من واشنطون (3)

 


 

 

29 ابريل
...........

............
لم أشك يوما ما أن الشعب الأمريكي شعب عظيم، وكريم و رائد، ولم أشك يوما أن السياسيين الذين يمثلونه ... هم في الحقيقة لا يمثلونه ولا يشبهونه، هم شخصيات دون مقامه الرائع ... لم أشك، لأن علاقتي بأمريكا وجدانية وفيها محبة للنموذج الإنساني الذي بزغ فجره في بواكير الثورة الأمريكية وشرارتها في بوسطون .. وعندما مرت الطائرة فوق سماء هذه المدينة في الطريق لواشنطون ترقرق دمعي وكانت عواطفي مشبوبة ووثابة نحو ذكريات أشهر حفل شاي في تاريخ البشرية .. حفل يقوم على إغراق صناديق الشاي في البحر وتلك قصة طويلة يستحسن تصفحها من كتب التاريخ الأمريكي.
النظام السياسي المسيطر على هذا الشعب العظيم .. "قزم يقود عملاقا" ... وفي مجالات العلاقات الخارجية و التصرفات التي تشكل صورة الولايات المتحدة في أذهان الناس، لا يمثل هذا القزم الشعب الأمريكي ولا الضمير الأمريكي إطلاقا، وللغرابة هذه الخلاصة تدفعني دوما لترديد عبارة تشرشل .. الديموقراطية ليس النظام الأمثل للحكم ولكنها الأقل سوءا من الأنظمة الأخرى. وعبارة تشرشل جاءت بروايات أخرى على شاكلة .. هي الأسوء ولكنها إستثناء .. ربما يكون قد قالها بطرق مختلفة وربما لقيت طريقها الى لغات العالم بطرق مختلفة ولكن المعنى واحد دوما .. وهو أن الديموقراطية تجربة بشرية تحتاج للتطوير وليس "التطبيل" و "الإندهاش".
لو قيل لي أن المواطن الأمريكي الشهم الصريح الذي التقيه في الطريق العام و مراكز التسوق و يساعدك حتى على صب فنجان القهوة من الآلات والماكينات المعقدة ويقدمه لك مع إنحناءة و إبتسامة وسؤال عن حالك هو الذي منح إسرائيل 27 فيتو في تاريخ مجلس الأمن وكانت إسرائيل في كل القضايا هي المخطئة والقاتلة والدموية وكانت دماء الفلسطينيين تترقرق بين أحجار كنيسة المهد وعلى أرض درب الآلام وفي بلاط الحرم المقدسي .. فإنني أقول قطعا لا ..! لو قيل لك أن اللاجئة الصومالية ذات الأطفال الثلاثة تقول .. استيقظت ووجدت أحدهم غير موجود جواري فظللت انتحب وابكي يوما كاملا  حتى فقدت صوتي وضعف بصري ولم أذهب لأبحث عنه .. قالوا لها لماذا؟ لأن أختى .. حدث لها ذات الأمر و ذهبت تبحث و لم تجده وعادت لتجد الثاني قد ضاع ... لو قيل لك أن أزمة الصومال و"الفوضى الخلاقة!" التي استمرت حتى الآن ربع قرن من عمر البشرية بسبب ما يسمى بعملية إعادة الأمل التي تزعمتها أمريكي وزجت فيها ب 27 الف جندي أمريكي ... نعم 27 ألف .. بدعوى أنها تريد أن توقف القتال في الصومال .. 27 ألف يأتون بلدا للحجز بين المقاتلين ... طيب لو كان الهدف هو الإستعمار كم سيأتون؟! لو قيل لك .. أن هذا هو قرار ورغبة الشعب الأمريكي .. بالتأكيد هذا كذب صراح .. ويمكنني أن أقول بكل حزم وثقة أن الشعب الأمريكي قراره مختطف ومصادر وهذا يفتح بابا من الجدل حول مراجعة وتحسين التجربة الديموقراطية الأمريكية .. لأنها تجربة رائدة و نحن نجلس لها تلامذة .. إطمئنوا يا أعزائي "المتأمركين" من دول العالم الثالث و الذين تعدون أنفسكم وكلاء لأساتذة وأسياد العالم وتصيبكم بسبب ذلك نفخة "ديبلوماسية" كاذبة  ... لأننا تلامذة فإننا نرغب في الإطمئنان على المستوى الفكري والأخلاقي لأساتذتنا وسادتنا.
النظام الأمريكي من أفضل الديموقراطيات الغربية، وهو النظام الذي تحرر من العنصرية على المستوى القيادي قبل كل الأنظمة الغربية .. وهو خلاصة محكمة لنضال طويل للدفاع عن الحقوق المدنية ولكنه بكل أسف فيه سوسة لازمته منذ تكوينه .. سوسة يحدثكم عنها السيناتور بول فندلي وعمره الآن 92 سنة ... أطال الله في عمره ومتعه الله بالصحة و العافية ... اللهم آمين.
بول فندلي يحدثكم .. وليس "المندهشين" ..!
.......

makkimag@gmail.com
/////////

 

آراء