نون الناطقات بملكاتهن .. مع ابنة الشام العاشقة لأهل السودان دكتورة بتول .. حاورها: حسن الجزولي
حسن الجزولي
25 July, 2022
25 July, 2022
نون الناطقات بملكاتهن
مع ابنة الشام العاشقة لأهل السودان
دكتورة بتول:ـ
* أحببت النبق والفول السوداني المسلوق والدكوة!.
* أصبحت أفضل تعبير " وووب علي " بدلا من " ولي على قامتي "!.
* تبادل الطعام والأكل الجماعي في رمضان والاجتماعيات والود من متشابهات الشعبين!.
حاورها: حسن الجزولي
بتول جنيد، سورية درست الطب هناك وتعمل بمستشفياتها، كان انتباهنا إليها دون سابق معرفة عندما نبهني بعض الأصدقاء لمقال نشرته على صفحتها بالفيس، قرأناه لها وكان مقالاً جميلاً ينبض مودة وعشقاً للسودان والسودانيين، وهو ما لفت أنظارنا لها، ليس لأن هذا الأمر يندر بين أبناء سوريا والسودان في محبتهما لبعضهما البعض، حيث تم التعبير عن هذه المحبة بأشكال مختلفة، ولكن لأن المقال يأتي في زمن يحتشد بقضايا تشغل بال السوريين حول شأنهم الداخلي، في ترتيب سبل كسب معيشتهم والانشغال بأمورهم الأخرى المتعلقة بقسوة الحياة الاجتماعية، التي فرضت نفسها على أبناء شعب سوريا، وجعلتهم في شغل شاغل عن ما جبلوا عليه في محبة الشعوب والتعبير عن ذلك بكل أشكال التعبير الانسانية.
فقد كتبت تقول:ـ
" هل أنت سوادنية الأصل؟؟ "
كثيرا ما سمعت هذا السؤال و ضحكت في سري، أعترف أنتي سمراء لكن ليس للحد الذي يخيل للناظر أنني من دول جنوب إفريقيا. لست سودانية لا أنا و لا أمي و لا أبي و لا جدي العاشر و لا جارة خالتي في الحارة القديمة و لا أذكر أنني صادفت أحدا كذلك ، لكنني في كل مجلس كنت أقف لأتصدى لكل التعليقات الساخرة مقصودة أو غير مقصودة و كنت أستبسل في ذلك ، و في كل مرة تساقط المطر فيها كنت أرقص نشوى كما تتراقص حبات الرمال في أزقة الخرطوم و أفرح كفرحة النيل إذا ما زاره ضيف السماء.
هل شممتم رائحة الخرطوم بعد المطر لتفهموا قصدي؟هل ذهبتم إلى المدرسة و أنتم تتنشقون عبق التراب الممزوج بعطية الله، إذن لن تفهموا ما أعنيه!، هل علي أن أخبركم أنني رأيت الجمال هناك كما لم أره هنا، وأن في بناتها السمراوات ما يفوقني و يفوق الكثيرات من البيض بمراحل، هل تتخيلون كيف يمتزج الكحل بالكحل ؟ أو كيف تتألق العيون الكبيرة الحوراء كما يتألق البدر في صفحة السماء؟.
هل رأيتم مئة ضفيرة مغروسة كما باقة زهر في رحاب بستان ؟ هل شاهدتم سواعدهم وهي تزين نقوش الحناء، فالحلي تتزين بهم لا العكس،لم تروا و لو رأيتم لعرفتم ما أقصد، لا أنكر ضيق صدري حين أخبرني اهلي أننا مسافرون إلى هناك، في الشهر الأول من المدرسة كنت أتغيب كثيرا وأنام في الفصل كثيرا فالحرارة المرتفعة كانت كفيلة بذلك، و كنت لا أفهم من الكلمات سوى نذر يسير، و نادمة أنا الآن لأنني لم أعش ذاك الشهر كما الباقي، كنت محط اهتمام في المدرسة ، لم يتوان أحد عن مساعدتي، شهر و بدأت أتقن فنون التعامل ، تعلمت كيف السلام في السودان يكون.
أعفاني الأساتذة من ترديد النشيد الوطني السوداني لكنني أصبحت أردده طوعا و فخرا و أعي كل حرف بين طياته، و أصبحت أفضل قول " وب علي " بدلا من " ولي على قامتي "، صرت أجلس على التراب لأدرس مع صديقاتي، و لسن كالصديقات .. للمرة الأولى أجد من يستطيع أن يفهمني، من لا يحقد و لا يعرف اللؤم و لا الكره.
أصبحت أتغنى بالنيل و أخطط لزيارة ود مدني في الإجازة، و أحتسي الشاي باللبن كل صباح، و أعرف كيف للزلابية من عند " ست الشاي " نكهة أحلى من كل حلويات الأرض، أصبحت أشتري الفولية و عيش الريف بعد المدرسة، و أتحلى بقصب السكر و أنا أدندن " جناي البريدو "، و أغني عند الملل (( حلات بلدي و حلات نيلا ))، تعجب أهلي لتبدل حالي و تعجبت أنا كيف لم أكن على هذا الحال من قبل، كنت مرة في نزهة مع صديقاتي، كنت مندمجة معهن أترغل السودانية و أتفاعل معهن بشغف شديد، أذكر أن مجموعة من الشباب السوري كان واقفاً، و أخبرتني صديقاتي في ما بعد أنهم تهامسوا فيما بينهم " فتاة سورية و الهيئة سودانية "!، يبدو الموقف مثيرا للغضب لكنني شعرت بالفخر عوضا عن أن أغضب، لكن اعذروني لأنني لم أستسغ " الحلو مر " ليس لشيء إلا أنني أؤمن أنه لا يمكن لشيء لديكم أن يكون مرا، كيف للمرء أن ينسى وطنا عاش فيه .. عاش فيه كما عشت أنا بين ربوعه و عرفت تفاصيل حضارته و عاداتها و تقاليدها، كيف لي ألا أبكي و أنا أذكر كيف ودعت أهلي هناك و أستحضر و أحصي الدمع الذي ذرفته و لم أذرف مثله في عمري من قبل، لم و لن تعرفوا و لكم الحق في ذلك،أما الذي أعرفه أنا أن لي بلدا آخر كان فضله علي كبيرا لن أنساه ما عشت دهري .
و الذي لن يعرفه العالم أجمع كيف لتلك الوجوه السمراء أن تحمل قلوبا لا يشوبها سواد، إن كانت السودان قد حرمت من هطلات الثلج ، فذلك لأن الله قد وضع الثلج النقي الأبيض هناك، في اليسار من صدورهم!.
***
هذا ما كتبته هذه الشامية عن بلاد السودان ،، فابحثوا عن أوطانكم تجدوها بين طيات محبة الشعوب الأخرى لكم!.
ليست هي المرة الأولى التي كتب فيها السوريون عن السودانيين، فقبل هذه الطبيبة ابنة سوريا والسودان، فقد عبر عن هذه المحبة للسودان وأهله الشاعر السوري الكبير نزار قباني قبل نحو من سنوات طوال، معبراً عن ما أحس به خلال رحلة أدبية له هناك.
فقد صرح بعد زيارة للسودان عام 1868 لاذاعة مونت كارلو يقول أنه ظل يبكي طوال الليل للحفاوة التي استقبله بها الجمهور السوداني والذين تسلق بعضهم أشجار النخيل ليتمكنوا من سماعه ومشاهدته!، وقال أن ذلك زاد من (مسؤوليته تجاه الشعوب العربية)!.
أما في زيارته الثانية عام 1970 فقد خاطب جمهور الليلة في مقدمة قال فيها عن الشعب السوداني:ـ ( منذ سنتين أتيت إلى السودان حاملاً حقائب الشعر والحب، وبعد أن ودعته وفتحت حقائبي في بيروت اكتشفت ألف عريشة عنب داخل ثيابي، واكتشفت على ضفاف فمي ألف ينبوع ماء وألف سنبلة قمح. حين عدت من السودان منذ سنتين لم يعرفني الناس،كان جسدي قد تحول إلى غابة وكلماتي إلى أغصان وحروفي إلى عصافير. جميع من كلمتهم عن زيارتي الأولى للسودان تصوروا أنكم أطعمتموني عشباً إفريقياً خاصاً وسحرتموني، وأنكم بمياه النيلين الأبيض والأزرق عمّدتموني، وأن كهّانكم بالمسك والزعفران قد مسحوني. والواقع إن شيئاً من هذا قد حدث. والسحر السوداني الذي حاولت أن أنكره في بادئ الأمر بدأ يتفاعل في جسمي وينتشر كبقعة الحبر الكبيرة على وجهي ووجه دفاتري. وهاأنذا أعود مرة ثانية إلى السودان بشراسة مدمن مهزوم الإرادة يعود إلى كبريته وعلبة سجائره، وبشوق مسحور يعود إلى مغارة ساحره.
إنني أعود لآخذ جرعة ثانية من هذا الحب السوداني اللاذع الذي حارت به كتب العرّافين ودكاكين العطارين. إنني أعرف عن الحب كثيراً، سافرت معه وأكلت معه وشربت معه وغرقت معه وانتحرت معه، ونمت عشرين عاماً على ذراعيه، ولكن الحب السوداني قلب جميع مخططاتي عن الحب وأحرق جميع قواميسي. يسمونني في كل مكان شاعر الحب، ولكنني هنا أشعر أنني أسقط في الحب للمرة الأولى، فالسودان بحر من العشق أغرق جميع مراكبي وأسر جميع بحّارتي. العشق السوداني يحاصرني من كل جانب كما يحاصر الكحل العين السوداء فأستسلم له وأبكي على صدره وأعتذر له عن صلفي وغروري) ثم واصل يقول:ـ
(هذا عن العشق فماذا عن الشعر؟ في المرة الماضية اكتشفت أن السودان يسبح في الشعر كما تسبح السمكة في الماء وأن السودان بغير الشعر كيان افتراضي ووجود غير قابل للوجود. ثمة بلاد تعيش على هامش الشعر وتتزين به كديكور خارجي، أما السودان فموجود في داخل الشعر كما السيف موجود في غمده وملتصق ومتغلغل فيه كما السكر متغلغل في شرايين العنقود. صعب على السودان أن ينفصل عن الشعر كما صعب على الشفة أن تنفصل عن إغراء القبلة. إنّ قدره أن يبقى مسافراً نحو الشعر وفي الشعر إلى ما شاء الله). " منقول من النت بتصرف".
هذا ما كتبته هذه الشامية وهذا ما كتبه الشاعر نزار قباني عن بلاد السودان ،، فابحثوا عن أوطانكم تجدوها بين طيات محبة الشعوب الأخرى لكم!.
أنجزنا معها هذا الحوار ضمن سلسلة (نون الناطقات بملكاتهن) وكان ذلك في مارس الماضي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وقد تأخر نشره نحواً نسبة للأحداث السياسية الدراماتيكية التي يشهدها السودان!، وقد وجدنا فرصة الآن لنشر هذا الحوار الذي يهدف للتعريف بإبنة لنا عاشت ردحاً من الزمن بين ظهرانينا ثم عادت تحكي بكل صدق عن السودان وأهله تعريفاً بنا ،، فتعالوا نتعرف عليها بنفس المستوى!.
***
* هل كتبتيه إنابة عن شخص آخر أم تعبرين عن تجربة شخصية؟
= لا هو تجربة شخصية، انا عشت في السودان سابقا قرابة العامين
* ما هي ظروف سفرك للسودان وبقائك فيه لعامين ومتى كان ذلك؟
= كان ذلك في الــ ٢٠١كانت عائلتي مسافرة فسافرت معها بضرورة الاحوال كنت ما ازال في الثانوية
* أين سكنتم؟
= سكنت في الخرطوم في حي السواحلي
* أين هذا الحي بالتحديد؟
= بمنطقة الطائف
* كم كان عمرك وقتها؟
= كنت في أولى ثانوي
* في أي مدرسة انتظمت ولمدة كم من السنوات؟
= لمدة عامين تقريباً، بمدرسة تابعة للمجلس الافريقي اسمها ذات النطاقين
* وهل حضرت أسرتك للسودان لظروف العمل أم لأسباب أخرى؟
= نعم للبحث عن فرص عمل افضل
* ماهو تخصصك الأكاديمي وماذا تعملين حالياً؟.
= انا حاليا طبيبة سأبدأ مرحلة الاختصاص
* في أي مجال؟
= اختصاصي جراحة أطفال
* أين؟
= بمشافي جامعة دمشق
* حدثينا عن أفضل الأماكن الشعبية التي زرتيها في العاصمة؟
= متعددة ،، شارع النيل ،، الساحة الخضراء.
* ،،،،،،،،،!
= ذهبت مرة لمنطقة ريفية على أطراف الخرطوم لا اعرف اسمها،
لكن يوجد هناك النيل الأبيض، ومنطقة المقرن.
* هل زرت أي أماكن أخرى بالعاصمة؟
= زرت ام درمان بالطبع لكن لا اعلم اسماء الاماكن هناك للاسف.
أيضاً السوق العربي والشعبي في الخرطوم من الاماكن الجميلة جداً.
* هل زرت أي مدينة خارج العاصمة؟
= لا للأسف
* وماذا عن الأكلات الشعبية السودانية وما الذي عجبك منها؟.
= أحببت الأكلات التي كنا نشتريها بعد الانصراف من المدرسة!
* زي شنو؟
= النبق والفول السوداني المسلوق وأكواز الذرة وقصب السكر والدكوة.
* من خلال تجربتك في السودان، ما هي المتشابهات في نمط الحياة بين الشعبين السوداني والسوري؟
= موضوع الإلفة مع الجيران منتشر في البلدين، تبادل الطعام في رمضان، التشارك في الأفراح والأتراح مع الآخرين، كلا الشعبين اجتماعي وودود ويحب الاختلاط بالآخرين.
* عرفينا بأسرتك: من أي منطقة في سوريا؟
= نحن من ريف دمش
* وهل انت متزوجة؟
= غير متزوجة
* كم لديك من الأشقاء والشقيقات وما هو وضعهم الاجتماعي؟
= عندي أختين و٣ أخوة.
* ،،،،،،،،،،،!
= عموما نحن عائلة متحابة و محبة للعلم والتعلم
* هل ما تزالين محتفظة بعلاقات صداقة مع زميلاتك السودانيات اللاتي تعرفت بهن؟
= بالطبع ما زلت على تواصل مع معظمهن، وهن اول من سأزوره عند زيارتي للسودان.
* هل راغبة في زيارة السودان مرة أخرى إذا قدمت لك دعوة لزيارته مرة أخرى؟
= حتماً فالموضوع ضمن مخططاتي وأسعى إليه.
* عرفينا بمهنتك: لماذ اخترت الطب تحديداً مع أن ميولك أدبية حسب إنطباعنا من خلال تعبيرك عن نفسك في كتاباتك، خاصة مقالك الجميل عن السودان؟
= كأي طالب متفوق في المدرسة يتجه للفروع المتعارف عليها أنها أعلى كالطب والهندسة، في البداية لم تكن لي رغبة بالطب لكن مع تقدم السنوات بدأت أحبه جدا ولا أتخيل نفسي في مهنة أخرى، الطب والأدب لا يتعارضان وبإمكاني ممارسة كليهما مستقبلاً
* (لا إمام سوى العقل) يبدو أنك منحازة لأبي العلاء المعري بمحبة، درجة أنك انتخبت مقولته الفلسفية هذه في واجهة صفحتك بالفيس!.
= نعم أحب الشعر عموما وأحب المعري خصوصاً.
* يا ترى هل سنراك مستقبلاً طبيبة منتدبة وعاملة بمستشفيات السودان؟
= للأسف وضع الاختصاص في السودان سيء من الناحية المادية كما هو الحال في سوريا أبداً ،، ما أفكر به هو السفر إلى بلد أوروبي! ،، هذا لا يعني أنه و لاحقا إذا استطعت الحصول على عرض جيد في السودان بعد انهاء اختصاصي بالتأكيد سأكون سعيدة بذلك!.
* إذا اعتبرنا ممارسة الطب ولاحقاً تخصصك في طب جراحة الأطفال يعتبر هواية كما عند كثير من الطبيبات والأطباء البارزين في هذه المهنة، لاحظنا إهتمام لك بفنون (الكروشي)!.
= نعم أتخذ ممارسة فنون الكروشية بمثابة هواية محببة لي وأمارسها في أوقات فراغي، بالمناسبة أنا بدأت فترة التحضير لدراسة الماجستير في تخصص جراحة الأطفال ولم أنتهي بعد.
* تمنياتنا لك بحياة ناجحة وبمستقبل سعيد يا دكتورة.
= شكراً لك أستاذ.
ـــــــــــــــــــ
* عن صحيفتي اليوم التالي والميدان.
* لجنة تفكيك التمكين كانت تمثلني وستمثلني لاحقاً أيضاً.
hassanelgizuli45@gmail.com
///////////////////////
مع ابنة الشام العاشقة لأهل السودان
دكتورة بتول:ـ
* أحببت النبق والفول السوداني المسلوق والدكوة!.
* أصبحت أفضل تعبير " وووب علي " بدلا من " ولي على قامتي "!.
* تبادل الطعام والأكل الجماعي في رمضان والاجتماعيات والود من متشابهات الشعبين!.
حاورها: حسن الجزولي
بتول جنيد، سورية درست الطب هناك وتعمل بمستشفياتها، كان انتباهنا إليها دون سابق معرفة عندما نبهني بعض الأصدقاء لمقال نشرته على صفحتها بالفيس، قرأناه لها وكان مقالاً جميلاً ينبض مودة وعشقاً للسودان والسودانيين، وهو ما لفت أنظارنا لها، ليس لأن هذا الأمر يندر بين أبناء سوريا والسودان في محبتهما لبعضهما البعض، حيث تم التعبير عن هذه المحبة بأشكال مختلفة، ولكن لأن المقال يأتي في زمن يحتشد بقضايا تشغل بال السوريين حول شأنهم الداخلي، في ترتيب سبل كسب معيشتهم والانشغال بأمورهم الأخرى المتعلقة بقسوة الحياة الاجتماعية، التي فرضت نفسها على أبناء شعب سوريا، وجعلتهم في شغل شاغل عن ما جبلوا عليه في محبة الشعوب والتعبير عن ذلك بكل أشكال التعبير الانسانية.
فقد كتبت تقول:ـ
" هل أنت سوادنية الأصل؟؟ "
كثيرا ما سمعت هذا السؤال و ضحكت في سري، أعترف أنتي سمراء لكن ليس للحد الذي يخيل للناظر أنني من دول جنوب إفريقيا. لست سودانية لا أنا و لا أمي و لا أبي و لا جدي العاشر و لا جارة خالتي في الحارة القديمة و لا أذكر أنني صادفت أحدا كذلك ، لكنني في كل مجلس كنت أقف لأتصدى لكل التعليقات الساخرة مقصودة أو غير مقصودة و كنت أستبسل في ذلك ، و في كل مرة تساقط المطر فيها كنت أرقص نشوى كما تتراقص حبات الرمال في أزقة الخرطوم و أفرح كفرحة النيل إذا ما زاره ضيف السماء.
هل شممتم رائحة الخرطوم بعد المطر لتفهموا قصدي؟هل ذهبتم إلى المدرسة و أنتم تتنشقون عبق التراب الممزوج بعطية الله، إذن لن تفهموا ما أعنيه!، هل علي أن أخبركم أنني رأيت الجمال هناك كما لم أره هنا، وأن في بناتها السمراوات ما يفوقني و يفوق الكثيرات من البيض بمراحل، هل تتخيلون كيف يمتزج الكحل بالكحل ؟ أو كيف تتألق العيون الكبيرة الحوراء كما يتألق البدر في صفحة السماء؟.
هل رأيتم مئة ضفيرة مغروسة كما باقة زهر في رحاب بستان ؟ هل شاهدتم سواعدهم وهي تزين نقوش الحناء، فالحلي تتزين بهم لا العكس،لم تروا و لو رأيتم لعرفتم ما أقصد، لا أنكر ضيق صدري حين أخبرني اهلي أننا مسافرون إلى هناك، في الشهر الأول من المدرسة كنت أتغيب كثيرا وأنام في الفصل كثيرا فالحرارة المرتفعة كانت كفيلة بذلك، و كنت لا أفهم من الكلمات سوى نذر يسير، و نادمة أنا الآن لأنني لم أعش ذاك الشهر كما الباقي، كنت محط اهتمام في المدرسة ، لم يتوان أحد عن مساعدتي، شهر و بدأت أتقن فنون التعامل ، تعلمت كيف السلام في السودان يكون.
أعفاني الأساتذة من ترديد النشيد الوطني السوداني لكنني أصبحت أردده طوعا و فخرا و أعي كل حرف بين طياته، و أصبحت أفضل قول " وب علي " بدلا من " ولي على قامتي "، صرت أجلس على التراب لأدرس مع صديقاتي، و لسن كالصديقات .. للمرة الأولى أجد من يستطيع أن يفهمني، من لا يحقد و لا يعرف اللؤم و لا الكره.
أصبحت أتغنى بالنيل و أخطط لزيارة ود مدني في الإجازة، و أحتسي الشاي باللبن كل صباح، و أعرف كيف للزلابية من عند " ست الشاي " نكهة أحلى من كل حلويات الأرض، أصبحت أشتري الفولية و عيش الريف بعد المدرسة، و أتحلى بقصب السكر و أنا أدندن " جناي البريدو "، و أغني عند الملل (( حلات بلدي و حلات نيلا ))، تعجب أهلي لتبدل حالي و تعجبت أنا كيف لم أكن على هذا الحال من قبل، كنت مرة في نزهة مع صديقاتي، كنت مندمجة معهن أترغل السودانية و أتفاعل معهن بشغف شديد، أذكر أن مجموعة من الشباب السوري كان واقفاً، و أخبرتني صديقاتي في ما بعد أنهم تهامسوا فيما بينهم " فتاة سورية و الهيئة سودانية "!، يبدو الموقف مثيرا للغضب لكنني شعرت بالفخر عوضا عن أن أغضب، لكن اعذروني لأنني لم أستسغ " الحلو مر " ليس لشيء إلا أنني أؤمن أنه لا يمكن لشيء لديكم أن يكون مرا، كيف للمرء أن ينسى وطنا عاش فيه .. عاش فيه كما عشت أنا بين ربوعه و عرفت تفاصيل حضارته و عاداتها و تقاليدها، كيف لي ألا أبكي و أنا أذكر كيف ودعت أهلي هناك و أستحضر و أحصي الدمع الذي ذرفته و لم أذرف مثله في عمري من قبل، لم و لن تعرفوا و لكم الحق في ذلك،أما الذي أعرفه أنا أن لي بلدا آخر كان فضله علي كبيرا لن أنساه ما عشت دهري .
و الذي لن يعرفه العالم أجمع كيف لتلك الوجوه السمراء أن تحمل قلوبا لا يشوبها سواد، إن كانت السودان قد حرمت من هطلات الثلج ، فذلك لأن الله قد وضع الثلج النقي الأبيض هناك، في اليسار من صدورهم!.
***
هذا ما كتبته هذه الشامية عن بلاد السودان ،، فابحثوا عن أوطانكم تجدوها بين طيات محبة الشعوب الأخرى لكم!.
ليست هي المرة الأولى التي كتب فيها السوريون عن السودانيين، فقبل هذه الطبيبة ابنة سوريا والسودان، فقد عبر عن هذه المحبة للسودان وأهله الشاعر السوري الكبير نزار قباني قبل نحو من سنوات طوال، معبراً عن ما أحس به خلال رحلة أدبية له هناك.
فقد صرح بعد زيارة للسودان عام 1868 لاذاعة مونت كارلو يقول أنه ظل يبكي طوال الليل للحفاوة التي استقبله بها الجمهور السوداني والذين تسلق بعضهم أشجار النخيل ليتمكنوا من سماعه ومشاهدته!، وقال أن ذلك زاد من (مسؤوليته تجاه الشعوب العربية)!.
أما في زيارته الثانية عام 1970 فقد خاطب جمهور الليلة في مقدمة قال فيها عن الشعب السوداني:ـ ( منذ سنتين أتيت إلى السودان حاملاً حقائب الشعر والحب، وبعد أن ودعته وفتحت حقائبي في بيروت اكتشفت ألف عريشة عنب داخل ثيابي، واكتشفت على ضفاف فمي ألف ينبوع ماء وألف سنبلة قمح. حين عدت من السودان منذ سنتين لم يعرفني الناس،كان جسدي قد تحول إلى غابة وكلماتي إلى أغصان وحروفي إلى عصافير. جميع من كلمتهم عن زيارتي الأولى للسودان تصوروا أنكم أطعمتموني عشباً إفريقياً خاصاً وسحرتموني، وأنكم بمياه النيلين الأبيض والأزرق عمّدتموني، وأن كهّانكم بالمسك والزعفران قد مسحوني. والواقع إن شيئاً من هذا قد حدث. والسحر السوداني الذي حاولت أن أنكره في بادئ الأمر بدأ يتفاعل في جسمي وينتشر كبقعة الحبر الكبيرة على وجهي ووجه دفاتري. وهاأنذا أعود مرة ثانية إلى السودان بشراسة مدمن مهزوم الإرادة يعود إلى كبريته وعلبة سجائره، وبشوق مسحور يعود إلى مغارة ساحره.
إنني أعود لآخذ جرعة ثانية من هذا الحب السوداني اللاذع الذي حارت به كتب العرّافين ودكاكين العطارين. إنني أعرف عن الحب كثيراً، سافرت معه وأكلت معه وشربت معه وغرقت معه وانتحرت معه، ونمت عشرين عاماً على ذراعيه، ولكن الحب السوداني قلب جميع مخططاتي عن الحب وأحرق جميع قواميسي. يسمونني في كل مكان شاعر الحب، ولكنني هنا أشعر أنني أسقط في الحب للمرة الأولى، فالسودان بحر من العشق أغرق جميع مراكبي وأسر جميع بحّارتي. العشق السوداني يحاصرني من كل جانب كما يحاصر الكحل العين السوداء فأستسلم له وأبكي على صدره وأعتذر له عن صلفي وغروري) ثم واصل يقول:ـ
(هذا عن العشق فماذا عن الشعر؟ في المرة الماضية اكتشفت أن السودان يسبح في الشعر كما تسبح السمكة في الماء وأن السودان بغير الشعر كيان افتراضي ووجود غير قابل للوجود. ثمة بلاد تعيش على هامش الشعر وتتزين به كديكور خارجي، أما السودان فموجود في داخل الشعر كما السيف موجود في غمده وملتصق ومتغلغل فيه كما السكر متغلغل في شرايين العنقود. صعب على السودان أن ينفصل عن الشعر كما صعب على الشفة أن تنفصل عن إغراء القبلة. إنّ قدره أن يبقى مسافراً نحو الشعر وفي الشعر إلى ما شاء الله). " منقول من النت بتصرف".
هذا ما كتبته هذه الشامية وهذا ما كتبه الشاعر نزار قباني عن بلاد السودان ،، فابحثوا عن أوطانكم تجدوها بين طيات محبة الشعوب الأخرى لكم!.
أنجزنا معها هذا الحوار ضمن سلسلة (نون الناطقات بملكاتهن) وكان ذلك في مارس الماضي بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وقد تأخر نشره نحواً نسبة للأحداث السياسية الدراماتيكية التي يشهدها السودان!، وقد وجدنا فرصة الآن لنشر هذا الحوار الذي يهدف للتعريف بإبنة لنا عاشت ردحاً من الزمن بين ظهرانينا ثم عادت تحكي بكل صدق عن السودان وأهله تعريفاً بنا ،، فتعالوا نتعرف عليها بنفس المستوى!.
***
* هل كتبتيه إنابة عن شخص آخر أم تعبرين عن تجربة شخصية؟
= لا هو تجربة شخصية، انا عشت في السودان سابقا قرابة العامين
* ما هي ظروف سفرك للسودان وبقائك فيه لعامين ومتى كان ذلك؟
= كان ذلك في الــ ٢٠١كانت عائلتي مسافرة فسافرت معها بضرورة الاحوال كنت ما ازال في الثانوية
* أين سكنتم؟
= سكنت في الخرطوم في حي السواحلي
* أين هذا الحي بالتحديد؟
= بمنطقة الطائف
* كم كان عمرك وقتها؟
= كنت في أولى ثانوي
* في أي مدرسة انتظمت ولمدة كم من السنوات؟
= لمدة عامين تقريباً، بمدرسة تابعة للمجلس الافريقي اسمها ذات النطاقين
* وهل حضرت أسرتك للسودان لظروف العمل أم لأسباب أخرى؟
= نعم للبحث عن فرص عمل افضل
* ماهو تخصصك الأكاديمي وماذا تعملين حالياً؟.
= انا حاليا طبيبة سأبدأ مرحلة الاختصاص
* في أي مجال؟
= اختصاصي جراحة أطفال
* أين؟
= بمشافي جامعة دمشق
* حدثينا عن أفضل الأماكن الشعبية التي زرتيها في العاصمة؟
= متعددة ،، شارع النيل ،، الساحة الخضراء.
* ،،،،،،،،،!
= ذهبت مرة لمنطقة ريفية على أطراف الخرطوم لا اعرف اسمها،
لكن يوجد هناك النيل الأبيض، ومنطقة المقرن.
* هل زرت أي أماكن أخرى بالعاصمة؟
= زرت ام درمان بالطبع لكن لا اعلم اسماء الاماكن هناك للاسف.
أيضاً السوق العربي والشعبي في الخرطوم من الاماكن الجميلة جداً.
* هل زرت أي مدينة خارج العاصمة؟
= لا للأسف
* وماذا عن الأكلات الشعبية السودانية وما الذي عجبك منها؟.
= أحببت الأكلات التي كنا نشتريها بعد الانصراف من المدرسة!
* زي شنو؟
= النبق والفول السوداني المسلوق وأكواز الذرة وقصب السكر والدكوة.
* من خلال تجربتك في السودان، ما هي المتشابهات في نمط الحياة بين الشعبين السوداني والسوري؟
= موضوع الإلفة مع الجيران منتشر في البلدين، تبادل الطعام في رمضان، التشارك في الأفراح والأتراح مع الآخرين، كلا الشعبين اجتماعي وودود ويحب الاختلاط بالآخرين.
* عرفينا بأسرتك: من أي منطقة في سوريا؟
= نحن من ريف دمش
* وهل انت متزوجة؟
= غير متزوجة
* كم لديك من الأشقاء والشقيقات وما هو وضعهم الاجتماعي؟
= عندي أختين و٣ أخوة.
* ،،،،،،،،،،،!
= عموما نحن عائلة متحابة و محبة للعلم والتعلم
* هل ما تزالين محتفظة بعلاقات صداقة مع زميلاتك السودانيات اللاتي تعرفت بهن؟
= بالطبع ما زلت على تواصل مع معظمهن، وهن اول من سأزوره عند زيارتي للسودان.
* هل راغبة في زيارة السودان مرة أخرى إذا قدمت لك دعوة لزيارته مرة أخرى؟
= حتماً فالموضوع ضمن مخططاتي وأسعى إليه.
* عرفينا بمهنتك: لماذ اخترت الطب تحديداً مع أن ميولك أدبية حسب إنطباعنا من خلال تعبيرك عن نفسك في كتاباتك، خاصة مقالك الجميل عن السودان؟
= كأي طالب متفوق في المدرسة يتجه للفروع المتعارف عليها أنها أعلى كالطب والهندسة، في البداية لم تكن لي رغبة بالطب لكن مع تقدم السنوات بدأت أحبه جدا ولا أتخيل نفسي في مهنة أخرى، الطب والأدب لا يتعارضان وبإمكاني ممارسة كليهما مستقبلاً
* (لا إمام سوى العقل) يبدو أنك منحازة لأبي العلاء المعري بمحبة، درجة أنك انتخبت مقولته الفلسفية هذه في واجهة صفحتك بالفيس!.
= نعم أحب الشعر عموما وأحب المعري خصوصاً.
* يا ترى هل سنراك مستقبلاً طبيبة منتدبة وعاملة بمستشفيات السودان؟
= للأسف وضع الاختصاص في السودان سيء من الناحية المادية كما هو الحال في سوريا أبداً ،، ما أفكر به هو السفر إلى بلد أوروبي! ،، هذا لا يعني أنه و لاحقا إذا استطعت الحصول على عرض جيد في السودان بعد انهاء اختصاصي بالتأكيد سأكون سعيدة بذلك!.
* إذا اعتبرنا ممارسة الطب ولاحقاً تخصصك في طب جراحة الأطفال يعتبر هواية كما عند كثير من الطبيبات والأطباء البارزين في هذه المهنة، لاحظنا إهتمام لك بفنون (الكروشي)!.
= نعم أتخذ ممارسة فنون الكروشية بمثابة هواية محببة لي وأمارسها في أوقات فراغي، بالمناسبة أنا بدأت فترة التحضير لدراسة الماجستير في تخصص جراحة الأطفال ولم أنتهي بعد.
* تمنياتنا لك بحياة ناجحة وبمستقبل سعيد يا دكتورة.
= شكراً لك أستاذ.
ـــــــــــــــــــ
* عن صحيفتي اليوم التالي والميدان.
* لجنة تفكيك التمكين كانت تمثلني وستمثلني لاحقاً أيضاً.
hassanelgizuli45@gmail.com
///////////////////////