من العامة إلى الخاصة ..! بقلم: منى أبو زيد
"ليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الإجتماعي" .. مالك بن نبي!
(1)
داعية سعودي، سمعته - غير مرة - وهو يؤكد جازماً أن صوت المرأة عورة، محذراً النساء المسلمات من الحديث بأصواتهن الطبيعية عند مخاطبة الباعة في الأسواق، مستنداً – في ذلك - على قوله تعالى (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) ..!
فحتى تجتنب النساء المسلمات الوقوع في هاوية الخضوع بالقول قدم لهن – فضيلة الشيخ - حلاً غريباً وحاسماً يغلق باب الذارئع، داعياً المرأة المسلمة إلى وضع إصبعها (السبابة) بين أسنانها عند الحديث إلى الباعة في الأسواق حتى يخرج صوتها غليظاً منفراً لا يثير الفتنة ..!
لستُ مع الذين سخروا من كلام الشيخ فتلك وجهة نظره التي استقاها من تقاليد مجتمعه المحلي الذي تغطي فيه المرأة وجهها بغطاء ثقيل، لكني ألوم الذين يطلقون كلمة زي فاضح - بذات الاطمئنان - على أي ملابس، ويحاكمون أي امراة سودانية بمقاييس وثقافة وأعراف بيئة محددة في مجتمع (لحم راس) تحتكم فيه المرأة في اختيار لبسها إلى عادات وتقاليد محيطها الخاص، التي تختلف باختلاف المنشأ والعرف والمعايير الشخصية ..!
(2)
معظم شيوخ وعلماء المسلمين قالوا بتحريم مصافحة المرأة المسلمة للرجال الأجانب .. في صحيح البخاري وفي السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني أحاديث تؤكد أن رسولنا الكريم كان لا يصافح النساء، وحتى الذين جوزوا مصافحة المرأة يفضلون ألا يقولوا بذلك على الملأ، مثل الشيخ يوسف القرضاوي الذي قال بأنه ظل يخفي – لسنوات – فتواه القائلة بجواز مصافحة المرأة عند الاضطرار، تجنباً لتشويش الجماهير! .. المقصودون بمخافة التشويش هنا هم عامة المسلمين – من غير المتفقهين وطلبة العلم – ولكن الذي فات على المبيحين المتحفظين هو أن معظم جمهور السائلين هم من أولي الألباب الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ..!
(3)
الدكتور عبد الحي يوسف تحدث مرة عن بعض صور القول – أو التقول – على الله بغير علم، وذكر منها حال المسلم الذي يتتبع الرخص فيجتمع فيه الشر كله، وحال العلماء الذين يحللون المحرمات تحت تأثير الضغوط، وعلل عدم وجوب ابتاع فتواهم بكون النبي عليه الصلاة والسلام فقط هو المعصوم، أما عدا ذلك فمن أبي بكر الصديق إلى أصغر عالم دين يؤخذ قولهم ويرد، مع تشديده – المعتاد – على عدم جواز خوض العامة في حديث أهل العلم ..!
نسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء، لكنه أيضاً غير معصوم، وموقفه كعالم دين من مجادلة العامة له في أمور دينهم، أعظم منه موقف الله عز وجل من حديث سيدنا إبراهيم (رب أرني كيف تحيي الموتى) - كيف" وليس "هل"! - نحن إذاً بالخيار في الإذعان لفتواه بقلوبنا، أو تمحيصها بعقولنا – إذا لزم الأمر - كي تطمئن قلوبنا ..!
munaabuzaid2@gmail.com