مناقشة في مناقشة (الدقير وساكن)

 


 

 

د. عزيز سليمان

كتب الدكتور عزيز سليمان / استاذ السياسة و السياسات العامة.

مناقشة في مناقشة (الدقير وساكن)

قرأت مثل الكثيرين ما نشره السيد المهندس عمر الدقير مناقشة مع عبد العزيز بركة ساكن... بدأها بمندوحة حول وظيفة المثقف في المجتمع وموقفه من السلطة... ويبدو أن السيد الدقير قد لجأ لمذكرة كشكولية فارغة المحتوى قد تبهر القارئ السطحي منذ اللحظة الأولى أن كاتبها موسوعي المعرفة، له في التاريخ كما له في الثقافة بذات القدر الذي له فيه في السياسة والهندسة، وعند تعريض تلك الكراسة الكشكولية على جمر المعرفة تذوب تحت وهج جمر المعرفة مفصحة عن عدم اتساق فكرته مع ما يريد أن يوصل له ... فالواضح أن الدقير لا يملك فنيات الكتابة من حيث وحدة الموضوع، وهذا أمر هين وليس العيب الأكبر في ما ذهب إليه في مناقشته لساكن. العيب الأكبر أنه لا يجيد فن الإمساك بفلسفة الموضوع المطروح... فقد رصع مناقشته مع ساكن بسردية حول ابن خلدون كمحاولة لإعطاء انطباعا أنه يعرف سيرة الرجل الذي ما كان له وهو من هو كعالم لا يشق له غبار يمكن أن يؤخذ كنموذج للمثقف الذي ما كان له أن يقبل يد تيمور لنك القائد المغولي وأن يخضع له بذلك الذل والصغار. وعندما يذهب القارئ قدما مع الدقير يكاد يتبين أن الدقير بدرجة من السطحية بحيث لا يستطيع أن يفرز هل كان تيمور لنك مسلما ام كافرا.. وماهي ثقافة مقابلة الملوك الفاتحين إبان تلك الحقبة من تاريخ الحضارة الإسلامية.. وهل كان تهافت ابن خلدون أمام الزاحف المغولي برضاه ام أنه مفوض من قبل سلطان المماليك بل وما هي نوع الدولة التي عاش في كنفها ابن خلدون قبيل الغزو المغولي؟؟؟ كل هذا كان يمكن أن يبعد ابن خلدون من دائرة السرد لو أن السيد الدقير كان يعي ويعرف بعمق دارس التاريخ أن ابن خلدون ما كان له أن يفعل ما فعل الا ضمن ما شاع في تلك الحقبة من ثقافة تمجد صاحب القوة ذو الشوكة. كما أن ابن خلدون لم ينظر ولم يقدم أي أطروحات حول كيفية مقارعة النظم القهرية الاستبدادية حتى يكون تهاويه أمام تيمور لنك الذي لقب نفسه ب (سيف الإسلام) ذو فائدة لموضوع مناقشته مع بركة ساكن ولكن هذه ليست القضية.
القضية في الأساس هي موقف الدقير جوهريا من جملة أطروحة ساكن وهي موقفه و موقف رهطه الحزبي وتحالفه من الدعم السريع أثناء الحرب... من المهم التركيز على نقطة واحدة وهي أن كل من يدين الدعم السريع ليس بالضرورة أن يكون مصطف في جانب الجيش وهذا ما لن يكون بمقدور الدقير ورهطه الحزبي ادراكه. لأن المسألة كلها بالنسبة لهم قائمة على حالة استقطاب سياسي بينهم وبين المؤتمر الوطني وهذا ما غيب قدرة الدقير ورهطه من تفهم الموقف خارج دائرة تصورهم للحرب (الوقوف مع الجيش يعني بشكل أو بآخر التماهي مع الإسلاميين) والحقيقة أن موقف بركة ساكن من الدعم السريع لا تؤكده ولا تزيده نصاعة الحرب التي أثبت فيها الدعم السريع أنه لا يمت لبني الإنسان بصلة ناهيك عن السياسة وما قد يتصل بها... فموقف بركة ساكن من هذه الفئة قد تلخص في مقولته التي سارت بها الركبان قبل اندلاع الحرب(لا يمكن للجنجويد إن يدخلوا في ملكوت الله إلا أن يلج الجمل في سم الخياط) بهذه الجملة التقريرية يوضح ساكن موقفه الأخلاقي والفلسفي من هذه المجموعة وأي مناقشة معه يجب أن تدور حول هذا الموقف الفلسفي والاخلاقي، أما أن تدور في فلك السياسة فهذا سيرتد بالجميع لمبدأ(قالوا وقلنا) والذي لا يخدم قضية يثبت فيها الدعم السريع يوميا أنه لا يمت حتى لمخلوقات الله بصلة والموقف منهم محكوم بما يجري على الأرض من جرائم لا تحتاج لمن يدينها سياسيا فهي جرائم تتحدث عنها كم الضحايا وأنهار الدماء وعرق أبناء السودان الذين نهبت ممتلكاتهم ودرجة الغل والتشفي في إيذاء الخلق بإطلاق الدانات على رؤوس بيوت المواطنين بصورة منظمة ومدروسة وممنهجة هذا فضلا عن المجازر في حق العزل... وطالما كان يحلم الدقير بأن يقود حزب سياسي يلتمس فيه طريقا للسلطة عبر المواطنين يكون لزاما عليه أن يكون صاحب مقولة تسير بها الركبان كما فعل ساكن إزاء موقفه من الدعم السريع.
فالدقير كقائد سياسي كان أجدر به أن يكون صاحب مقولة تتناقلها الأجيال وتسير بها الركبان لا أن يتذرع بموقف يدعي فيه حيادا بين قوتين متقاتلتين يجملها بالسؤ لأن أحدهما خانه بعد رغد من العيش المشترك حينما تلى مولاي الشعب الأسمر. والآخر يمارس كل مخازي الحروب على العزل في سهول الجزيرة أو في بطاح دارفور أو في أزقة وشوارع الخرطوم.
السياسة هنا لا تنفع في هذه المناقشة فالموقف هنا أخلاقي وانساني وهما يقودان لموقف يتحلل من ضمور أفق الساسة لرحاب أهل الفكر والنظر والإعتبار أن الجنجويد هم كائنات عدمية جمعوا سواءات ومخازي التتار والمغول والمماليك بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر بقلب بشر.

quincysjones@hotmail.com

 

آراء