نحن وأزمة التسلط

 


 

 

دوما نعاني نحن أهل السودان من سنوات عجاف فيها الغضب والفوضى وعدم الاستقرار السياسي والتمرد علي سلطة الدولة المركزية، وذلك يحدث عبر الحكم العسكري وقوانين الأحكام العرفية والطوارئ وإلغاء الدستور، بمثابة إعلان للقطيعة مع الديموقراطية ومع عدم إمكانات النهوض المدني؛ السياسي والاقتصادي في دولة العسكر، ليس إزاء النقص في مشروعية الدولة، بل أبرزت أزمة شرعيتها التي توارثت أساليب حكمها من إرث الإقطاعية، والتسلط العسكري، وطغم الهيمنة المالية التي استبدت بالسودن شعباً وطوائف، طوال سنوات من الحكم الدكتاتوري المتناسلة من إرث دولة ضيعت هويتها السياسية التي ولدت بها بعد الاستقلال، من حيث أرادت تأكيد هذه الهوية أو تلك الشرعية، فلا هي وجدتها في الدين الذي بررت به عملية تاسيس دولة دينية قومية او شعبوية برفضها منحه لها مضمون اجتماعي أو اقتصادي، ولا هي استطاعت أن تبلور وطنية سودانية خاصة بهوية قومية ما فتئت تبحث عنها وعن ماهيتها، وعن شرعيتها المغيبة والغائبة منذ البداية , مرة عبر تدينها السياسوي، ومرات عبر ممارسات سياسية طبقية استبدادية لمجموعات من الأجهزة الأمنية التابعة، للمركز استطاع وما فتئ يوظفها لمصالحه الخاصة، في لحظات توتر وعدم استقرار ليس داخل السودان فقط، بل على مستوى إقليمي ما زال فاعلاً وكما كان على الدوام رهان الأمس نحو دولة قائمة علي اساس ديمقراطية ، واستمراراً للحفاظ على دولة ولكن من خلال العسكر و مصالح نخب محددة، التي أثبتت أنها ً من إنشائها، لا يمكن أن تنجح يوماً في رهان بناء دولة لأمة من المواطنين الموحدين المؤمنيين بالديمقراطية حتى ولو كانوا متعددين في انتماءاتهم

السلطة التسلطية الفاشلة وما نعيشه الان، نراها تتعرى وتتراجع وتتقهقر، وتسفر عن وجهها القبيح في معاداة وقتل مواطنيها ومطاردتهم ، ومن شارع لشارع. انها تفتقد الآن صوابها السياسي وعقلها الذي تأسس على احتقار الشعب، وتقدم خطابا مرتبكا، هزيلا، متناقضا، ولا تكاد تصدق أن مايجري يمكن أو بدون معارك وثأر دموي ويقولون من هؤلاء الجماهير الجاحدة وتمسي ما يحدث بالفوضى التي تريد الآن أن تفكّ أغلالها دفعة واحدة، وتدمر كل ما إشادته السلطات من تراث تسلط وفساد وإفساد وتحلل
وينطلق الآن مع انهيار السلطات العربية الغاشمة،صراع تناقضات عجيب وغريب، ومشرع على احتمالات متناقضة، إذ تخرج كل المكبوتات الى السطح، وتبدو الصورة مغبّش لدى الكثيرين والأفق قاتمة!
السلطة التي لاتصدق مشهد لحظة افولها وانهيارها تحاول الآن أن تقاتل في الرمق الأخير من اندثارها بكل ماتبقى لديها ، وتقدم التنازلات تلو التنازلات ارتياعا وهلعا من شعارات الثورة حرية سلام وعدالة ، وتطلق الغوغاء بكافة اوصافهم وتسمياتهم بلطجيه، لكي يصفوّا لها حسابها مع دهماء الشعب الثائر المتمرد، وتقتل وتعتقل وتزيد النار اشتعالا، ولكنها لاتريد الاعتراف والاستسلام بسهولة، اذ أنها لاتزال تعتقد بوجود فسحة من القتل، وفسحة من اللعب على جراح المواطنين، و لديها فسحة من الوقت.
ويبدو أنهم لا يزالون لا يدرون أنهم واهمون وأن هذا هو صراع التناقضات لابد أن يأخذ طابعا تناحريا يتركز أو يتمحور حول ضرورة افناء الطرف الآخر بمعنى الابعاد والازاحة عن السلطة، والذي سيكون في هذه الحالة السلطة و الطغمة الغاشمة وحلفائه وأجهزتها وتراثها البشع، وليس الشعب الذي لايمكن أن يزاح ويفنى، أو أن يقضى عليه بسهولة وبشكل افناء جماعي للثوار أو ازالتهم من ساحة الصراع، فالشعب باق دائما والطعم زائلة، وهذه هي احدى بدهيات التاريخ التي لا يجادل فيها أحد.
ويبدو أن هذه السلطات الآفلة والمنهارة والمتهاوية، أو تلك التي على طريق الاندثار، لا تريد أن تقرأ المشهد ومعطياته الجديدة بالاستشعار السياسي الواعي أو أن تستظهر باللاشعور السياسي، ولا تريد أن تجعل الشعب يحضر بارادته الوطنية الى المجال السياسي، أو اعادة بناء هذا المجال بطريقة ديمقراطية شعبية مغايرة، ولذلك تراها بحسها العدائي والازدراء لنا، تدفعهم دفعا الى خيار القتال والمحاربة والحرب الاهلية، أو خيار استدعاء وتدخل القوى الخارجية لكي تصبح طرفا في النزاعات الداخلية، الأمر الذي يشظي ويشتت الماهية والطابع الوطني والقومي للحراك الشعبي ، وتشرذم التطلعات الوطنية والرؤى السياسية المتولدة في هذا الحراك، ويحول التغيير المسخّر لبناء الحاضر والمستقبل الى صراعات متداخلة لا تنتهي، أو فوضى دائمة غير خلاقة بطبيعة الحال!
فما الذي تريده سلطة الانقلاب المنهارة أو تلك التي على وشك الانهيار الآن بعد أن وحولت دولتنا الى دولة فاشلة وغيبت مجتمعنا و أهدرت كرامة المواطن أنه التسلط القمعي بعينه

أن التغيير الجاري حاليا على واقعنا السياسي أنه لا يملك آليات معرفية متكاملة ومستوفية لشروط المعرفة والتحليل الناجز متوفرة من أجل الالمام بكافة ظواهر و مفردات هذا الاندلاع الهائل للتناقضات والصراع الناشب فيها ونتائج هذا الصراع المحتملة، ولكن القبض على بعض معطياته وتداعياته لن يكون عملا صعبا ومستحيلا أو من اعمال الرجم بالغيب، وهذا مما يشجع على الخوض في هذه الاتجاهات الاولية المختلفة من التحليل واستنباط واستنطاق الدلالات، اعتمادا على قاعدة السيطرة على السلطة لو لحين أما مانقوله بايجاز لسلطة الانقلاب في الافق هو الانسداد والتأزم التام ولا خلاص لها الا بالانسحاب والتنحي والغياب وافساح المجال للشعب الذي تم تغييبه وابتلاع روحه وحراكه طويلا الذي سوف يقضي علي التسلط في السودان الي الابد
بكل صيرورة المتعارف عليه للتغيير وانتصار الحرية علي التسلط سوف الي نهايات الواقع الحالي بكل عزيمة الثوار واصرار الاحرار علي الانعتاق من هيمنة الآخر المتسلط .

zuhairosman9@gmail.com

 

آراء