مليارديرات .. شحاذون!!
9 January, 2010
معادلات
*غاية "الدعاية" أو الإعلان ، في المصطلح التجاري، لفت انتباه الناس إلى وجود "سلعةٍ"ما ، أو إلى مميزاتها و خصائصها غير المتوفرة في مثيلاتها ، أو إلى زهادة سعرها ، أو أيّة "خدمة" إضافيّة يتوسَّلُ بها منتج السلعة أو بائعها ، إلى ترويج سلعته..
* و من داخل سياج القيم الإنسانية الرفيعة ، المبجلة ، والمرعيّة لدى الجميع ، نشأ "أدب" الإعلان وفنونه ، محدوداً بكوابح المجتمع وكوابح الدين وكوابح العُرف.. فكان من غير الوارد – في كل مجتمعات الدنيا – الإعلان عن سلعة غير مشروعة في ذاتها ، وهو أمر ما يزال محسوماً حتّى اليوم ، إلاّ في أحوال نادرة ( وضوابط المشروعية تتباين بين مجتمع وآخر ، على ظهر هذه الكُرة)..
* وكان ، أيضاً ، من المتفق عليه ألاّ يتضمن شكل أو عبارات الإعلان إساءةً أو قدحاً أو تحقيراً أو تقليلاً من شأن "مُنتَجٍ" مُنافس..
ولكن التشريع "الرسمي" في السودان ، لأمرٍ ما ، نسي أو تجاهل أمر التدخل في بعض ما لا يُلائم "الذوق" من أساليب الإعلان ، وربما تَعَمَّد تركهُ للمجتمع ليتعامل معهُ بمقتضيات الذوق ، أي ينفر من المُعلِن و من سلعته ، فيكون ذلك جزاءهُ الأوفى .. ولكن ينسى من يرى ذلك الرأي أن سُلطة "الإعلام" التي يتوسل بها الإعلان ، هي سُلطة لها أثرها وسطوتها البالغين على ذوق المجتمع نفسه !!
تزعجني كثيراً – هذه الأيام – أساليب إعلان بدأت بالإنتشار ، تتضمن "تسوُّلاً" صريحاً ، بل "شحدة" لا تليق بشركات تحترم نفسها ، ويكاد بعضهم اليوم يُعلن قائلاً ، عبر منابر الإعلام : ( عليكم الله .. خسَّمتكم بي الرسول .. عليييييكم النبي اشتروا مني يا جماعة)!!..
بل يقولها – بالفعل – بعضهم ، بعبارات تختلف قليلاً .. فقد تعوّدتُ أن أقرأ ، مثلاً ، على جُدران إحدى "الشركات" التي تبيع سلعة مألوفة ، يشتريها المُسلِمُ وغير المسلم ، عبارات تتسوّلُ العواطف الدينية لدى المسلمين ، مثل (لا إله إلا الله محمد رسول الله) مثلاً !! وهي عبارة لا بأس من كتابتها ، مع كراهة الرياء ، داخل مكتب المدير ، أو على جدار مسجد الشركة إن كان بها مسجد .. ولكن أن تَكتُبَ ، يا صديقي ، مثلاً ، على عدد من اللوحات عند مدخل شركتك عبارات مثل :"سلعتنا هي الأفضل" "نحن نحترم عملاءنا" "أسعارنا لا تُنافَس" .. إلخ من عبارات لا غُبار عليها ، ثم تضع بجانبها لوحة عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، فإن إيّ ذوق سليم سوف يعتبرك مجرّد "مُنافق" أو مرائي، أو – على أفضل التأويلات – مُتسَوِّل لعواطف المسلمين ، خصوصاً وأنه ليس من شروط المجتمع المسلم في السودان أن يُشهِرَ البائع إسلامهُ على رؤوس الأشهاد حتى يتم التعامل معه ، فللمسلم – شرعاً – أن يتعامل مع أيِّ بائع أو مدير شركة أمين ، أيَّاً كان دينُه !!!
* و حين يأخذ الإعلان شكل "التسوُّل" دون أن يلقَى استهجان المجتمع (أو مؤسسات حماية المجتمع) ، أو الدولة ، فإن ذلك يكون في واقع الأمر نذيراً بخطر كبير على قِيَم المجتمع ، و"أمنه"!! .. فإنّ "الملياردير" الذي لا يستنكف أن يتسوّل الناس ، هو شخص – بالضرورة – لا يستنكفُ أن يتسوَّل الدُّوَل ، أو "وكالات المخابرات الأجنبيّة" .. فإنّ دناءة النفس عُنصُرٌ واحد ، ونتائجها واحدة ، سواءً أكانت في الغَنيِّ أو في الفقير..
* القانون لا يمنع التسوُّل .. لأنّهُ أمرٌ قد تقتضيه ضرورة .. ولكن المجتمع الذي يتصالح مع التسوُّل باعتباره (قيمة حضارية) كما يحاول تجسيدهُ فن الإعلان ، هو مجتمع تنتظرهُ كثيرٌ من الويلات...
ali yasien [aliyasien@gmail.com]