نحن جنينا ولا عقولنا نصاح!!.
عادل الباز
21 September, 2011
21 September, 2011
20/9/2011م
بالأمس نجحت جمعية حماية المستهلك في قيادة حملة نوعية أسهمت في انخفاض نسبي لأسعار اللحوم. وهذا عمل جيد ولجمعيات المجتمع المدني أن تعمل بآلياتها لتخفيض الأسعار على أن ما أثار استغرابي أنني شاهدت الدولة تسير في الزفة ويتعالى صوتها بأكثر مما ارتفع صوت شلقامي!!. هل بالفعل الحكومة عقلها في أذنيها أم أنها تحاول خداعنا ؟. أكاد لا صدق!!
تقول الرواية إن سبب ارتفاع الأسعار هم التجار الجشعون والخونة الذين غالوا في أسعار اللحمة... ثم قال آخرون إن المصدرين الخونة الذين هربوا بدولارات صادراتهم ولم يرجعوها لخزينة العامة هم السبب في ارتفاع الأسعار......لنصدق هذا الادعاء على علاته ..... ونترك الأسئلة اللئيمة مثل: منذ متى كان التجار بلا جشع....فلماذا لم ترتفع اللحمة إلا هذه الأيام ومنذ متى كان المصدرون لا يجنبون الدولارات بعلم الدولة أو بغير علمها لماذا . دعك من هذا الهراء وليهرف به من يهرف ولكن الدولة كيف لها أن تصدق الأكاذيب و تبني عليها ساسيات!! اولم تعلمنا التجارب شيئا؟!. الإجراءات التي تشرع الآن وتدق لها الطبول كما تدق طبول الحرب الآن هي إجراءات أمنية وتدابير إدراية. كيف؟ إذا صدقت الدولة أن المشكلة كلها تنحصر في أن هنالك تجارا خونة ومتآمرين فإنها بالضروة ستتجة للآليات التي تقمع بها الخونة والمتآمرون وهي الإجراءات الأمنية.... ستصبح مطاردة التجار... سوق سوق وبنك بنك... حتى يتم القضاء على الخونة هي السياسة التي ستتبع من الآن وصاعدا!!. أو أن تلجأ الدولة لتدابير إدراية بمعنى أن تعود مرة أخرى لتنظيم السوق بآليات تفرضها بقانون وإجراءات ليس من بينها آليات السوق وكلا الحاليتن تم تجريبهما لسنوات ولم تفضيا إلا البوار وكانت نتائجهما دمارا كاملا للاقتصاد.
إذا كانت تسير في تلك الزفة لتمارس سياسية بغرض امتصاص غضب الشارع من الغلاء ولكي لا تتحمل هي المسئولية فإن هذه الهيجة تبدو مفهومة أما إذا كانت تصدق الأوهام وتهرول لتبني عليها قرارات اقتصادية فتلك مصيبة.
غلاء الأسعار لا يعود فقط لأن هنالك تجارا جشعين بل لأن هناك أوضاعا اقتصادية غير طبيعة يمر بها الاقتصاد كلل ومعالجة هذه الأوضاع تحتاج لمعالجات لا يمكن ان تتم في ظروف هذه الهيجانات والبيانات الحربية. الصحيح أن تسرع الحكومة لإنفاذ سياسيات طالما أعلنت عنها ولكنها لا تزال تسبح في الهواء. لأن الموازنة تعاني خللا بائنا بسبب فقدان إيرادات البترول فالأوفق أن تسرع الدولة في معالجة أوضاعها الهيكلية والأمنية المتضخمة التي تأكل لحم الميزانية وعظمها فلا تدع شيئا لينفق على التنمية ولا الخدمات!!. المطلوب أيضا أن تتجه كليا لإنفاذ برنامج النهضة الزراعية بكافة الموارد الشحيحة المتاحة وأن أي تفكير في حل آخر هو محض وهم. كيف يمكن أن يفهم أن فاتورة استيراد الغذاء في بلد كالسودان هي الفاتورة الأعلى. الانفاق على مشاريع التنمية المنتجة وليست الدعائية هو المخرج. إذا ما تدفق الغذاء واللحوم ومنتجاتها على الأسواق فلن يكون هنالك تجار جشعون ولا مصدرون خونة. الأزمة هنا وليس هنالك... ويل للهتافيين التي طالما أضرو بنا سياسيا واقتصاديا.
تبدأ الآن الحكومة اتجاها صحيحا لمعالجة الخلل الناتج عن ضعف احتياطيات النقد الأجنبي عبر الاتجاه للاستدانة من الخارج وهو ما أعلن عنه السيد محافظ بنك السودان حين طلب من الدول العربية دعم احتياطيات النقد الأجنبي بأربعة مليار دولار. لو حصلت الحكومة على نصف هذا المبلغ ستسطيع معالجة خلل نقص النقد الأجنبي وسيهبط سعر الدولار لوجود تغطية كافية للسلع المستوردة وقتها لن تسمعوا شيئا عن خيانة المصدرين ولا جشع التجار فلن يسعى المصدرون والتجار للاحتفاظ بالدولار بالخارج. المطلوب هو الاتجاه لابتداع سياسيات صحيحة تبدأ باستعادة الاستقرار لأوضاع السياسية لتهيئة المناخ لجذب الاستثمارات ثم العمل على معالجة الأوضاع الهيكلية والتوجة للإنتاج..... أما إذا صدقت الحكومة ما تسمع من كواريك.... فلن تحصد سوى مزيد من الخوازيق!!
عادل الباز