منبر السلام العادل … بقلم: الطيب مصطفى

 


 

الطيب مصطفى
19 August, 2009

 

زفرات حرى

 

 

وينهض من بين أوجاع السودان وأسقامه منبر السلام العادل ويخرج من بين فرثه ودمه نتاجًا طبيعيًا للمحنة التي تطاولتْ والعلة التي أعيتْ أساطين الطب السياسي في بلادنا... علة استعصتْ على الحل بعد أن عجز الناس وجبنوا عن أن يجهروا بحقيقة الملك العريان .. وتطاول سلطان الموت وتعاظم جراء الأزمة وخيّم شبحُه على الحياة والأحياء وعلى الحيوان والنبات والجماد فسال الدم عبر عقود من زمان المحنة أنهارًا وأناخ شيطان التخلف والفقر بكلكله على البلاد بعد أن ضرب الاضطراب والتخبط مسيرة السودان السياسية وأعاقت حرب الجنوب التنمية في بلاد كانت موعودة ببلوغ الثريّا تقدمًا ومجدًا عشية الاستقلال وأدخلت أطرافًا أخرى من السودان كانت آمنة مطمئنة في نفق الاضطراب السياسي الأمر الذي جعل كل من هبَّ ودبَّ من أقزام الدنيا يحشرون أنوفهم في شؤوننا ومن فضائيات العالم ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية يلوكون سيرتنا بالليل والنهار ويعرضون مآسينا ويقتاتون على أخبارنا وظللنا رغم كل ذلك كما النعام ندس رؤوسنا في رمال الغفلة لا ندري ما نفعل... لا نكاد نخرج من حفرة حتى نقع في غيرها تخبطًا واضطرابًا بين حلول عمياء بكماء ظللنا نسير كالأعشى في دهاليزها ومنعرجاتها رافضين العلاج رغم أنه في متناول أيدينا.

كنا نريد منبر السلام العادل تيارًا يجمع أهل السودان على الحل الجديد... حل يعيد هيكلة السودان بل ويصحِّح تاريخه الذي ظل مرتهنًا لقرار الأعداء من المستعمِرين الذين لطالما كادوا لنا ولا يزالون لكن قانون الأحزاب الجديد خيّرنا بين أن نقبر المنبر ونكفَّ عن العمل السياسي ونصمت إلى الأبد وبين أن نحوله إلى حزب كامل الدسم إن كنا نريد أن نخوض  غمار السياسة ونبشِّر بمشروعنا الوطني المرتكز على هوية هذه البلاد وإرثها الثقافي والحضاري فكان لزامًا علينا أن نختار الحياة وأن نواصل مشوار استكمال مشروع تحرير السودان من أن يظل قابعًا في المستنقع الذي حشره فيه الإنجليز ليظل يتخبط إلى الأبد في الوحل والطين.

بربكم كيف نصمت وعدونا في الداخل باقٍ ونشِط يملأ الدنيا ضجيجًا وزعيقًا... كيف ننزوي وباقان وعرمان وألور وحلفاؤهم في الداخل والخارج لا يزالون يكيدون لهذه البلاد ويتآمرون عليها ويضيِّقون الخناق على شعبها الصابر تأليبًا وتآمرًا ويطالبون أمريكا والأعداء بحصارنا وتجويعنا وإغلاق منافذ التقدُّم والانطلاق في وجوهنا ويعملون على طمس هُويتنا وإطفاء عقيدتنا؟!

ذلك كلُّه جعلنا نختار للمنبر أن ينهض بصورة جديدة وبتصوُّرٍ جديد يستجيب لكل التحدِّيات تنظيمًا سياسيًا يغيظ الأعداء ويُفرح الأصدقاء.. تنظيمًا ينتصب شوكة حوت في عنق الحركة الشعبية وينسرِبُ ماءً قراحًا في حلق المؤمنين الصادقين والوطنيين المخلصين في بلادنا الحبيبة ملتزمًا دين هذه الأمة ومنحازًا إلى ترابها الوطني منافحةً ومدافعةً وجهادًا إن شاء الله.

هو تنظيم يتناول كل الشأن السياسي وقد خبرنا السياسة ودروبها وتقلُّباتها وابتلاءاتها وخُضنا معاركها بالطول والعرض وكنا على الدوام ندعو إلى ضبطها بأدب الإسلام وقِيَمِه وأخلاقه لا أن نجعلها تقوم على الكيد الأعمى والتآمر الذميم... سياسة تقوم على قِيم العدل المطلق وتلتزم بالعهود والمواثيق وتتخلق بآداب الإسلام... تنتصر للمستضعَفين في كل مكان تبرُّ كل من لم يقاتلونا في الدين وتقسط إلى كل من يمدّ إلينا يده بالسلام بل وتبادر إلى رفع راية التسامح والعفو والصفح لكل المسالمين وتعتمد منهم الوسطية والاعتدال بين الإفراط والتفريط وتدعو إلى الحرية وفقًا لقيم الإسلام..

اخترنا لانطلاقة منبر السلام العادل وقيام مؤتمره التأسيسي يومًا هو الأخطر في تاريخ السودان... يوم 18/8/2009م الذي يصادف ذكرى اشتعال التمرد في  توريت ومدن ومراكز الجنوب الأخرى عام 1955م أي قبل خروج الإنجليز من السودان مؤمِّلين أن يكون يوم الحزن الذي دشن بداية التمرد اللعين الذي أنهك البلاد وأعاق تقدمها ولايزال وفتَّ في عضدها وأدخلها في نفق الاضطراب السياسي هو ذات اليوم الذي يوُلد فيه الأمل... أمل إنقاذ السودان من كبوته وإخراجه من محنته المتطاولة من خلال حل ناجع جديد يستأصل المشكلة من جذورها بدلاً من علاج السرطان بالبندول والمسكِّنات.

يقول نظامه الأساسي في التعريف به ما يلي:

(حزب منبر السلام العادل) هو حزب سياسي شامل يهدف إلى استيعاب جميع مناحي الحياة في السياسة والاقتصاد والمجتمع والأخلاق والثقافة والفنون والعلوم وغيرها وذلك من خلال تنافس حُر يعتمد الوسائل السلمية ويلتزم بمبادئ الحرية والشورى والاختيار الطوعي كما يعتصم الحزب في عمله بالشرع ثم الدستور والقانون والعرف ويدعو إلى صراط الله المستقيم كما يدعو إلى العمل الجاد وفق رؤية جديدة لاستكمال السلام بالسودان وإنهاء الاحتراب الذي لم يخمد أواره منذ ما يربو على نصف قرن من الزمان وذلك من خلال السعي لإعادة هيكلة السودان جغرافيًا وسياسيًا على أسس موضوعية تقوم على التوافق الثقافي والاجتماعي والنفسي لأهل السودان بما يحقق السلام العادل والمستدام لكل أبناء السودان في إطار مشروع للنهضة الوطنية الشاملة.

ويحدِّد النظام الأساسي المعروض على المؤتمر التأسيسي المبادئ والأهداف على النحو التالي:

1ـ يعمل الحزب على الحفاظ على الاستقلال والسيادة الوطنية وتعزيزها وصيانتها في مواجهة أي مخاطر أو إملاءات أو مؤثرات خارجية.

2ـ التأكيد على مبدأ احترام الدستور والفصل بين السلطات المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية وعلى مبدأ استقلال القضاء وتأكيد سيادة حكم القانون والمساواة بين الناس جميعًا أمامه وإقرار حيادية واستقلال الخدمة المدنية.

3ـ انتهاج رؤية جديدة لاستكمال السلام بالسودان وذلك من خلال السعي لإعادة هيكلة السودان جغرافيًا وسياسيًا على أسس موضوعية تقوم على التوافق بين أهل السودان.

4ـ يعمل الحزب على تأمين وترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وكفالة الحريات العامة وخاصة الحريات السياسية وحرية الصحافة وفق المبادئ الديمقراطية العامة مع إعمال قيم الشورى والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون.

5ـ التأكيد على أن الحاكمية في الدولة لله تعالى يحمل الإنسان ـ باعتباره خليفة الله في أرضه ـ الأمانة والمسؤولية عبادةً لله واهتداءً بهديه وفقًا لمبادئ الشرع الحنيف.

6ـ يؤمِّن الحزب على أن تؤسَّس منظومة الأمن القومي على أسس موضوعية ومنطقية (وذلك بتأمين وضمان ودعم المؤسسات المعنية بالأمن الوطني القومي وذلك بتطوير مقدراتها تأسيسًا على معيار الكفاءة والوطنية والجدارة المهنية بما يجعلها قادرة على القيام بدورها في حماية البلاد والعباد والمقدرات.

7ـ مع الإقرار بأن السودان بلد متعدِّد الثقافات، والأعراق والديانات واللغات يؤكد الحزب على حقيقة أن الدين الإسلامي هو دين الأغلبية وأن اللغة العربية هي لغة الأغلبية مع التأكيد على عدم الحجْر أو التضييق على أصحاب الديانات واللغات الأخرى كما تنصّ على ذلك الأعراف الديمقراطية المرعيّة.

8ـ يعمل الحزب على تأكيد وحماية وتعزيز الهُوية الوطنية لشعب السودان في مكوِّنها العربي والإسلامي والإفريقي ويناهض التوجهات العنصرية والجهوية والقبلية مع التأكيد على أن الهُوية العربية والإسلامية تقوم على مفهوم ثقافي وحضاري وليس عرقيًا أو جهويًا.

9ـ يسعى الحزب لإيجاد حل شامل يعالج التدهور الاجتماعي العام في السودان ليس بمجرد السلام بل أيضًا بتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحترم الحقوق الوطنية لجميع أفراد الشعب السوداني.

10ـ يؤكد الحزب على أن تقوم علاقات السودانيين على جوامع ومسلَّمات وطنية ويرفض حمل السلاح أو التمرد على الدولة مهما كانت الأسباب كما يرفض أن يقوم أيُّ شخص أو جماعة أو قبيلة أو فئة أو جهة أو منطقة بالاستقواء بالأجنبي ضد الدولة السودانية.

11ـ يعمل الحزب على مناهضة العصبيات العرقية والجهوية وعلى تجنُّب إثارة النعرات القبلية والكراهية بين الأعراق والديانات والأجناس، والتسامي عليها تجنبًا لما يمكن أن ينشأ عنها من تنازع واحتراب كما يؤكد على مبدأ فضّ النزاعات الداخلية سلميًا ارتكازًا على الأعراف والتجارب السودانية الراسخة في هذا المجال.

12ـ التأكيد على مبادئ الحرية والشورى كقيم حاكمة للمسيرة السياسية على مستوى المركز والولايات ارتكازًا على خيار النظام الرئاسى للدولة ونظام الحكم الفيدرالي.

13ـ العمل على بسط قيم الاستقامة والطهارة والبر والخير والتكافل الاجتماعي ومحاربة الفساد والجريمة أمرًا بالمعروف ونهيًا عن المنكر وتعاونًا على البر والتقوى.

14ـ يؤكد الحزب على مبدأ استفتاء الشعب في كل القضايا المصيرية التي تؤثر على حاضر ومستقبل البلاد.

15ـ العمل على  تنمية الاقتصاد الوطني على قاعدة استثمار الموارد لبناء تنمية متوازنة شاملة ومستدامة وتحرير السوق ومنع الاحتكار مع إعمال الضوابط التي تحقِّق العدالة في ممارسة النشاط الاقتصادي وإعلاء قِيم العمل وإنفاذ الزكاة ومكافحة الفقر وإقامة أُسس العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة على هدى القيم الإسلامية.

16ـ يدعو الحزب إلى قيام نظام اقتصادي دولي عادل ينحاز إلى دول وشعوب العالم الثالث المقهورة وإلى إعادة النظر في المؤسسات المالية الدولية وتوظيفها لخدمة الاقتصادات والمجتمعات الضعيفة دون أي إملاءات أو ضغوط أو توظيف سياسي أو تمييز بين الدول.

17ـ نشر وإتاحة التعليم العام والعالي وتطوير مناهج ومؤسسات التعليم وجعله هادفًا ومحققًا لأغراض وقِيم الأمة والمجتمع وتشجيع البحث العلمي والتقني.

18ـ رعاية الشباب والطلاب والأطفال ونظام الأسرة والاهتمام بالأمومة والطفولة وذوي الاحتياجات الخاصة وتعضيد دور المرأة في الأسرة والحياة العامة وفقًا لمبادئ الشرع والقانون والعُرف.

19ـ رعاية صحة المجتمع وتأسيس قواعد الصحة الأولية وحماية البيئة والعمل الجاد على تحقيق مجانية العلاج للمحتاجين والفقراء.

20ـ إصحاح وتطوير الخدمة المدنية والإدارة العامة للدولة.

21ـ إعلاء قيم الجهاد والفداء في سبيل الله حمايةً للدين والوطن والعِرض.

22ـ  يعمل الحزب على تفعيل التضامن العربي والإسلامي من خلال الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي مع العمل على تعزيز العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي والانفتاح على الشعوب العربية والإسلامية وغيرها من المنظومات والمجموعات.

23ـ يعمل الحزب على بناء السوق العربية المشتركة وكذلك السوق الإسلامية مع العمل على إحياء اتفاقية الدفاع العربي المشترك.

24ـ يؤكد الحزب على الحقوق المشروعة لشعب فلسطين بما في ذلك حقه في بناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعلى حق العودة كما يؤكد الحزب على كافة الحقوق العربية ضد الغاصبين والمحتلين.

25ـ يعمل الحزب على مناهضة سياسات الكيان الصهيوني المعادية للأمن القومي العربي وعلى محاربة الاستعمار بمختلف أشكاله وصوره.

26ـ يعمل الحزب على تفعيل مؤسسة الإتحاد الإفريقي بتحويلها إلى أداة فاعلة لتعزيز التضامن الإفريقي.

27ـ يدعو الحزب إلى إصلاح المنظمات الإقليمية والدولية بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة ومؤسساتها ومواثيقها بما يحقق أهداف التعاون بين الأمم والشعوب وفقًا لمبادئ العدل والاستقلال والسيادة الوطنية بعيدًا عن هيمنة الدول الكبرى كما يدعو إلى التعددية القطبية بعيدًا عن القطبية الأحادية.

هذا هو منبر السلام العادل الذي وُلد بأسنانه وشبَّ عن الطوق من أول يوم كونه يعبِّر عن الأحاسيس والمشاعر الحقيقية لأبناء السودان وكونه يسبر أغوار الأزمة ويشخِّص العلّة بصراحة افتقدها مسرح السياسة السودانية ويُعمل العقل لا العاطفة والتجربة العالمية لا المعالجات الموغلة في المحلية والتي لا ينظر عمالُها إلا تحت أقدامهم رافضين تصديق ما تحذِّرهم منه زرقاء اليمامة من شجر البارود السائر نحوهم وهم في غفلة ساهون.

 

آراء