات الأجتماعية التي تواجه المهاجرين الجدد تكمن في التأقلم مع هذه البيئة التي توفر للمرأة حقوقها كاملة غير منقصوة . أبتدأً من حق العمل والتعليم والمطالبة بمشاركة الزوج في جميع المهام والتي تعني بالضرورة تقسيم المهام والمسئوليات ومراقبة المنصرفات المالية من قبل الزوجة . من الضروري أن يكون الرجل السوداني منفتحاً ومتقبلاً لهذه المفاهيم . عدم أحترام الزوج والتقصير أمام هذه الألتزامات سينعكس علي الحياة الزوجية ويحولها الي جحيم ، وبالضرورة علي تربية الأطفال وسلوكهم كما سيترك بصماته علي حياة الأسرة الاقتصادية . هذه حقوق مُكتسبة للزوجة بالقانون والمعايشة اليومية في هذا المجتمع . قد تتفاوت درجات تطبيقها بحكم النشأة الأ أنها تبرز من حين الي آخر في المعاملات اليومية داخل الأُسر.
في هذا الجزء من العالم رياض الأطفال والمدارس الأبتدائية لهم الأولوية في التربية ، يتولون نيابة عن الآباء والامهات جزئياً هذه المهمة . وليس من غرائب الصدف أن تجد الطفل أو الطفلة يستمع بأهتمام بالغ لتوجيهات المعلمة في الروضة أكثر من الأستماع لحديث الوالدين . في هذا المجتمع يُحرم علي الوالدين عقاب الأطفال عن طريق الضرب أو الأهانة اللفظية واذا حدث مثل هذا التصرف من الأمهات او الآباء سيفقدهم فلذة أكبادهم وستتولي الدولة رعاية الطفل بأرساله الي أُسرة أخري تعتبر (أصلح) من الوالدين ، مما يعرض العائلة الي سونامي . جهاز التلفزيون في المجتمع الغربي يشارك الوالدين في التربية بغرسه مفاهيم تتناسب مع البيئة التي سينشأ فيها الطفل ، وهذه من ضرائب الهجرة وفقدان الأوطان . زمليتنا الكندية أماً وأباً وليس بالتجنس مثلي، مهندسة كيميائية قديرة ، زرناهم بالمنزل ولم نجد تلفزيوناً أتضح أن السبب تفادياً لإنغماس الأطفال مع هذه الشاشة المغرية لفترات طويلة وهم مازالوا في سن مبكرة . هذا حدث قبل ظهور الزلزال الأكبر وأعني ثالثة الأثافي التلفونات الذكية . بعض الأسر الكندية تسمح للأطفال بساعات محددة في اليوم لمشاهدة التلفاز وبعضها يمنع التلفونات منهم إضافة الي أن كندا تعتبر من أغلي الدول فيما يتعلق بخدمات الأتصالات . تربية الأطفال تتطلب التضحية بجزء كبير من الحياة الأجتماعية للوالدين وفي هذا يدخل عامل الزيارات من غير مواعيد وبقاء الوالدين أو الضيوف لساعات طويلة بعد المواعيد المحددة لخلود الأطفال للراحة . تقضية الوقت ومشاركة الأطفال أهتماماتهم يساعد كثيراً في فهم ما بدواخلهم ويقربهم أكثر للوالدين . أعلم أن كل هذه المعلومات متوفرة للمهاجرين الجدد وهم علي معرفة ودراية بها الأ أن تكررها والتشديد عليها يوضح أهميتها لأرتباطها بتربية النشئ خاصة في عدم وجود العائلة الممتددة أو علي الأقل الجدة أو الجد ، حيث أن مساعدتهم في التربية لا تقدر بثمن . نجد أن كثيرين من الكنديين والكنديات يفضلون السكن والعمل في أماكن يتواجد بها أقارباء من فروع العائلة لأنهم يلعبون دوراً هاماً في التربية ومساعدة الوالدين . لا يخفي علينا أن قبول الدول الغربية لهذه الأعداد من المهاجرين الذين ضربت الحروب ببلدانهم أهدافها أصبحت ظاهرة للعيان خاصة أذا لاحظنا أنخفاض المواليد وسط الأوربيين بهذه الدول . الأعباء المالية التي تقدمها الدولة للجيل الأول من المهاجرين تتحصل علي فوائدها من تربية الجيل الثاني والثالث علي الطريقة التي تتناسب مع مفاهيم وقيم الدولة التي أختار الوالدين الهجرة اليها . وفي هذا المقام لا يفوتنا أن نذكر الأعداد الكبيرة والتسهيلات التي يتلقاها المهاجر الأوكرايني مقابل المهاجر السوداني في كل الدول الأوربية وكندا تعتبر رائداً في هذا المضمار . أضافة الي أن الفكرة قد تكون أكبر من وجه الشبه بين المهاجر الأوكرايني ونظيره الأوربي والكندي لها أبعاداً سياسية أخري تتلخص في الأبادة الجماعية والتطهير العرقي الجاري للقومية الاوكراينية حيث تُجري المفاوضات في الغرف المغلقة لازالتها من خريطة العالم . ربي أحفظ السودان وأهله .
من المفيد للقادمين الجدد الذين يحضرون علي كفالة أشخاص مقيمين أن يفكروا في الاستقرار في المدن الصغيرة حتي وأن كانت بعيدة من الذين تولوا كفالتهم لعدة أسباب منها الأيجارات وتكلفة المعيشة أقل وثانياً الانخراط في الحياة الكندية أسهل وأسرع لسهولة الحركة وأخيراً البيئة لتعلم اللغة وتربية الأطفال قد تكون أفضل من المدن الكبيرة .
أنخراط الأطفال والشباب والشابات في الأنشطة المختلفة في المدارس مهم ، هنالك توجد مختلف المناشط للألعاب الرياضية بالمدارس ، بخلاف أهميتها التي ورثناها من مقولة العقل السليم في الجسم السليم ، في هذا المجتمع تمثل نسبياً درعاً واقياً من الأنخراط في السلوك الضار. مراقبة الأطفال في سلوكهم خاصة فيما يتعلق بتعاطي المخدرات يكتسب أولوية ، هذه الآفة التي دخلت المجتمع أصبحت منتشرة في كل مكان حتي وصلت الي الفصول الدراسية . تُجار المخدرات في بعض الأماكن يتجولون حول المدارس ويعرضون بضاعتهم مجاناً حتي ينجذب التلميذ/ة اليها وفي هذا عبء أضافي للوالدين في المراقبة أضافة الي أنها أصبحت تباع في كثير من المحلات التجارية تحت ضوابط عمرية معينة . الملاحظ أن محلات بيع المخدرات فاقت في عددها محلات بيع الخمور حتي في المدن الكندية المحافظة نسبياً كمدينة أتاوا .
توزيع الطلاب علي المدارس يتم علي حسب موقع السكن ، قد تكون المدرسة التي بالقرب من السكن مدرسة كاثوليكية . هذه مدارس ممتازة ولا تجبر التلميذ علي أعتناق المسيحية وأنما هنالك حصة للديانة المسيحية وفي هذا توسيع لمدارك الطالب مما يجعله ملماً بالدين المسيحي . كذلك توجد مدارس أسلامية في بعض المدن وعلي ما أعتقد تُطالب بدفع رسوم ولا علم لي بمقرراتها . نما الي علمي أن معلمة سودانية قدمت للتدريس بأحدي المدارس الأسلامية وكان من ضمن شروط قبولها كمعلمة أن تتحجب . الحجاب مسموح به في المدارس الكندية ولا غبار عليه رسمياً في كل المحافظات الكندية ما عدا محافظة كوبيك حيث يدور لغط كثير حوله . والحديث عن المدارس بالضرورة أن يقود الي بعض العادات في المجتمع المدرسي الكندي . هنالك ظاهرة وسط طلاب المدارس ، يطلق عليها المبيت مع الأصحاب أو الجيران وغالباً ما تكون أيام العطلات الأسبوعية . يجب أنتباه أولياء أمور الطلبة وخاصة القادمين الجدد لهذه الظاهرة ، من المهم التعرف علي أسر أصدقاء الأطفال قبل السماح لهم بالمبيت خارج المنزل . منعها وتحريمها للأطفال قد لا يكون مفيداً لكن الفحص واجب .
الجوامع موجودة في كل كندا ، وفي بعضها يتم أستقطاب للشباب والشابات لكي ينخرطوا في تطرف ديني يؤدي الي نتائج غير حميدة ، نرجو من الجميع الأنتباه لهذه الظاهرة . ذهاب الأبناء والبنات الي الجوامع لا يعني بالضرورة الألتزام بتعاليم الدين الحنيف في بعض الحالات تكون العواقب وخيمة . أذا لم تكن الفتاة مقتنعة بالحجاب لا يجب فرضه عليها . روي لي أحد الأساتذة بالجامعات أنه رأي طالبات يحضرن الي الجامعة وهن محجبات والبعض الآخر منقبات وقبل الدخول الي قاعة المحاضرات يتوجهن الي أماكن مخصصة داخل الحرم الجامعي حيث يستبدلن الزي الأسلامي بأزياء غربية . في المنزل وأمام الوالدين زي أسلامي لإرضائهم وفي المدرجات زي أفرنجي وفي هذا أزدواج للشخصية عواقبه قد تكون وخيمة .
الشباب والشابات في سن المراهقة وحتي بعدها ينخرطون في علاقات عاطفية مع أقرانهم من المواطنيين الأصليين أو الذين هاجروا من دول مختلفة من هذا العالم وهذا شيئ طبيعي وخاصة في المجتمعات الغربية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) . الحجرات ، الآية 13 . وقوف الوالدين ضد الطبيعة البشرية يجعل الأبن أو الأبنة مثار تندر وسط أربابهم تؤدي الي عزلتهم . التدخل الغير مدروس من الوالدين في العلاقات العاطفية قد يفقد الوالدين الأبن /ة ويحرمهم من الأبوة . في هذه البلاد توجد حقوق قانونية للحيوانات ناهيك من الأنسان الذي يصل الي عمر الثامنة عشر . وأذا قدم شكوي للدولة عن الطريقة التي يُعامل بها في المنزل من قبل والديه سيعرضهم الي محاسبة قانونية . عليه حين قررنا أن نحضر الي هذه الديار يجب أن نضع نصب أعيننا الظروف الأجتماعية التي عشنا فيها والظروف الأجتماعية التي تشكلت عليها البيئة الجديدة التي قررنا العيش فيها . عدم التصالح مع هذه المفاهيم قد يؤدي الي أمراض نفسية والي تشتت الأسرة والي حالات أنفصام وأمراض نفسية وأرتكاب جرائم وموبغات تصل الي الأنتحار والقتل . الهجرة ثمنها باهظ كما ذكرنا آنفاً وخياراتنا أصبحت محدودة خاصة في ظروف اللاوطن ، أذا لم يكن هنالك أستعداد وتفهم للقادم الجديد لهذه البيئة فالأفيد والأجدي أن يبقي الذي ينوي الهجرة الي كندا حيثما هو سوي داخل السودان الذي مزقته الحروب أو خارج السودان مُشرداً منبوذاً .
يتبع
حامد بشري
2 نوفمبر 2024

hamedbushra6@gmail.com

 

آراء