نسيج شعري .. اسْتِعادتَانَ جديدتَانَ لإلْفَةٍ قَدِيْمَةْ

 


 

 

إلى روح: عبد الله يعقوب، بائع الباسطة الكوستاوي*...

"... ما طمعي إلى الجّاهِ والمال؛ مع المَساكِيْنِ أبْقَىْ..."...
[ من صدى رسالةٍ شخصيَّةٍ للشّاعرِ السودانيِّ الرّاحل محمّد المهدي المجذوب]...

I. استعادةٌ بِنّفَسِ التّذَكُّر:-

ينتثرُ الشارع الشماليُّ بالغبارِ فأراكَ باسماً خلل تنفُّس الشّارعِ بالحرِّ وبقايا ندىً من بللِ الصّباح. صوتٌ يتوفّزُ فيَّ الآنَ دخاناً قديماً وبوخَ كِسْرَةٍ سُوّت في الصباحِ فشهقت في البدنِ رجفةً من تذكّرٍ- عصيرُ رغائبٍ هبَّ فوحهُ في الضُّحى النّسويّ، آن قهوةُ الظهيرةِ تجلو أصواتهُنَّ بالثرثراتِ الأليفةِ... صوتُكَ يمرقُ طيّباً من بين شميمِ كسرةٍ جديدةٍ- فاتحةً للسعي الصّباحيّ، رَمادُ المُدِنِ ينهَضُ، بينَ ساقَيْكَ، ثَقِيْلاً، ثَقِيْلاً، كانَ الوَدَاع قَرِيْبَاً، رُبَّمَا، والخَلْقُ على بيِّنَةٍ من انتِظَارِكَ حيثُ شُمُوسُ المَوَاعِيْدِ البَرِّيَّةِ تَتَأَتَّى- لِمَنْ يَرَى- عَنْقَاءَ مَغْرِبِ البِلادِ العَتِيْقَةِ، مَوْلِدِ البِلادِ الجّدِيْدَةِ... هذا أوانُكَ الآنَ- أيا عبدَ اللّهِ- فالشَّوارِع مُستبْشِرَةٌ بِفَوْحِ خَشَبِ الطّبِيْعَةِ الأخضَرِ الجّدِيْدِ، بنُثَارٍ حَيٍّ مُنَعْنَعٍ مُتَرَقْرِقٍ، من هُيامِ تورُّدِ بينَ ظَهِيْرَاتِ إلفةٍ جدِيْدَةٍ- رِبُوبِيَّةٍ مُسَرْيَلَةٍ بسِيْميَاءِ الخَلِيْقَةِ، في الهَوَاءِ، في مُنتَصَفِ ليلِ العالمِ، فَاوُسْتَ الآلةِ والإلهِ المَشْمُولِ مَلِيَّاً بِظُلْمَةِ التَّكنولوجيا وبُخارِ غِرُوبِ أُغنَياتِ الصِّنَاعَةِ، انْحِسَارِ بَغْيِ شَهْوَةِ الجَّبِيْنِ الذِّكُوْرِيِّ:- ذاكَ الذي كانَ يَهْبِطُ من هُناكْ**

II. استعادةٌ بِنَفَس الرّجاءْ:-

هذا أوانُ بَسْطِ عَبْدِ اللهِ حيثُ ساذَجُ الذّواتِ في مِشْكاتِها ظِهُورُ "دقُلِ"***، ذلك المسكينُ، رهْطُ طَيْرِ قَوْمِهِ السَّوْدَانَ يحلُمُونَ باسْتِدَارةِ الزَّمانِ، هيئةِ القِيَامَةِ-المَعَادِ، يحْلُمُونَ، "ينْضُمُون"َ:- عيشُهُم حرامُ ما يَرَوْنَ في ذُبالةِ القِنْدِيْلِ بثْرَةً من التَّداعِيَ البهِيْمِ نحو قَصْعَةٍ- سُخَامِ أنفُسِ البلاءِ بالمعارِجِ الزَّنِيْمَةِ، امتِطاءِ سُلَّمِ الصُّعُودِ سافِلاً وبابلَ الحديدُ- بأسُها المُزَوَّقُ الشَّديْدُ- موجُ نارِ بحرٍ زبُدُهُ الجُّفَاءُ يذهبُ انطفَاءَ إذْ بُنيّةُ التأمّلِ البليغِ والصَّلاةِ تُسجِفُ السِّقُوفَ تُسْجِيَ اليشيلُ من بصيرةِ الكِجُورِ والمُحمَّدِ المسيحِ في براقِعِ النِّفُوسِ تصفُوَ الكؤوسُ والرَّيْحَانُ كَوْزُ قِنَّبٍ يُشَعْلِلُ الحنينَ والبخُورَ في العِيُونِ بَسْطُ عَبْدِ اللهِ يَسْتَرِدُّ ما يُرَاقُ من دمِ اسمَاعِيْلِهِ الذَّبِيْحِ يُنشِئُ العمامةَ الغَمَامَةْ كِسْرَةً، تذكُّرَاً يفُوحُ بالعصيرِ، بالرّغائبِ، الضُّحى النّسويِّ، قهوةِ الظَّهِيْرَةِ، الأنيسِ من عذُوبَةِ الخَضْرَاءِ من أجراسِ أهلِهِ، الوَرْقَاءِ والنُّحاسُ يَضْرِبُونُهُ وتاجُ عُرفِ ديكِ السِّحْرِ في البُكُورِ ريْشُهُ يُنقِّطُ الهواءَ بالنُّثارِ من هُبُوبِ نالِ حُلْمِهِ، بسطُ عَبْدِ اللهِ يرتخي سهُولةً، شميمَ كِسْرَةٍ جديدةٍ، وبسطُ عَبْدِ اللّهِ يرتخِيْ عُذُوبَةً، شَمَيْمَ كِسْرَةٍ جديدةٍ، وبسطُ عَبْدِ اللَّهِ يرتخِيْ، بسطُ عَبْدِ اللَّهِ يَرْتَخِيْ، بسطُ عَبْدِ اللّهِ يَرْتَخِيْ.

ديسمبر 2004م

هوامش:-

* اشتقاقٌ من مدينةِ "كَوستِي" السُّودانيّة، مسقَطُ رأسِ الشَّاعرِ ومن أُهْدِيَتْ لهُ القصيدةْ.
** تضمينٌ من قصيدةِ على أحمد سعيد (أدونيس)، في أغانِي مِهيار الدِّمَشْقِي، التي يبتدرُها بـ:- مات إلهٌ كان يهبِطُ من هُناكَ/ من جُمْجُمَةِ السّماء... إلخ... إلخْ...
*** من تَدَاعِيَاتِ وصفِ فردٍ ما من مساكِيْنِ النَّاسِ في السُّودان لنفسِهِ بأنَّهُ "مِسْكِيْنْ دقُلْ"... مقابلُ ذلكَ، في العربيّةِ غيرِ السُّودانيّةِ، قد يكونُ تعبيراً ممكِنَاً مثل "إنسان الله" [أو أيَّ ترجمةٍ أُخرَىْ ذاتَ حساسيَّةٍ وفنٍّ للقَوْلَةِ السُّودانِيَّةِ الصَّمِيْمِيَّةِ "زَوْلْ اللّهْ"]...

khalifa618@yahoo.co.uk
//////////////////////

 

آراء