نائب رئيس الحزب الحاكم بالسودان: آثار بنطلون لبنى تتفاوت بين مجتمعات وفضائيات
23 September, 2009
إبراهيم عمر: على الحركة الشعبية الانضباط السياسي وتذكر أنهم جزء أساسي في الحكومة
الشرق الاوسط:
أثارت الدعوة التي ضمنها الدكتور إبراهيم أحمد عمر، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، الحزب الحاكم في السودان، وزير التقانة والعلوم لكلمته التي ألقاها أمام المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي انعقد بمقرها بالعاصمة النمساوية فيينا، والتي دعا فيها لمحاربة نهج الوضعيين الذين يجيزون المعرفة بإبعاد العلم عن الدين والأخلاق، الكثير من ردود الفعل مع استرجاع لمحاولات كانت تهدف إلى أسلمة العالم من قبل بعض القيادات الإسلامية السودانية. سألت «الشرق الأوسط» د.عمر عما طالب به وعن مواضيع سياسية أخرى دارت حول آخر قضايا الساعة في السودان، حيث تواجه الحكومة صعوبات لا ينقطع سيلها هذا إذا لم تتشابك وتتداخل بسبب كثرة المشاكل خاصة أن الانتخابات البرلمانية المتوقعة حسب اتفاقية السلام المبرمة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان قد حدد لها أبريل (نيسان) المقبل. مرة أخرى أكد الدكتور إبراهيم مطالبته للمؤتمرين من أعضاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتخلي عن النهج الوضعي الذي يجيز إبعاد العلم من مجالي الدين والأخلاق. مبينا أنه قصد أن يطلق دعوته من فيينا حيث ظهرت المدرسة الوضعية بصورة قوية وأخذت نتائجها تظهر في العاملين في مجال العلوم ومنها الوكالة ومن العاملين فيها من قد يدعو للفطام بين العلم والدين والأخلاق.
* في سياق مواز سألت «الشرق الأوسط» نائب رئيس الحزب الحاكم في السودان عما تشهده الساحة السودانية مؤخرا من دعوة لتكفير الشيوعيين السودانيين، لدرجة أن أحدهم صرح بأن الشيوعي كافر وإن صلى وإن صام! ـ هناك أصول للماركسية اللينينية لا تؤمن قطعا بالدين وبالتالي فإن كل من يقول إنه ماركسي لينيني لا يمكن أن يقول إنه يؤمن بالدين (هناك تناقض) الواضح أن كثيرا من الشيوعيين خاصة في السودان يقولون بأنهم شيوعيون لكنهم يصلون ويصومون. وهذه إشكالية حلها الأساسي عند الشيوعيين أنفسهم. فإما أن يقولوا إننا نلتزم بالشيوعية الماركسية اللينينية المكتوبة في الكتب، أو يأخذوا بنهج اشتراكي لا يناقض الدين. وفي كل الحالات عليهم أن يوضحوا هذا الأمر لكل من قرأ ودرس، وإلا فسيظل هذا السيف مسلطا على رؤوسهم من قبل كل من درس الماركسية اللينينية. والدعوة لهم خاصة أن هذه المشكلة ستثار وستتكرر إثارتها ما لم يخط الشيوعيون هذه الخطوة.
* ألا تعتقد أننا بهذه الطريقة سنفتح الباب أمام دعوات تكفير وقصاص؟ ولهذا نسأل عن دوركم كحكومة هل أخذتم العدة لحماية المواطن في ظل مثل هذه الأجواء؟
ـ الحكومة مسؤولة عن الأمن وتطبيق القانون ولذلك فإنها لن تسمح لأي فئة بأخذ القانون في يدها لكنها في ذات الوقت لا يمكن أن تمنع أحدا من القول بأن الماركسية اللينينية منهج ملحد.
* هل قيمت الحكومة الآثار السيئة التي ترتبت على تعاملها مع القضية التي أصبحت معروفة بقضية «بنطلون لبنى» وأثرت تلك القضية على مسيرة المرأة السودانية التي ناضلت لنيل كامل حقوقها سابقة كثيرات من الغربيات دع عنك مثيلاتها في المنطقة؟
ـ الآثار تتفاوت من دول ومجتمعات وفضائيات مثل بعض المحطات التي أرادت أن تظهر هذا العمل بأنه سلبي 100 في المائة فقدمت برامج خاصة في حين تغاضت عن مقتل مواطنة مسلمة داخل محكمة في دولة مثل ألمانيا. فيما تعتبره المجتمعات المتدينة والحريصة على نظافة المجتمعات الإسلامية عملا جيدا ومطلوبا. إن التقييم سلبا أو إيجابا يعتمد على المجتمع الذي ينظر للقضية. أما بالنسبة لقولك إن القضية تتعارض وتاريخ المرأة السودانية أؤكد حرص النظام الحاكم على مشاركة المرأة في العمل العام، وحقها الكامل وحريتها الكاملة كأخيها الرجل، وقد خصصنا أن يكون للمرأة 25% من المقاعد في المجلس الوطني (البرلمان) والجهاز التشريعي وقد طبقنا هذا في حزبنا. ولذلك لا تقوم دعوة ضدنا من حيث إيماننا والتزامنا بحرية المرأة وقضيتها ومشاركتها. أما قضية الالتزام الأخلاقي فإننا لا ننادي به وسط النساء فقط بل بين الرجال، فالمجتمع الذي يظن أن الأخلاق واجب على المرأة وأن الرجل لا ضوابط عليه لا يمثل مواقفنا في شيء.
* السؤال الذي ما زال مطروحا يدور حول هؤلاء الذين يقررون ماذا يلبس الناس وكيف يتصرفون.. وما الذي يضمن أنهم جديرون بهذه المسؤولية وأنهم لا يستغلونها لأغراض في أنفسهم؟
ـ إن الجهات التي تقوم بهذه الأعمال لا تنطلق من فهم شخصي أو جهاز إداري بل وفق قانون وضعته مؤسسات تشريعية منطلقة من أصول وقواعد يعرفها ليس فقط أهل السودان وإنما كل أمة الإسلام. الأمر ليس الضابط أو العسكري وإنما تشريع، فإذا تجاوز الضابط أو العسكري حدود هذه التشريعات يحاسب هو أيضا.
* شهدت بعض أنحاء العاصمة في الأيام القليلة الماضية حوادث لم تعهدها من قبل مما أثار قلقا حول أمن الخرطوم ومدى انفراطه ومن وراء ذلك؟
ـ هي أشياء ليس وراءها عمل منظم، وإنما لكل حادثة أسبابها الخاصة بها، بعضها محاولات سرقة، والآخر اختلافات تجارية على مال. وثالثة يقال بسبب مخدرات، فهي أسباب متفرقة ولذلك لا نستطيع الاتهام بأنها عمل موظف من جهة ما لإحداث فوضى.
* إلى متى تظل الحكومة تعمل في ظل شد وجذب ما بين شريكيها، أي المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان؟
ـ حتى تلتزم عصبة من أعضاء الحركة الشعبية بالموضوعية والانضباط السياسي ويتذكرون أنهم ما عادوا حركة معارضة مسلحة وأنهم جزء أساسي في الحكومة القائمة. فلا يعقل أن يذهب أحدهم إلى الولايات المتحدة ويدعو واشنطن إلى عدم رفع العقوبات عن السودان.. هذا مجرد مثال من أمثلة كثيرة.
* كما يبدو فإنك حصرت حالات المشاكسة في أعضاء الحركة، ماذا عن رجال النظام ممن يدعون بل يخصصون صحفا للدعوة لفصل الجنوب، وفي مقدمة هؤلاء الطيب مصطفى خال الرئيس؟
ـ خال الرئيس ليس عضوا في الحزب الحاكم وله حزبه وله رأيه، أما الرئيس والحزب الحاكم فلا يدعوان قطعا للانفصال (وكل شاة معلقة من رقبتها).
* هل تعتقد أن خال الرئيس كان له أن يقول ما يقول لو لم يكن مدعوما ويحس بالأمان؟
ـ إننا نتعامل مع هذه القضايا مؤسسيا ولا نتركها للأفراد مهما كانت مواقفهم أو مواقعهم من التنظيم أو صلة الدم. لذلك فإننا نقول إن المؤتمر الوطني يسعى بكل ما أوتي من جهد لوحدة السودان. وأؤكد شخصيا أن هذا هو الموقف الحقيقي للمؤتمر الوطني.
* وماذا فعل المؤتمر الوطني لتحقيق الوحدة الجاذبة بين الشمال والجنوب؟
ـ أولا، أبرمنا اتفاقية السلام. واتفاقية السلام بشهادة أهل السودان حتى المعارضة أعطت الحركة الشعبية والجنوب أكثر من استحقاقاتها الحقيقية، سواء في مجلس الوزراء الاتحادي أو قسمة السلطة عموما. وهذا أكبر دليل على أن المؤتمر الوطني راغب ويسعى لترغيب أهل الجنوب وشعبه في الوحدة. وكذلك في ضبط النفس حيال كثير من التصريحات بل المواقف التي تقوم بها الحركة الشعبية. ثانيا، المؤتمر الوطني ما زال يحتفظ بأعضائه في الجنوب بمكانتهم السياسية والتنفيذية. ثالثا، في المجال الاقتصادي كان طرحه أن تكون ميزانية الجنوب بنسبة من الميزانية الكلية للسودان لكنه خضع لرأي الحركة أن تكون ميزانية الجنوب محسوبة من النفط. وهكذا يستمر الالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية السلام بندا بندا.
* وماذا عن التقارير التي تشير لوجود أرقام إيرادات بعض حقول البترول أقل بنحو 10% من الأرقام التي نشرت في التقارير السنوية لذات الحقول؟
ـ عندما ادعى بعض أعضاء الحركة أن الحكومة لا تعطي الجنوب نصيبه من عائدات البترول قامت وزارة المالية وتقوم شهريا بنشر المبالغ التي تسلم لحكومة الجنوب ولم يقل وزير الدولة الجنوبي ولا وزير المالية في حكومة الجنوب إن الحكومة الاتحادية لم تعطهم النصيب الكامل لمخصصات الجنوب بل أكدوا أن الأمر يسير بسلاسة وشفافية وإنما كانت التصريحات تصدر بغير ذلك من بعض أعضاء الحركة الذين طلبنا منهم أن يفيئوا للمسؤولية.
* من أشار بهذه التقارير هذه المرة ليس أعضاء من الحركة بل جماعات نشطة أجنبية؟
ـ لقد نشرنا أرقامنا وذلك ليس بسر ومن يدعي بغير ذلك فليأت بأرقامه وقد جربنا مثل هذه المنظمات العالمية وادعاءاتها.
* كيف تقيمون الموقف الحالي في دارفور؟
ـ لقد أكد قادة القوات الدولية أن الوضع بالتأكيد يختلف عما كان عليه. مؤكدين العودة الطوعية للنازحين لقراهم مما أسكت كل الأصوات التي كانت تقول إن كارثة ستحدث بطرد المنظمات الطوعية. من جهة أخرى أقنعت جدية الحكومة في المفاوضات الجميع ثم جاءت التصريحات الأخيرة لبعض الذين كانت قد استقطبتهم جماعة «أنقذوا دارفور» فحدثوا المجتمع الدولي عن الطرق التي استحدثت معهم لإغرائهم بتشويه صورة السودان والحمد لله فقد عاد لهم ضميرهم السوداني للتخلي عن هذا الطريق إذن الوضع في دارفور الآن يختلف عما كان عليه من قبل.
* هل دفعتم لهم ليغيروا مواقفهم ويقولوا ما قالوا؟
ـ القضية كانت وراءها حملة عالمية صهيونية ضد السودان فمن أقدر على الدفع نحن أم أولئك؟
* هل سيشارك المؤتمر الوطني في مؤتمر جوبا الذي من المقرر أن تشارك فيه كل الأحزاب السودانية للتشاور في مستقبل البلاد واستقراره السياسي؟
ـ لا، عندما عرضت علينا الحركة المشاركة في مؤتمر جوبا طلبنا أن نعرف الأجندة لأن الدعوة لم توجه لنا فقط وإنما للمعارضة كذلك ولذلك تساءلنا هل هي أجندة معارضة تريد أن تتشكل من جديد أم هي لمناقشة القضايا المصيرية التي يجب أن يتفق عليها أهل السودان. ومما جاء في الإجابات وأحيانا تفادي الإجابة ومن تحركات بعض أفراد المعارضة خاصة أن فيهم من يشارك بفعالية في اللجنة التحضيرية. رأينا أن هذا المؤتمر أقرب أن يكون مؤتمر معارضة من أن يكون مؤتمرا قوميا ولذلك اعتذرنا وقد اتضح الآن أن هذه الرؤية شاركنا فيها بعض أحزاب المعارضة نفسها.
* إن كنتم تقصدون اعتراض محمد عثمان الميرغني ومقاطعته وحزبه لمؤتمر جوبا فذلك لا يعني أنكم تقاطعون لذات الأسباب دون شك؟
ـ لا أدخل في أسباب رفض الميرغني لكن واضح مما صرح به أنه لن يشارك في عمل يمزق ويفرق ولا يجمع.
* هل ستقوم الانتخابات؟
ـ نعم، وقد حدد لها أبريل (نيسان) القادم. وسيبدأ السجل الانتخابي في نوفمبر (تشرين الثاني). واستعداداتنا لها على قدم وساق.
* ألا ترون أن ادعاءاتكم بالفوز بها توحي بأنها لن تكون نزيهة؟ ـ نعلن فوزنا لنبث الثقة في أعضائنا. نحن قيادة ولا بد أن نبعث الثقة في أعضائنا. ولن نكسبها فقط بل سنكتسح.
* هل ستفوزون لو تمت بنزاهة؟
ـ نعم، تقديراتنا وعملنا يؤكدان فوزنا فوزا كاسحا لأن حزبنا جمع ما بين الجماهير والمثقفين محققا بذلك وحدة بين هاتين الفئتين تمكننا من الخروج من ثنائية إما حزب جماهيري أو حزب مثقفين.
* من هم أقوى منافسيكم؟
ـ الأحزاب التقليدية (الأمة والاتحادي) والحركة لها جماهير لكنها لا تضاهي جماهير المؤتمر الوطني.
* كيف سنتحقق من نزاهة وديمقراطية الانتخابات؟
ـ كما يتم في أي دولة وذلك بمشاركة جميع الأحزاب المتنافسة وبحضور كل الجهات الإقليمية والعالمية التي تحضر لتراقب وبأجهزة داخلية مستقلة عن الحكومة وعن كل الأحزاب.
* وهل يتوفر في السودان جهاز بهذه المواصفات؟
ـ نعم، ومفوضية الانتخابات جهاز مستقل يعمل برئاسة السيد ابيل الير (قانوني ضليع من جنوب السودان يحظى باحترام واسع).
* السيد نائب رئيس الحزب الحاكم، بعد كل هذا الكلام الزاهي نجد الحكومة وقد غرقت في «شبر موية» بدليل عجزها عن تدارك مياه الأمطار الأخيرة فمات من مات وطفحت الشوارع وعطلت المدارس! ـ على أي حال لا أنكر أن هناك بعض شوارع كانت بحالة لا ترضي مواطنا كما لا ترضي الحكومة. وأعتقد أن من واجبنا أن نسعى لتحسين الشوارع. ولا شك أن ولاية الخرطوم قد نظرت لكل هذه المسائل، لكننا لا بد أن نقول إن الصرف على شوارع الخرطوم كان بصورة كبيرة حتى أن البعض كان يعتقد أن نتوجه لخدمات أخرى وأقول إن العافية درجات.