من هنا لهناك: ماهو البديل (١)

 


 

 

دائما نواجه بهذا السؤال في اللحظات المفصلية عندما يبدأ المجتمع في الشعور ان هناك تغيير مقبل وهو تاريخي. بمعنى ان سؤال البديل يرتبط دائما بالتجربة التاريخية الماثلة. في اكتوبر كان المطروح تاريخيا في الستينات هو نموذج قائم على فكر اليسار الشيوعي أو الاشتراكي وهكذا جاءت حكومة اكتوبر الأولى، اغلبها من اليسار، لكن البنية الموروثة من الاستعمار وقوته استطاعت قلب الموازيين بسرعة. في انتفاضة أبريل ١٩٨٥ كانت النماذج شحيحة وغير متوفرة لذلك تم التوصل لحل وسطي هو حكومة التكنوقراط ومهام بسيطة أهمها تهيئة الوطن للانتخابات اي معبر من الديكتاتورية إلى الديمقراطية بدون تحقيق اي تغييرات حقيقية.

كان سؤال البديل اكثر الحاحا قبل وأثناء ثورة ديسمبر ، وكان فشل تجارب ثورات الربيع العربي والوضع في ليبيا وسوريا بعد الثورات ماثلا. حتى اكبر المساهمات ضخامة وهو البرنامج الإسعافي وقف بعيدا عن الإجابة على هذا السؤال. وكان اخف الأضرار ان نكرر تجربة الانتفاضة مع تعديلات هنا وهناك. الملاحظ أننا في كل تغيير ورغم أننا نثور على الهيمنة المحلية والعالمية، إلا أننا نقترب اكثر من برنامج الهيمنة العالمية ونطبقها بشكل أوسع.

جاءت الحرب وهي حرب لم تكن في التاريخ البشري إلا قليلا, وفي السودان القديم والحديث كانت مذبحة المتمة رغم محدوديتها، هي الكابوس الذي كان يستقر في الوجدان السوداني. كانت هذه الجرائم ترتكب بين الجيوش وحاملي السلاح على مستويات محدودة، لكنها أخذت مجالها الكبير في دارفور في هجوم الجنجويد على القرى والبلدات وتنفيذ نفس القتل والاغتصاب والقتل، لكن السودانيين في باقي السودان كانوا بعيدين عن مايحدث ولم نواجهها لذلك انتقلت الينا.

الجنجويد تاريخيا هو تنظيم مليشياوي تم انشائه من دولة الإنقاذ بعد تمردات دارفور ٢٠٠٣وتحولت في سياق تاريخي إلى احلال مجموعات عربية سكانية ذات امتدادات غرباً مكان السكان الأصليين ( قضت الحرب على نصف مليون دارفوري وحوالي ٣ مليون نازح ولاجيء تركوا مناطقهم في انحاء دارفور وحل مكانهم مهاجرين من دول عديدة، هذا مثبت في أضابير المنظمات الدولية العاملة في مثل هذه القضايا) أتاحت سنوات الحرب ووضعها السياسي والتمويل المستمر في حرب اليمن ودخول أطراف إقليمية ودولية في تمويل وتبني الدعم.

برغم وجود سياقات تاريخيّة في ترافق مناطق الجنجويد السوداني الجنسية بالتهميش الاقتصادي خاصة ونقص التعليم والخدمات عموما، إلا ان تعبيرها الاحتجاجي (التي حدثت في تحولات السنوات الأخيرة وصورتها في أنها ممثل المهمشين في السودان) لم يكن مشابها لأي حركات تمثل حواضن اجتماعية، فقد تحولت إلى تنظيم عصابي فالت ترك لها المواطنون كل بيوتهم وممتلكاتهم وحياتهم وذكرياتهم ولايودون سوى ان يصحوا ويجدوهم قد محو من تاريخهم.

هناك أجانب وسط الجنجويد ربما نالوا الجنسية السودانية، لكن هناك كثير منهم من دول مجاورة،اي مرتزقة، كانت دولة الإنقاذ تستجلبهم في إطار الجنجويد منذ بدايات حرب دارفور عام ٢٠٠٣ وقد كانت جزءا من استراتيجيات تنظيم قريش او التجمع العربي منذ ربما الثمانينات احلال عرب الشتات مكان الزرقة.

ازمة البديل تعمقت اكثر منذ الحرب وكعادة أزمات البدائل فهي تقود لفوضى الخيارات وأخذ قطاعات من النخبة لخيارات تبدو غير معقولة في الازمنة العادية. فقد انخرط جزء من النخبة السياسية المهمة في تاييد من يقوم بتحطيم بلادها أمامها. ان ما تقوم به تقدم في تحركاتها وتصريحات قادتها تبدو واقعاً سريالياً من غير المعقول ان تصدقها.

لقد أشار معتصم الاقرع لظاهرة نقص النماذج عند اليسار وتاثيرها على موقف جزء منه على الحياد واظن ان هذا يمكن ان يفتح اتفاقات وتحالفات مع على الأقل من يدينون الجنجويد ويقفون ضد جرائمه.

في نفس الوقت فان ماتقوم به حكومة جنرال البرهان رئيس حكومة الانقلاب في ظل تأييد جزء من النخبة للدولة ولمؤسساتها، اخذها البرهان كانّها تفويض بالشرعية وهي ليست كذلك، فحكومته هي نتاج انقلاب ٢٥ اكتوبر ٢٠٢٠ وعبر الشعب السوداني في احتجاجاته الضخمة عن رفضها. ان الأولوية الآن لهزيمة الجنجويد تماماً وكل ما يحدث هو جزء من امتداد أزمة الحكم في السودان والتي كانت ثورة ديسمبر المستمرة تعبيرا عن تفجرها والوصول لدولة حرية عدالة سلام.

Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء