نيفاشا تتقدم … بقلم: عادل الباز

 


 

عادل الباز
22 October, 2009

 


 

أمس الأول بدأت الأوساط الجنوبية مرتاحة للاتفاق الذي تم التوصل إليه، لأنه مثّل مخرجا لأزمة قانون الاستفتاء. وكان رياك مشار صاحب إنجاز الاتفاق منشرحا وهو يشرح للصحفيين المعادلة التي تم التوصل إليها. ولكن صحف الأمس حملت لغطا كثيرا حول تفاصيل ماجرى الاتفاق حوله. السبب في رأيي أن جوهر الخلاف كان غائبا عن القوى السياسية، ولذا سارعت بتبنّي رؤية الحركة في إعلان جوبا، كما لم تنتبه الصحافة وهي تخوض في تصريحات المسئولين لجوهر الخلاف، ولذا صدرت صحف الأمس تحمل عناوين مُربكة للقارئ. فعَل التلفزيون حسنا باستضافته للأستاذ علي عثمان ليوضّح تفاصيل ما تمّ الاتفاق عليه.

جوهر الخلاف حول قانون الاستفتاء كان حول نقطتين: الأولى تتعلق بحق الجنوبيين في التصويت إينما وُجدوا، والثانية تتعلق بالنسبة التي تسمح بالانفصال. الخلاف حول أحقية الجنوبيين في المشاركة في الاستفتاء تم تجاوزه منذ أمد بعيد، وتبقت نقطة واحدة شائكة، وهي ماجرى الاتفاق حولها. الخلاف في هذه النقطة كان يبدو أنه على نسبة المصوّتين، فبينما يعلن المؤتمر الوطني أنه تمسك بنسبة 75% من أصوات الجنوبيين، تؤكد الحركة أن نسبتها المفضلة هي “50% زائد واحد”. ولكن من أي شيء سيتم حساب الـ 50% في المائة هذه؟. الحركة كانت تتمسك بأن هذه النسبة من الذين سجلوا في الاستفتاء. بشكل أوضح تقترح الحركة أن تؤخذ هذه النسبة من أي عدد مسجل ومشارك في الاستفتاء، فمثلا إذا سجل مليون جنوبي فقط للاستفتاء، وصوّت منهم خمسمائة شخص زائد واحد لصالح الانفصال، فإن هذه النسبة تعطي الجنوب حق الانفصال، أي يمكن فصل الجنوب بتصويت خمسمائة ألف شخص فقط!!

الذي جرى الاتفاق حوله الآن هو فتح سجل للاستفتاء قبل ستة أشهر من بدايته، ويسجل الجنوبيون المؤهلون للاقتراع في هذا السجل. في يوم الاقتراع لابد من مشاركة الثلثين، ومن هؤلاء الثلثين إذا صوّت 50% زائد واحد لصالح الانفصال أو الوحدة تصبح النتيجة ملزمة. قال الأستاذ علي عثمان في حواره مع التلفزيون بالأمس إن السجل الذي سيفتح لا علاقة له بالإحصاء ولا الانتخابات.

 من النقاط المهمة التي أشار إليها السيد النائب أمس هي أن ماجرى الحوار حوله في مسألة قانون الاستتفتاء هي قضايا إجرائية، في حين تجنب الجميع مناقشة قضايا ما بعد الانفصال، وهي قضايا حقيقية وشائكة ومعقدة، واعتبر الاستاذ علي عثمان عدم التطرق لقضايا ما بعد الانفصال يشير الى أن الوحدة راجحة، وهو محق في ذلك. عموما روح اللغة التي تحدث بها السيد النائب في لقاء الأمس كانت رائعة ومسئولة وواثقة من المستقبل، وما أحوجنا لسياسيين يهبون الشعب أملا في مستقبله عوضا هذا (النبيح) المستمر، واليأس المقيم.

تجاوز عقبات قانون الاستفتاء دالة مبشرة على توفر إرادة وطنية في الشمال والجنوب، قادرة على تجاوز أخطر المطبات السياسية. لو مضينا بذات الإرادة لحُسمت بقايا الملفات العالقة، سنكون قد أنجزنا أخطر تحول باتجاه الاستقرار والسلام، أيا كانت نتيجة الاستفتاء، ولتجاوزنا حالة الضهبان التي تعترينا.

الآن بإمكاننا المضي باتجاه التحول الديمقراطي بخطىً أسرع، إذ لاشيء أخطر من الاتفاق على قانون يمكن أن يقود لتقسيم البلد، فما دام قانون الاستفتاء قد أُجيز فلا قانون آخر مهما كانت تعقيداته سيكون بذات الخطر. يمكن للحركة السياسية أن تبدأ فعلها اليوم انطلاقا من الأجواء التي سيوفرها اتفاق الاستفتاء، إذ أن جزءاً من انكماش القوى السياسية، أجواء التوتر التي تسود الساحة بفعل صراع الشريكين. الآن وقد تحصل الجنوبيون على اتفاق جيد في أهم بنود نيفاشا فإن (شعرة جلدهم) لابد أن تكون رقدت، وتبخّرت حكاية خيانة العهود التي تؤرقهم، وسيساهم ذلك في خفض معدلات التوتر بين الشريكين، مما سيفتح الباب واسعا للمضي في إنجاز التحول الديمقراطي الذي هو أساس من الأُسس المتينة لنيفاشا.

 

آراء