نماذج من الصراع القبلي في جنوب السودان
زفرات حرى
الطيب مصطفى
كتبنا مرارًا حول انفراط عقد الأمن في جنوب السودان وعن الصراع القبلي الذي يجتاح مختلف مناطق الجنوب ودور الجيش الشعبي في تلك الصراعات والاتهامات المتكررة حول دعم الجيش الشعبي لقبيلة الدينكا وسنورد في هذا المقال نماذج من تلك الصراعات والحروب الأهلية بشهادة شهود من المسؤولين الحكوميين لكن قبل ذلك دعونا نورد شهادة منظمة حقوق الإنسان التي تُعتبر المرجعية العليا التي يعتد العالم أجمع بشهادتها وبالطبع لا يمكن لإنسان أن يتَّهم تلك المنظمة وغيرها من المنظمات الدولية بالتحامل على جنوب السودان الذي يحظى بتعاطف كبير مما يسمى بالمجتمع الدولي المتحامل على السودان الشمالي وقواه السياسية.
منظمة حقوق الإنسان قالت إن الجيش الشعبي والقوات النظامية تعتدي على المدنيين بدلاً من حمايتهم وضربت المنظمة أمثلة عديدة على اعتداءات الجيش الشعبي على المواطنين المدنيين من بينها قتل ما لا يقل عن ثمانية مدنيين بالرصاص في مدينة رومبيك في شهر سبتمبر الماضي خلال عملية نزع للسلاح وقال شهود عيان إن بعض الجنود كانوا سكارى حينما قاموا بإطلاق الرصاص وذكر التقرير مصرع عشرة مدنيين في نزاعين آخرين شرق الاستوائية وغير ذلك كثير وقالت المنظمة إن اعتداءات القوات النظامية على المدنيين تشمل الجلد والنهب والتخويف والاستيلاء على الأراضي والعنف الجنسي مضيفة بأن الجنود يعتبرون أنفسهم (محرِّرين) لجنوب السودان... وبالتالي فإنهم فوق القانون وتحدثت المنظمة عن ضعف النظام العدلي في جنوب السودان مشيرة إلى الاعتقالات التعسفية وبقاء المعتقلين لفترات طويلة بدون محاكمة علاوة على الأحوال السيئة للسجون وكنا قد كتبنا عن ذلك في وقت سابق وأوردنا حديثًا لأحد النشطاء في حقوق الإنسان والذي قال إن بعض المعتقلين أمضوا في الاعتقال أكثر من ثلاث سنوات بدون محاكمة وقلنا إن ذلك يعني أن هؤلاء تم اعتقالهم بعد استيلاء الحركة الشعبية على الحكم في جنوب السودان الأمر الذي جعل بعض النخب الجنوبية تكتب متحسِّرة ومتشوِّقة للأيام الخوالي قبل أن تطأ الحركة وجيشها الشعبي على رقاب المواطنين في جنوب السودان.
وبالرغم من ذلك لا يزال باقان وعرمان وأولاد قرنق يمنِّيان السودان الشمالي بمشروع السودان الجديد الذي رأينا نماذج منه في حكم شريعة الغاب التي تحكم جنوب السودان اليوم وتذيقه من صنوف العذاب ما جعل مواطنيه يفرون إلى الشمال ودول الجوار طلبًا للأمن والعيش الكريم.
هذا هو حال جنوب السودان الذي بات مسرحًا لحرب أهلية طاحنة.
عندما تتهم حكومة الجنوب قبيلة المورلي بأنها خطفت 600 طفل من القبائل الأخرى فإن ذلك يعكس حالة الصراع القبلي المحتدم في جنوب السودان فقد صرح المسؤولون في ولاية شرق الاستوائية وكذلك ولاية الاستوائية الوسطى بأن أكثر من 300 طفل قد اختطفوا من قبل رجال القبائل المنتمين للمورلي حسب صحيفة (سيتزن) الصادرة بتاريخ 12/2/2009م. والي الولاية الاستوائية الوسطى كليمنت واني كونجا أدلى بتصريح أمام البرلمان في المجلس التشريعي لجنوب السودان قال فيه إن قرى نيوري، جوندوكورو، موري، توكيمان، كوليبي، لوجو، كيت نجاندجالا، نيرولي، ليريا، بيلونيانج، موجيري، جوبور، قوير، قد تم اختطاف 60 طفلاً من سكانها وأضاف الوالي بأن هذا الأمر قد تكرَّر في ليريا وجيميزا بمحافظة جوبا.
والي شرق الاستوائية اليسيو ايمور من جانبه أكد أن حوالي 270 طفلاً من أبناء قبيلة التبوسا بشرق الاستوائية قد تم اختطافهم من قبل أبناء المورلي مضيفًا بأن أكثر من عشرين آخرين قد اختطفوا من قبل المورلي من مناطق باري ولوبيت كما أن عمليات الاختطاف قد طالت مناطق كودو وخور انجليز التي قُتلت فيها امرأة بالرصاص وانتُزِع منها أطفالها.
رابطة طلاب المورلي رفضت توجيه مثل هذه الاتهامات للقبيلة وطالبت رابطة طلاب المورلي بالجامعات والمعاهد العليا في بيان أصدرته احتجاجًا على اتهام قبيلتهم... طالبوا حكومة الجنوب بعقد مؤتمر عام لكافة أهالى ولاية جونقلي ومقاطعاتها لبسط الأمن والاستقرار وقالوا معلّقين على الاتهامات التي وُجِّهت إلى القبيلة (إن تلك الأحداث لا تعدو أن تكون تصرفات شخصية ولا تمثِّل رأي قبيلة المورلي بصفة عامة) ولم يكتفِ طلاب المورلي بالدفاع عن القبيلة وإنما أدانوا في بيانهم الأحداث التي قامت بها مجموعة مسلَّحة من أبناء دينكا بور بتاريخ 2/2/2009م على منطقة كونشار حيث قاموا بقتل العديد من النساء والأطفال وسلب أبقار قبيلة المورلي كما طالب البيان حكومة الجنوب بالتحقيق وتحريك قضية ضحايا مستشفى بور التي حدثت قبل عامين!!
لا أظن أن القراء قد نسوا الإجابة التي قدمها الفريق سلفاكير رئيس الحركة الشعبية ورئيس حكومة الجنوب قبل نحو عامين على سؤال وجِّه إليه خلال إحدى زياراته لواشنطون فقد قال كير إن ميليشيات المورلي يخطفون أطفال القبائل الأخرى وقد أثار ذلك التصريح حينها ردود فعل عنيفة لدى أبناء قبيلة المورلي في العاصمة وجنوب السودان!!
هذا ما حدث ويحدث بين الدينكا والمورلي لكن هل يذكر القراء الكرام أحداث ملكال التي تمدَّدت إلى مناطق أخرى... تلك الأحداث التي اشتعلت في استاد ملكال حيث أُقيم الاحتفال بمناسبة الذكرى السنوية لتوقيع اتفاقية نيفاشا وحضره كل من رئيس الجمهورية المشير البشير ورئيس الجنوب الفريق سلفاكير؟ لتذكير من نسي أقول إن الأحداث التي قُتل فيها العشرات اشتعلت إثر خلاف بين فِرَق الرقص الشعبي من قبيلتي الدينكا والشلك أيهما يدخل إلى مسرح الاحتفال أولاً، الصراع أخذ بعد ذلك أبعادًا أخرى حيث أُرجع الحادث لخلاف تاريخي حول تبعية مدينة ملكال: أهي للدينكا أم للشلك وقد أصدر أحد أكبر الأحزاب الجنوبية (المؤتمر الوطني الافريقي) بيانًا نُشر في صحيفة (الخرطوم مونتر) وعبَّر البيان عن الحزن العميق الذي شعر به الحزب جراء تحوُّل يوم الفرح بذكرى توقيع اتفاق السلام »9/1/2009« إلى يوم للأسى والحسرة وقال البيان (إنه من غير المعقول أن يتورط الدينكا والشلك الذين ظلوا يعيشون مع بعضهما لقرون عدة وحدث بينهما تداخل اجتماعي...أن يتورطوا في هذه المعركة المجنونة التي أثارها مطالبة كل من القبيلتين أن تكون ملكال التي تعتبر مدينة تستطيع جميع القوميات العيش والإقامة فيها بما في ذلك الدينكا والشلك... أقول مطالبة كل من القبيلتين بأن تكون المدينة مملوكة لها)، وقال البيان (إن الحزب يعتقد أن سوء الفهم هذا بين القبيلتين أو غيرهما قد أشعله بعض السياسيين والمثقفين ضيِّقي الأفق الذين يؤمنون بالقيادة القبلية لا القيادة التي تؤمن بأن جميع القبائل يمكن أن تقود الجنوب؟
من تُراه يُقنع باقان وعرمان بأنه من الأولى لهما أن يُوجِّها جهدهما نحو جنوب السودان وذلك بغرض إقامة حلم (السودان الجديد) في تلك الغابة الموحشة بدلاً من إهدار وقتهما وجهدهما في الشمال؟!