2015 – 4 مايو
.............
في قاعة مكتبة الكونغرس الأمريكي، في حضرة رئيسة لجنة أفريقيا في مجلس النواب الأمريكي كارن باس، امرأة قوية قادمة من ولاية قوية ... كلفورنيا ... كان كل شيء يشبه ما نقرأ عنه تماما منذ عشرين سنة وما نشاهده في الأفلام السياسية منذ ثلاثين سنة ..!
في المنصة، المسئولون من الشئون الأفريقية في كبريات المنظمات الأمريكية وكان الحديث عن الإنتخابات في أفريقيا ... وكما ذكرت آنفا لم تأت على سيرة السودان بالخير أو بالشر ..!
قررت أن أتحدث ... إحساسي بأن الحديث واجب بالرغم من أن عقلي كان يرفض لأن الأفضل للسودان هو الحوار الثنائي الذي يدور حاليا وليس "المزايدات الجماعية" ... ولكنني تحدثت لسببين ... أنه لا يمكنني أن أقبل الدعوة من منظمة أمريكية محترمة وكبيرة مثل "الصندوق الوطني للديموقراطية" للسفر إلى واشنطون لأصمت في لحظة الحديث الأهم في الموقع الأهم ... هذه المنظمة لها حق على أن "أحلل سفرتها" ... ثانيا "الضرر يزال"، بإمكاني استخدام تكنيك "الكلام مع القفلة" وهو الحديث الأخير أو قبله بقليل حتى لا أفتح بابا مغلقا ..!
وتنكنيك الكلام مع القفلة يستدعي أن تطلب فرصتك وتتنازل عنها بتقديم الآخرين وتستخدم في ذلك لغة العيون وحركات الجسد و"البشاشة" و "الظرافة" مع رئيس الجلسة حتى يحفتظ بك في ذاكرته لآخر الجلسة عندما تظهر حرصك على أخذ فرصتك ... طبعا .. الأصل في تجمعات السياسيين مع الديبلوماسيين هو تكلف المشاعر و"نفاق السلوك" وهو أمر آخر غير "النفاق العقائدي"، وفيه تفصيل ..!
فاجئني أهل الكونغرس بأن الفرص عندهم بالوقوف صفا ... "زي طابور الرغيف"، ومافيش حد أحسن من حد، حتى السفراء يقفون صفا خلف المايكرفون، وقفت في الصف وكنت أتقهقر ... وازين لبعض المتأخرين أن يقفوا ويتقدموا امامي .. حتى لمحت لافتة "انتهى الزمنTime is Up " التي يرفعونها في آخر الوقت ولمحت إشارات بين رئيسة الجلسة والشابة حاملة اللافتة ... فعلمت أن الكوتة الأخيرة اقتربت وعندها تقدمت ..!
حديثي كان محسوبا "بالمللم" وكان تقنيا بنكهة سياسية خفيفة ... تركز على أن تدخل الولايات المتحدة في السودان قوي وكبير ولكنه بيروقراطي ... دائما ما يفوت الفرص الممتازة والتي لا تستمر فترتها لزمن طويل ... على سبيل المثال في أبريل العام 2014 كان هنالك انفراج كبير ومفاوضات متقدمة للدرجة التي كنا نستطيع – كصحفيين سودانيين - أن نتحدث من زعماء الحركات المسلحة وننشر تصريحاتهم وكانت حوارات زعماء المعارضة مادة يومية في الصحف ... ولكن بعد شهر كل شيء بدأ في التدهور خطوة خطوة ...!
كان بالإمكان لأمريكا ومجتمعها المدني الإرتباط بالداخل السوداني حكومة ومعارضة وحركات ... ودعم الحوار ودعم الديموقراطية حتى داخل الأحزاب التي لم تقم مؤتمراتها منذ عقود ... وبغرض إرشاد منظمات المجتمع المدني التي لا تمارس ديموقراطية داخلها وتعتبر امتداد للقوى السياسية ... كان بالإمكان إنشاء برلمان مجتمع مدني حقيقي وشامل ... والدخول في الموسم الناجح !
كل هذا كان يمكن البداية فيه في ظروف موائمة ولكن بالتأكيد أي شيء في أمريكا يحتاج إلى مقترحات ولجان لدراستها وإجازة التمويل و ...
هكذا تضيع الفرص للتغيير في السودان، وستأتي لحظات إنفراج مقبلة وستكون قصيرة بالتأكيد ... وستضيع فرصة التأثير الإيجابي لأمريكا عدم وجود آلية فعالة وسريعة وتتحرك وفق منهج براغماتي فعال ..!
وبعد ضياع الفرصة سيتجدد الحديث عن وسائل أخرى للتغيير في السودان وهي الضغوط الديبلوماسية والسياسية والعقوبات وهي وسائل تضر الحكومة والشعب معا ... وهنالك قرار صدر قبل أشهر من مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتعيين مقرر خاص للآثار السلبية للعقوبات على أوضاع حقوق الإنسان في إحدى عشر دولة من بينها السودان ... شكرا جزيلا أ.هـ ..!
makkimag@gmail.com