نزْعٌ و تمزيق . قصة قصيرة
طه جعفر الخليفة
2 November, 2024
2 November, 2024
نزْعٌ و تمزيق . قصة قصيرة
حكايةُ حربٍ!
أعدّ الجوع لهم مؤائد. تحولت دمدمة المتفجرات ، أزيز المسيّرات ، زمجرة الطائرات فوق رؤوسهم مع صوت الرصاص، تحولت إلي شخيرِ يصدر عن نومهم العميق. لم يكن بالأنحاء ماءٌ ليشربوه غير ما تبقي من خطوِ الجنود في بِرَكِ مياه الأمطار، شربوا ذلك الخليط المُشّبَع و المحتشد بالموت الذي رفض المجيء. تعب الموتُ من التِجوال في شوارع حِلّتهم المنتهكة إلي آخر بيت فيها ،تعب!
قالوا " نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح". و قالوا لم يعد عند الجنود ما يغضبوننا به أو يجعلنا نرد علي أسئلتهم. و قلت لم يعد للحرب ما تقوله أو تستطيع به أن تجعلهم يتكلمون.
جاء بعضهم ليقتلوهم لأنهم من الفلول، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. جاء قتَلَةٌ آخرين ليقتلوهم لأنهم متعاونون مع المليشيا المتمردة، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. قالوا لم نمت جراء الهجمتين لا بل ظللنا كما نحن "نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح" قالوا إنتهت الحرب عندما صار القتلُ لا يقتل و أصبح الرعبُ لا يُخِيف. فقلت فعلاً إنتهت الحرب عندما تحوّل الجوع إلي واهبٍ للطعام.
لم يجد الجنود ما يفعلونه فقرّر قادتهم الإتفاق و إقتسام البلاد مناصفة بينهما ، ناسها و موارده مناصفةً بينهما. قالوا سمعنا ذلك عندما مرّ جندي جوار بيتهم. كان الجندي يسمع كلام قائده المتفق مع القائد الآخر. سمع الجندي ذلك في واحدٍ من تلفوناته التي كانت لمَوْتَى أو منهوبين. كان الجندي يسمع و يتلفت كأنه يسمع أصواتا. لم يكن هنالك ما يُصدِر صوتا لأنه خلال الحرب قد نفدت الكلمات و لم يتبقَ من الكلام غير تلك الأصوات المجوفة الي لا تهتم لها طبلةُ أُذنِ و لا ترتعش من أجلها. حتي الحيوانات صارت صمّاء. مع نهاية المكالمة إنتشرت في الهواء رائحةُ البُراز المختلطة برائحةِ الأجساد المُتحللة. رأيت في نهاية الشارع جثة قديمة تحلّلت و يبست و صارت هيكلا مكسواً بجلد رقيق، هيكلٌ بفم مبتسم. قوة الرائحة و نفاذها فيما يبدو دفع بالكلاب ، القطط، الطيور، الهوام، القوارض و جمهرة الحشرات النَشِطة. دفعت الرائحةُ الجميع ركضا، زحفاً و طيراناً نحو النهر. قالوا عندما تأكدنا من ذلك المنظر المهيب و هو مغادرة الحيوانات لحِلَتنا حدث أمر غريب حيث بدأت عائلتنا المندمجة في الإنفصال، إنفصل الأب مبتعدا، نزعت الأم نفسها عن جسد العائلة، تبقي جسد ممزق و مرتبك في إندماجه لكنه بدأ في الإنفصال فتفرق الأولاد و البنات بددا، خرجوا عن ذلك الجسد حيث كما قالوا كنّا عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءه أو يؤلمه في الروح. إنفصلنا أي واحد منّا بندوب و تقرحات شملت جسد الواحد منّا و روحه. قالوا لم نهتم بما حدث لأن الحرب إنتهت عندما لم يجدِ الموتُ من يقتله و لم يجدِ الجوعُ ما ينهشه و لم يجدِ المرضُ جسدا ليعذبه. قلت إنتهت الحرب.
طه جعفر الخليفة
كندا – اونتاريو
31 نوفمبر 2024م
taha.e.taha@gmail.com
حكايةُ حربٍ!
أعدّ الجوع لهم مؤائد. تحولت دمدمة المتفجرات ، أزيز المسيّرات ، زمجرة الطائرات فوق رؤوسهم مع صوت الرصاص، تحولت إلي شخيرِ يصدر عن نومهم العميق. لم يكن بالأنحاء ماءٌ ليشربوه غير ما تبقي من خطوِ الجنود في بِرَكِ مياه الأمطار، شربوا ذلك الخليط المُشّبَع و المحتشد بالموت الذي رفض المجيء. تعب الموتُ من التِجوال في شوارع حِلّتهم المنتهكة إلي آخر بيت فيها ،تعب!
قالوا " نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح". و قالوا لم يعد عند الجنود ما يغضبوننا به أو يجعلنا نرد علي أسئلتهم. و قلت لم يعد للحرب ما تقوله أو تستطيع به أن تجعلهم يتكلمون.
جاء بعضهم ليقتلوهم لأنهم من الفلول، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. جاء قتَلَةٌ آخرين ليقتلوهم لأنهم متعاونون مع المليشيا المتمردة، فعل القتَلّةُ فعلتهم و فرحوا بها و هللوا و كبّروا. قالوا لم نمت جراء الهجمتين لا بل ظللنا كما نحن "نحن عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءَه أو يؤلمه في الروح" قالوا إنتهت الحرب عندما صار القتلُ لا يقتل و أصبح الرعبُ لا يُخِيف. فقلت فعلاً إنتهت الحرب عندما تحوّل الجوع إلي واهبٍ للطعام.
لم يجد الجنود ما يفعلونه فقرّر قادتهم الإتفاق و إقتسام البلاد مناصفة بينهما ، ناسها و موارده مناصفةً بينهما. قالوا سمعنا ذلك عندما مرّ جندي جوار بيتهم. كان الجندي يسمع كلام قائده المتفق مع القائد الآخر. سمع الجندي ذلك في واحدٍ من تلفوناته التي كانت لمَوْتَى أو منهوبين. كان الجندي يسمع و يتلفت كأنه يسمع أصواتا. لم يكن هنالك ما يُصدِر صوتا لأنه خلال الحرب قد نفدت الكلمات و لم يتبقَ من الكلام غير تلك الأصوات المجوفة الي لا تهتم لها طبلةُ أُذنِ و لا ترتعش من أجلها. حتي الحيوانات صارت صمّاء. مع نهاية المكالمة إنتشرت في الهواء رائحةُ البُراز المختلطة برائحةِ الأجساد المُتحللة. رأيت في نهاية الشارع جثة قديمة تحلّلت و يبست و صارت هيكلا مكسواً بجلد رقيق، هيكلٌ بفم مبتسم. قوة الرائحة و نفاذها فيما يبدو دفع بالكلاب ، القطط، الطيور، الهوام، القوارض و جمهرة الحشرات النَشِطة. دفعت الرائحةُ الجميع ركضا، زحفاً و طيراناً نحو النهر. قالوا عندما تأكدنا من ذلك المنظر المهيب و هو مغادرة الحيوانات لحِلَتنا حدث أمر غريب حيث بدأت عائلتنا المندمجة في الإنفصال، إنفصل الأب مبتعدا، نزعت الأم نفسها عن جسد العائلة، تبقي جسد ممزق و مرتبك في إندماجه لكنه بدأ في الإنفصال فتفرق الأولاد و البنات بددا، خرجوا عن ذلك الجسد حيث كما قالوا كنّا عائلة إندمجت و صارت جسداً واحداً ، ليست له هوية جنسية و لا ذاكرة ليخدش الإغتصاب حياءه أو يؤلمه في الروح. إنفصلنا أي واحد منّا بندوب و تقرحات شملت جسد الواحد منّا و روحه. قالوا لم نهتم بما حدث لأن الحرب إنتهت عندما لم يجدِ الموتُ من يقتله و لم يجدِ الجوعُ ما ينهشه و لم يجدِ المرضُ جسدا ليعذبه. قلت إنتهت الحرب.
طه جعفر الخليفة
كندا – اونتاريو
31 نوفمبر 2024م
taha.e.taha@gmail.com