من الذي قام ببتر الفيديو الأصل يا تجمع المهنيين؟
في عدد الخميس 3 يناير 2019م ، كتب الناشط الحقوقي المعروف الدكتور عشاري احمد محمود مقالاً في سودانايل بعنوان: "السياق في انتقاد قيادة اتحاد المهنيين السودانيين". ولأن المقال طرح تساؤلاً يصل حد الإتهام بالتزوير والتدليس لاتحاد المهنيين الذي أسهم في تحريك الشارع هذه الأيام ، فإنّ قراءته بتمعن وهدوء تصبح واجب كلِّ وطنيّ يهمه كثيراً ما يجري في الأرض السودانية اليوم.
قام كاتب هذه السطور بعد قراءة مقال الدكتور عشاري بإعادة قراءته. ثم أعدت قراءة البيان الأصل لقيادة اتحاد المهنيين السودانيين. لم أكتف بهذا ، بل قمت بقراءة ما أوردته صحف ومواقع إلكيترونية سودانية واسعة الإنتشار للنص الأصل لبيان إتحاد المهنيين مثل صحيفة "سودانايل" التي أوردت رابط الفيديو محل اللغط في مقال الدكتور عشاري بتاريخ الأول من يناير 2019م. كذلك قمت بقراءة النص الأصل لبيان المهنيين في موقع صحيفة "الراكوبة" الإليكترونية وموقع "راديو دبنقا" ومواقع وصحف إليكترونية أخرى. قمت بكل هذا للتأكد من أن بيان إتحاد المهنيين قد تم نشره حرفياً بذات الصياغة دون إضافة أو نقصان.
أو أن أقول بدءاً أنّ النقطة مثار الجدل ليست في النص المكتوب لمذكرة المهنيين السودانيين والذي ظل في المواقع الإليكترونية كاملاً غير منقوص كما قلنا ، وهو كما يلي:
السيد : رئيس جمهورية السودان
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: إرحل
بالإشارة للموضوع أعلاه ، وباسم تجمع المهنيين السودانيين وشركائه في المجتمع السوداني من القوى المدنية والسياسية، وباسم جميع أبناء الشعب السوداني، ندعوك للاستجابة لأصوات ومطالبات الشعب السوداني المتطلعة للتغيير والحرية والعيش الكريم، والتي واجهتها قواتك الأمنية في كل أصقاع البلاد بالرصاص الحي، ماأسفر عنه العشرات من الشهداء والمئات من المصابين.
نطالبك انت و حكومتك بالتنحي فوار ، و افساح المجال لحكومة انتقالية ذات كفاءات بمهام محددة وتوافقية بين كل أطياف المجتمع السوداني .
كما نؤكد على مواصلتنا في كافة الخياارت الشعبية السلمية بما فيها الإضراب العام والعصيان المدني حتى إسقاط النظام.
سكرتارية التجمع
25 ديسمبر 2018
ما أثار حفيظة الدكتور عشاري حسبما جاء في مقاله، وما أثار حفيظتي كمتابع لما يجري في بلدي هو حذف أهم عبارة في البند الأول للبيان الذي تلاه الدكتور محمد ناجي الأصم وتم تسجيله في فيديو حذفت منه فيما بعد أهم عبارة في أول بنود البيان، وهي: (التنحّي الفوري للبشير ونظامه من حكم البلاد دون قيد أو شرط). رابط الفيديو الذي أسقط أهم عبارة في البيان هو:
https://www.facebook.com/SdnProAssociation/videos/292191584770732/
وقد نشرت الرابط صحيفة سودانايل الإليكترونية في عددها بتاريخ 1 يناير 2019 . واضح وأنا أعيد الإستماع للفيديو الذي تضمن نص البيان المكتوب حذف العبارة التي تشير صراحة إلى تنحّي عمر البشير ونظامه. وقد لاحظت القطع الرقمي للعبارة مما جعل تركيبها في التسجيل الصوتي مختلاً، فكان التسجيل في مقدمة الفيديو المجتزأ شيء من هذا القبيل : (من نظام الإنقاذ الشمولي وإنقاذه..) وهو نص رقمي مبتور من تسجيل كامل للنص الأصل !!
وتساؤلنا المشروع الذي نطرحه – دكتور عشاري وشخصي الضعيف وكل من استمع للنسخة المشوهة للفيديو الأصل- تساؤلنا دون تخوين أو تجريم لأحد يتلخص في الأسئلة الثلاثة التالية:
1) لماذا حدث بتر رقمي digital لأهم عبارة في نص المذكرة من الفيديو الأصلي والتي تقول بالتنحي الفوري للبشير ونظامه من حكم البلاد دون قيد أو شرط ؟ علماً أن العبارة ظلت بالنص المكتوب للبيان كما هي وسجلت صوتياً في الفيديو الأصل.
2) هل تعلم سكرتارية إتحاد المهنيين – والسؤال أوجهه للدكتور محمد ناجي الأصم الذي قام بتلاوة النص المسجل فيديو: هل تعلم السكرتارية بما حدث من تشويه ؟
3) لماذا لا تصدر السكرتارية بياناً توضيحياً لشعبنا بأنّ تخريباً غير مقصود مثلاً قد حدث للتسجيل الأصل؟ ثم يمدوننا بالرابط للفيديو الأصل الذي استغرق كما قال لي الدكتور عشاري لاحقاً 9 دقائق و22 ثانية.. بينما مدة الفيديو المبتور لا تزيد عن الثلاث أو الأربع دقائق؟
أطرح هذا التساؤل وليس في خلدي ذرة من التشكيك في صدقية مناضلينا في إتحاد المهنيين وأجسام العمل الحزبي والحركات المسلحة ومنظمات المجتمع المدني التي وقعت على العريضة - وتحديداً الدكتور محمد ناجي الأصم - الذي بلغني وأنا أكتب هذا المقال أن جهاز أمن نظام البشير المترنح قد ألقى عليه القبض اليوم الخميس مع مناضلين آخرين، فك الله أسرهم. وكفى بها شهادة براءة له ولزملائه المناضلين الأحرار. لكن يظل تساؤلنا قائماً ومشروعاً. فالعمل العام لا يقبل المجاملات والتدليس : من أين جاء البتر الرقمي لأهم عبارة في بيانكم للأمة السودانية ؟ ولماذا لم تصدروا بيانا بهذا التشويه المعيب للفيديو الذي ظلت تتناقله الأسافير وترفعوا الرابط للفيديو الأصل حتى تضطلع عليه الجماهير ويحتفظ به النشطاء والمتابعون في أرشيف مكتباتهم الرقمية؟
إنّ السطو على انتفاضتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985 والذي تمّ عبر مؤسسة القوات المسلحة والأحزاب والنقابات المهنية السودانية - وبخاصة السطو الممنهج من لدن الإسلامويين على انتفاضة مارس- أبريل 1985 قبل أن يجف دم شهداء شعبنا على الأرض ، وحيث لاحقت شعبَنا آثارُها الفاجعة طوال ثلاثة عقود – هذا السطو على الثورات يعطينا كل مبرر في أن نقول للشباب الذين يفتحون صدورهم لرصاص زبانية صلاح قوش ولقناصي الحركة الإسلاموية هذه الأيام، نقول لشبابنا : إنتبهوا للثورة التي أنتم على قيادتها ميدانياً قبل أن يقطف ثمرتها كائن من كان! وفي هذا لا نخشى لوم لائم ، ما دمنا لا نجري وراء غنيمة ولا ننتظر مكسباً سوى حلم الملايين في وطن حر فسيح يضمنا مع الأحرار والشرفاء من أبناء وبنات بلادنا ، حلمنا بوطن نقدمه خالٍ من الحروب والموت المجاني الرخيص يحق لأبنائنا وبناتنا الذين يقودون ثورته الظافرة باذن الله اليوم أن يفخروا به وبنا.
لقد صاغ تجمع المهنيين السودانيين عريضة قام بالتوقيع عليها قيادات من أحزاب ونقابات ومنظمات المجتمع المدني . طرحوا فيها تصوراً لشكل الحراك الشعبي الذي جعل سقفه منذ البداية التنحي الفوري لعمر البشير ونظامه الفاسد. وإذا كان لابد من وجود جسم وطني منظم، يقود حراك الجماهير في المدن والقرى وفي عاصمة البلاد الخرطوم في مثل هذا الظرف التاريخي الذي تمر به بلادنا، فإنّ من واجبنا كمواطنين الحرص على أن تكون قيادة هذا الحراك بالقدر من الشفافية التي تجعلنا مطمئنين لسلامة ظهور أبنائنا وبناتنا الشباب وهم يشرعون صدورهم عارية لآلة الموت والدمار التي جثمت على صدورنا قرابة الثلاثين سنة. إنّ ثورة الشعب السوداني التي هبت في التاسع عشر من ديسمبر جراء تراكمات وغبن وصعود وخيبات في العمل النضالي استمرت ثلاثة عقود ، والتي يقودها شبابنا وشاباتنا ميدانيا وبمهارة حيرت نظام القتلة في الخرطوم ، هذه الثورة هي الأمل الكبير في أن يولد سودان جديد شامخ ومعافى من كل تشوهات الماضي . سودان بلا حروب وبلا إقصاء لأحد بحكم عرقه أو دينه أو لونه أو الجهة التي جاء منها. الكل هتفوا في الخرطوم أول أمس وفي بورتسودان نهار اليوم أهزوجة أحلى من العسل: يا العنصري المغرور كل البلد دار فور ! هذه ثورة ننتظر أن تضمد جراح ماضينا وحاضرنا ، وتعيدَ إلينا الثقة بأنفسنا بين الأمم. فقد كدنا نفقد ثقتنا بأنفسنا إلى الأبد.
نحن على مشارف دولة المواطنة حيث نتساوى فيها أجمعين في الحقوق والواجبات. فلا امتياز لأي منا في دولة الوطن الواحد إلا بما يقدم كل منا من سعي في الواجبات وما ينتظر تحت ظل القانون من حقوق. وهذا الحلم قد بات قاب قوسين أو أدنى. لذا فإن عيوننا ستظل ساهرة على كل خطوة صغيرة كانت أو كبيرة لها علاقة بحراك الشارع حتى نطمئن لبزوغ شمس الفجر الذي انتظرناه طويلاً.
فضيلي جمّاع
لندن- الخميس 3 يناير 2019
fjamma16@yahoo.com