نبوءة بشارة سليمان .. إلغاء إتفاق جوبا و فصل دارفور

 


 

 

(1)
رغم جرائم أنظمة الفصل العنصري في الخرطوم بحق الهامش السوداني منذ الإستقلال حتى تاريخ نجاح ثورة ديسمبر؛ إلا أنني لم أجد الحماس المناسب للإنضمام الي اي من حركات الكفاح المسلح في بواكير الثورة السودانية في دارفور و ذلك لجملة من الأسباب: في مقدمتها إيماني بالكفاح المدني كوسيلة مثلى لنيل الحقوق، ثانياً كانت مفاوضات نيفاشا بين الحركة الشعبية و حكومة الإنقاذ تسير بشكل طيب لذا كنت ارى من الحكمة ان يعطى الإتفاق المرتقب فرصة لحل المشكل السوداني العام و ليس الجنوبي وحده فحسب، عوضا عن موانع شرعية و تحفظات شخصية على القتال بين أبناء الوطن . و كان للملهم الراحل جون قرنق دي مبيور الرأي نفسه في إعطاء نيفاشا فرصة عندما علق قائلا لبعض ثوار دارفور ( ليس من المناسب ان تقلع طائرتكم في الوقت الذي فيه نحن نرغب في الهبوط).
لكن قضت مشيئة السماء ان تقوم الحرب ليحدث ما حدث .!!

(2)
بعيد ملحمة الذراع الطويل التي قادها الشهيد الدكتور خليل إبراهيم بنفسه في مايو 2008 (و التي فيها لعب قطع إتصالات شبكة الثريا من قبل حكومة خليجية الدور المحوري في عدم التمكن من إعتقال المجرم عمر البشير قبل عقد من يوم خلعه بثورة ديسيمبر الشعبية المدنية خالصة)؛ كان منتسبي جهاز الامن يتلذذون بقتل الأسرى، كانوا يأخذونهم الي ميادين تدريب الرماية ليقتل كل ضابط و كل عسكري حقود ما يشفي غله من العدد تحت الإشراف المباشر من قبل مدير الجهاز صلاح قوش، في عمل يتنافى مع كل قيم السماء و قوانين الأرض.
عندها فقط قررت الذهاب الي الجبهة و كنت حينها في كوالالمبور . اتصلت بالقيادي بحركة العدل و المساواة بشارة سليمان نور عبدالرحمن - ببرود بالغ قال لي بشارة ( هي حرب ، جولة لك و جولة لغيرك ،، إلا أننا سندخل الخرطوم ثانية بالسلم أو بالحرب. حملك للسلاح في الميدان مرغوب فيه ، إلا أننا نحتاجك في يوم ما في موقع آخر غير أرض المعركة.. لذا لن نسمح لك الآن) !!. انتهت المحادثة.

(3)
و لأن الأيام دول ؛ دارت الدائرة ليكون الدكتور جبريل ابراهيم الذي كان قد أبعد ضمن الاخرين من ابناء دارفور من دولة الأمارات التي أعتقلتهم أبان عملية الذراع الطويل بغية تسليمهم الي نظام البشير قبل ان تتدخل الدول الغربية لتخفف الاجراء من التسليم الي الإبعاد . نعم ذلك جبريل نفسه الذي حل في الأسبوع الماضي ضيفاً رسمياً على حكومة الأمارات العربية المتحدة كوزير لمالية و إقتصاد السودان حتى يفاوض الجانب الاماراتي على بناء ميناء آخر على البحر الأحمر . هكذا الحياة !!.

(4)
رغم أنني قد قطعت العهد على نفسي ان لا أكون جزء من حكومة الفترة الانتقالية(بالأحرى ليست لدي أدنى رغبة للعمل في القطاع العام، انما أفضل القطاع الخاص و إليه ادعو الشباب )؛ إلا انه قد أحزنني وقوف حركات الكفاح المسلح مع الإنقلابيين العسكر.
صحيح ان إسقاط حكومة الإنقاذ كان نضالاً تراكمياً ساهمت فيه كل قوى الخير الوطني منذ اليوم التالي لإنقلاب 30 يونيو المشؤوم حيث ضحى الدكتور علي فضل و غيره ، مروراً بالكفاح الثوري المسلح و الذي فيه قدم ثوار دارفور و جبال و جنوب النيل الأزرق أرتالاً من الشهداء قبل ان ينهض المدنيون في الخرطوم و عطبرة و غيرهما بكنس رؤس النظام.
أي ان ثورة ديسيمبر الشعبية المدنية المجيدة مهدت و عجلت بتوقيع السلام مع حركات الكفاح المسلح لإيقاف نزيف الدم السوداني؛ لكن من الخطل بمكان الإعتقاد ان حكومة قحت هي التي منحت المواقع و الوظائف لحركات الكفاح المسلح كهبة من لدنها و بذلك يمكنها إلغاء إتفاق جوبا للسلام.
إنحياز حركات الكفاح المسلح للإنقلابيين و التواطوء معهم خطيئة وطنية و إخلاقية لا تغتفر إلا بالإنسحاب الفوري من حكومة الإنقلاب ، لكن الإتفاق في حد ذاته مكسب وطني لا يقدر بثمن حيث أوقف الحرب . يمكنكم ان تتخيلوا حجم الدمار الذي سيحل بالوطن إذا ما إستمرت العدائيات بين الأطراف حتى تاريخ يومنا هذا. سوف لن يكون هناك وطن لنتلاوم حوله .

(5)
هامش الحرية الذي إتسع ، و في ظل التردي في كل مناحي الحياة ، و لتحكم فلول النظام البائد بجميع مفاصل الدولة ؛ عوضاً عن انقلاب 25 اكتوبر الإنقاذي في نسخته الثالثة ، بجانب تصرفات و مواقف البعض جعلت من بعض ابناء الوطن و خاصة المنحدرين من الاقاليم التي لم تختبر الحروب من قبل الحديث بصوت عال عن ضرورة فصل دارفور أو إنفصال اقاليمهم بزعم ان دارفور قد تم ضمه عام 1916.
حديث من ذلك النوع ينم عن جهل مطبق. معلوم ان السودان بشكله الحالي كان يمثل السودان الانجليزي، و دارفور جزء من ذلك السودان .
الذي حدث بالضبط ؛ عندما أقدم الغزاة الانجليز على إحتلال السودان لم يخرج اهل دارفور لإستقبالهم بالأزهار و البخور كما فعلت بعض بقاع السودان ، بل قاتلهم الدارفوريون قتالاً شرساً قبل ان تخور قوتهم في 1916. بذلك لحقت منطقة دارفور بأخواتها للعيش تحت ذل الإستعمار حتى 1956.
في وضع أشبه ببعض مناطق شرقي اوكرانيا التي إستقبلت الغزاة الروس ، بينما المناطق الأخرى من تلك الدولة مازالت تقاتل من أجل الدفاع عن وحدة التراب الأوكراني.
لكن الواضح ان البعض لا يروق له الجلوس مع أهل دارفور أو جبال النوبة أو أنقسنا تحت سقف مكتب واحد و بندية.
من لا يطيق رؤية بعض ابناء و بنات بلده يتقلدون مناصباً اسوة به ؛ يمكنه ان يتجه شمالاً ، حيث وظائف البوابين مازلت شاغرة هناك. لكن الذي يتعين على الجميع إدراكه أن لا قوى و لا قوة في هذا الكوكب تستطيع فصل شبر من ألأرض السودانية .
لذا دعونا نناهض الإنقلاب من أجل دولة مدنية ديمقراطية تسع أحلامنا و أشواقنا في التلاحم و التقدم.

 

د. حامد برقو عبدالرحمن
NicePresident@hotmail.com

 

آراء