مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٣١)

 


 

 

صادفتْ العطلةُ الصيفيةُ مع وجودِنا في ود الهندي خريفاً عامراً بالأمطارِ والأجواءِ الرائعةِ ، سماواتٍ ملبدةٍ بغيومٍ داكنةٍ ونهاراتٍ باردةٍ لا شمسَ فيها ، وهفهفةُ الأشجارِ عصراً مع صدح القماري ورائحةِ "الدُّعَاش " تأتيك من الشرقِ والصَّعيد " جنوب ود مدني حتى الدمازين " ، والليالي باردةٌ والأُنسُ فيها يَجلُو عن النفسِ صَدَاها . قال شاعرُنا عُمَر البَنّا : " نسايمَ اللّيل زيديني بالطِّيب والشَّذى عُوديني " . أرسلَ لي أحدُ الأصدقاءِ رسالةً من " سِنّار " وهي جزءٌ من الصَّعيد يقولُ فيها إنَّ الجَو عندهم يفوحُ حلاوةً ونداوةً لا شمسٌ ولا زَمهَرِير ويسألُ " هل وصَلَكُم شئٌ من نَفحَاتِه؟ " . فَجَاشَ بخاطري شجنٌ ألهمَني الأبياتِ التاليةَ التي تُشبِه شِعرَ " البُطانَة " :
الليلة الصَّعيد جاب النَّسايم دابو
طَرَّاني الغزال الدِّيمة حالي رُضابُو
جادِع فوق كتفاً تقيل عُنابو
شعراً ليلُه أسوَد حارِس الرَّبوات شيلاً شِقابُو
لكين القَوام ما سَمهَري وخَفَّف عَذَابو
أمّا البِسيم برقاً شَلَع حاكَى القِبلِي تعظيماً جنَابو
وهكذا كانتْ خواتيمُ العطلةِ الصَّيفيةِ برداً وسلاماً وأنساً ووصلاً وجمالا .
وهانحنُ نمتَطي الخُطوطَ السَّعودية كَرّةً أخرى عائدين إلى " غربةٍ لا النفسُ راضيةٌ بها ولا المُلتقَى من شِيعَتي كَثبُ "، ونخترقُ الأجواءَ العُلويةَ بين الخُرطوم والدّمام .
أعودُ هذه المرّة وعلى يميني إبني الأكبر عمر وعلى يساري أحمد الأصغر وبحوزتي بيتٌ جديدٌ وامراةٌ جديدةٌ ووظيفةٌ لدى شركةٍ جديدةٍ . نزلتْ المرأةُ الدارَ فوجَدتْها عامرةً بكُلِّ ما يلزمُ الأسرةَ من أثاثٍ ومتاعٍ فانشرحَ صدرُها . ثمّ نزلَ عمر وأحمد المدرسةَ الابتدائيةَ فَوَجداها على مرمَى حجرٍ من البيتِ ووجدا فيها ثُلةً من الزُّملاءِ السُّودانيين وهم جيرانٌ في السَّكن كذلك فعادا مُستَبشِرَين .
لم يكنْ الدَّوامُ مع مركزِ التَّدريب التابِع للشركة السعودية للكهرباء قد بدأ بعدُ .
فوجدتُ دواماً جزئياً مع المركز الأوربي للُغات والتَّدريب The European Centre for languages and training الكائن بحي الفناتير في الجبيل الصناعية .
كنتُ أذهبُ الى الدَّمام في نهايةِ كل أسبوع لأقومَ بِمسحٍ للمنطقة التي يقعُ فيها مركزُ تدريبِ شركةِ الكهرباء من أجلِ أنْ أُحَدِّدَ موقعاً للسَّكن تتوفرُ فيه المدارسُ ولا يكونُ بعيداً عن موقعِ العمل . وبعد بحثٍ مُضنٍ اخترتُ حي " الرَّاكَة " جنوب الخُبر واستأجرتُ بيتاً يبعدُ عن المركزِ ١٧ كم و ٢٥ دقيقة بالسَّيارة .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء