الحلقة الأولى: هاني رسلان في حوار الإفادات الساخنة 1-2 الجنوب ليس مسيحيا بل النخب الحاكمة فقط .. والعروبة ليست تهمة!! على الجنوب تحقيق مصالح مواطنيه بدلا عن الانغماس في علاقة مع إسرائيل لن يجني منها سوى الخراب لم يعد أحد يصدق أقوال الترابي و(...) هذه هي صوره المختلفة تقرير المصير (جالب البلاء) هو اختيار القوى السياسية السودانية.. ومصر لم تكن أول من طرح الكونفدرالية ! الجنوب ليس من مصلحته التأثير سلباً على كمية المياه المتدفقة إلى شمال السودان ومصر أجرت الحوار: نادية عثمان مختار nadiaosmanmukhtar@yahoo.com (في الحالتين أنا الضائع) كما تقول كلمات الأغنية السودانية الشهيرة.. هذا هو حال النخبة السياسية والمثقفة المصرية في التعاطي مع الملف السوداني فإن تحدثوا وتبحّروا ونظّروا واقترحوا الحلول خرج عليهم من النخبة السودانية أو أحد أفراد الشعب من العامة ممن هو رافض، و( متهجس) من تدخلهم بحسبان أنه نوع من الوصاية المرفوضة وهيمنة الشقيق الأكبر و( ملوكية أكثر من الملك) ! وإن سكتت أصواتهم ولم يبدوا أي تفاعل مع القضية السودانية اتهموا بالتعالي و( الطناش) لواحد من أهم الملفات الساخنة في أفريقيا والوطن العربي ألا وهو السودان ! وبين هذه المطرقة وذلك السندان توجهت ( الأخبار) بسيل من الأسئلة الصريحة والاتهامات المباشرة للأستاذ هاني رسلان وهو واحد من النخبة السياسية والمثقفة في مصر ممن تفرغوا لملف القضية السودانية منذ الثمانينات حتى وصل لمنصب رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، بأحد أهم المراكز البحثية الحيوية في الوطن العربي ألا وهو مركز الأهرام . وقد لاقى الرجل ما لاقى من اتهامات تصل حد التجريح والتشكيك في أخلاقياته أحيانا بحسبان أنه (يقبض) الدولارات من الحزب الحاكم في السودان كمكافأة على خدمات جليلة يؤديها لحكومة السودان ! وقيل إنه (ضابط في المخابرات المصرية) يتدثر بعباءة الباحث والخبير الاستراتيجي لشيء في نفس المخابرات المصرية ضد السودان وشعبه!! وعلى كل حال اتفق الناس أو اختلفوا حول هاني رسلان وطبيعة مهمته كباحث وخبير في الشئون السودانية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام، يبقى أن للرجل وزنه ولمقالاته وكتاباته عن السودان قارئيها والمهمتين بها بحسبان أنها تحمل رأيا وتحليلا عميقا ومؤثرا فيما يتعلق والمسألة السودانية والعلاقة الثنائية بين مصر والسودان ! فماذا قال رسلان ردا على أسئلة ( الأخبار) حول العديد من القضايا الهامة وكيف كانت إفاداته الساخنة هذا ما ستطالعونه في سياق الحلقة الأولى والثانية من الحوار فتابعوه: دعنا نبدأ معك فيما يتعلق بموقف مصر من انفصال الجنوب قلت في تصريحات سابقة ( مصر لن تكون ملكية أكثر من الملك) فإذا كان أغلبية الشمال يريد الوحدة ومعظم الجنوب يريد الانفصال فمن هو ( الملك) الذي تعنيه بكلامك ؟؟ هذا الكلام قلته في سياق الحديث عن موقف مصر من قضية حق تقرير المصير، حيث كان لمصر موقف تاريخي ثابت يتحفظ على حق تقرير المصير كمدخل لحل مشكلة الجنوب.. ذلك لأن مصر كانت تدرك التداعيات التي سوف تترتب على ذلك، وقد أثبتت التطورات صحة الموقف المصري. ولكن حين تم التوقيع في مشاكوس، وأصبح ذلك أمرا واقعا وملزما، وبموافقة وعدم اعتراض أو تململ من كل القوى السياسية السودانية، حدث نوع من التحول في السياسة المصرية نحو العمل على جعل الوحدة جاذبة للجنوبيين. غير أن الموقف المصري تجاه قضية الوحدة نفسها كمفهوم ومبدأ لم يتغير، إذ ظلت مصر في كل المراحل وحتى الآن تؤيد الحفاظ على الوحدة في السودان دون أي تذبذب أو تململ، كما نجد في الموقف الليبي على سبيل المثال. فُسر معنى كلامك وكأنك تقول ( وإحنا مالنا يعملوا العايزنو وما يهمناش هما أحرار) فهل هذا ما عنيته ؟ السياسة المصرية لم تتحرك تجاه السودان بهذا الطريقة على الإطلاق، فمعنى هذا أن يكون هناك إهمال أو عدم اهتمام بما يحدث من مجريات وتطورات في السودان ، وهذا غير جائز وغير وارد بالنسبة لمصر وإلا فإن هذا يعنى تفريط في كل القضايا والمصالح المشتركة والمصيرية. ولكن مصر لا تستطيع ولا ينبغي أن تدفع أحدا أو تجبر أحدا على فعل ما يخالف سياساته أو قناعاته، وحق تقرير المصير الذي يجلب كل البلاء الحاصل الآن هو اختيار للقوى السياسية السودانية، ومصر احترمت هذا ثم حاولت ومازالت تقديم المساعدة والمساندة في احتواء التداعيات. رغم أنها كانت تدعو طوال الوقت إلى حل أزمة الجنوب وأي أزمات أخرى على أساس إعمال قاعدة المواطنة والمساواة التامة دون أي تمييز.. ولكن هذا ضاع ولم ُيقبل، ولم يتم الالتفات إليه وسط الصراع بين الأجندات والرؤى المحدودة . مصر لا تريد أن تخسر الشمال وتطمع في وصال مع الدولة الآتية في الجنوب، وكله من أجل مصالحها فأمسكت بالعصا من النصف وأصبحت مواقفها باهتة وضبابية تجاه الشمال والجنوب معا لا طعم ولا لون ولا رائحة ما هو ردك ؟؟ مثل هذا القول فيه ظلم كبير لمصر، وقد سمعته كثيرا في مواضع مختلفة ومن بينها حوارات داخل مؤسسات سودانية ذات مستوى رفيع. ولكن يجب علينا جميعا أن نعلم أن قاعدة التعامل الأساسية في العلاقات الدولية هي المصلحة.. وكما نعرف فإن مصر والسودان رغم أنهما بلدان شقيقان إلا أن كل منهما دولة مستقلة، وهذا مفهوم أساسي يجب أن ننطلق منه. وطبقا لهذا الوضع فإن كل دولة يجب عليها أن تسعى إلى تعزيز وتعظيم مصالح شعبها ومواطنيها. ولكن العجيب انك تسمع في السودان أن مصر تبحث عن مصالحها وكأن هذا نوع من العيب الذي يستوجب المعايرة، فإذا لم تبحث مصر عن مصالح مواطنيها فإن القيادة تكون مقصرة في حق شعبها، وفي المقابل على السودان أيضا أن يقوم بتحديد وتعريف مصالحة بدقه ويسعى إلى تعظيمها. وما الذي جعلك تسمع مثل هذا القول في المؤسسات السودانية في رأيك إن لم يكن حقيقة ؟؟ من الأشياء المثيرة للاهتمام أن أي تحرك مصري تجاه السودان قد يقابل بنوع من الشك باعتباره تعبيرا عن سلوك مصري يسعى للهيمنة أو يتعامل بمنطق الشقيق الأكبر، وفي الوقت نفسه تسود مقولة إن الدور المصري ضعيف وباهت وأنه كان يجب على مصر أن تفعل كذا وكذا.. وكأن مصر هي المسئولة عن تحقيق أهداف أو أوضاع معينه مثل قضية الوحدة.. هذا في الحقيقة يعكس نوعا من الارتباك في الإدراك السوداني لمصر وطبيعة العلاقة معها وكيفية تحديد هذه العلاقة. وكيف يمكن تغيير هذه النظرة ؟ إن ما يجب التأكيد عليه بقوة أن مصر والسودان توجد بينهما مصالح مشتركة ذات طابع استراتيجي في المجالين الأمنى والاقتصادي، وعلى الجانبين تحديد تلك المصالح بدقة والتحاور والتفاهم حول سبل تحقيقها واستنزالها على أرض الواقع من أجل صالح الشعبين. ومن اللافت أن هذه المصالح المشتركة لا تعبر عن حقائق يتم التعامل معها بشكل جاف وحسب، بل هي محاطة بعمق ثقافي واجتماعي وتاريخي ممتد عبر التاريخ خلق بالفعل نوعا من الانتماء المشترك الذي يتجلى في مشاهد كثيرة. وهو ما يجعل انطلاق التعاون أكثر يسرا وسلاسة بخلاف تجربة الاتحاد الأوروبي مثلا التي ضمت أمما وشعوبا بينها صراعات مريرة وثقافات مختلفة. وفي هذا السياق نجد أن مصر لها موقف ثابت من أهمية الحفاظ على وحدة السودان، وإذا لم يعد ذلك متاحا فيجب الحفاظ على علاقة تعاونية بين الشمال والجنوب لدعم الأمن والاستقرار وسد أبواب جهنم التي سوف تترتب على العلاقة الصراعية بين الجانبين، والتي سوف تشعلها أجندات خارجية معروفه وواضحة مثل الشمس. وهذا الأمر في مصلحة شمال السودان بالدرجة الأولى ويتوافق أيضا مع مصالح مصر. وفي السياق نفسه مصر ليس لديها سبب للعداء أو الصراع مع الجنوب، بل لها مصالح يجب الحفاظ عليها، وحتى لو لم تكن هناك مصالح لا أجد مبررا للعداء من الأصل.. فهذا منطق غير مفهوم. وأنا لا أجد عيبا في السياسة المصرية الحالية بل هي سياسة رشيدة وتقوم على أسس واضحة وايجابية. وأتصور أن هناك فرصة سانحة الآن لحوارات معمقة من أجل استشراف واستكشاف علاقة شراكة إستراتيجية متوازنة ومتبادلة مع مصر على أسس أمنية واقتصادية يتفق عليها الطرفان في ضوء المستجدات والمهددات الحالية، وتكون ترياقا لكل التداعيات المتوقعة. . هذا خيار يجب على الأشقاء في السودان التأمل فيه بروية وهدوء وتعمق، ويجب أن يكون محل حوارات موسعه وجادة، وتشمل مختلف القوى الفاعلة، لاستكشاف كل الصيغ التي تلبي مصالح مصر والسودان بتوازن واعتدال، مع الحفاظ على الخصوصيات السياسية والثقافية والمجتمعية لكل طرف. مصر اقترحت الكونفدرالية خيارا وسطا لحل مشكلة الجنوب والشمال ورفض الشمال والجنوب مقترحها مع جملة مقترحات أخرى ألا يعطي ذلك مؤشرا بضعف التأثير المصري في السودان حاليا ؟ الحديث عن القوة والضعف للدور المصري، يرتبط بصورة قديمة تنطلق من التصور بان هناك سياسة تدخلية تسعى لفرض أوضاع معينه. والمتابع للسياسة المصرية يمكنه أن يلاحظ أنها لا تتبع هذا النهج وإنما تسعى للحوار والتفاهم وبناء الوفاق، ومن ثم فالطرح المصري كان عنوانا عريضا لما تسعى إليه مصر من إعطاء الأولوية للتعاون وحل الخلافات، وقد سبقته جهود عديدة وجولات للحوار وتواصل مستمر. ولا بأس إذا وجد الطرفان أنه من المتعذر الأخذ بهذا المقترح في الوقت الحالي.. فمبدأ التعاون هو الأهم ويمكن البحث في صور أو تعبيرات أخرى لهذا التعاون. هل تعتقد أن العلاقة بينكم ودولة الجنوب القادمة ستكون علاقة طيبة رغم تخوفكم من التدخل الإسرائيلي هناك وأنتم تخافون على مصالحكم خاصة المياه ؟؟ ليس هناك مصلحة للجنوبيين في معاداة مصر أو اتخاذ مواقف مضادة لها، حيث أن مصر علاقاتها وسياستها تجاه الجنوب كانت ودية وتعاونية في كل المراحل، كما أنه لا يوجد تناقض في المصالح. ولكن إذا اندلع الصراع بين الجنوب والشمال فإنني اعتقد أن الجنوبيين سيكونون في هذه الحالة واقعين تحت تأثير التدخلات الخارجية الساعية إلى تفتيت شمال السودان وإلى استهداف مصر في النهاية. والجنوب سيكون غير قادر أصلا على تجاوز ما تبتغيه الأجندات الخارجية. هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى سوف يغلب على فهم الجنوبيين أن مصر لا تعاديهم، ولكنها في نهاية المطاف دولة عربية تربطها مع شمال السودان أواصر ومصالح بالغة العمق، لا يمكن التخلي عنها أو التفريط فيها، ومن ثم فان الحفاظ على علاقات جيدة وودية مع مصر سيكون أقل جاذبية من العلاقة مع أطراف أخرى تقدم للجنوب ما يتطابق مؤقتا مع متطلباته العاجلة في هزيمة وتفتيت الشمال. لذا ينبغي على السياسة المصرية أن تتحسب لمثل هذه التعقيدات. وماذا عن حصة مياهكم التي تأتي من الجنوب حال الانفصال وأنت أحد المعنيين بملف المياه هذا ؟؟ الجنوب ليس من مصلحته التأثير سلبا على كمية المياه المتدفقة حاليا إلى شمال السودان وبعد ذلك إلى مصر، ولكن المشروعات التي كانت مخططة، مثل قناة جونقلي وغيرها من المشروعات التي توجد لها دراسات جاهزة في أحواض مشار وبحر الغزال والتي يمكن أن توفر ما بين 20 إلى 30 مليار متر مكعب إضافية من المياه، سوف يتوقف تنفيذها بطبيعة الحال على التطورات المستقبلية، ولا شك أن الجنوب يعي أهمية هذه الورقة وسوف يسعى لاستخدامها في المساومة أو فرض الضغوط. هناك أيضا عنصر آخر يتمثل في الموقف السياسي الذي سوف تتخذه دولة الجنوب من الأزمة الحالية في حوض النيل، فالموقف الجنوبي قد يتخذ موقف الحياد الذي قد يصب في النهاية في محاولة احتواء التوتر الحالي، أو يتخذ موقفا مؤيدا لمجموعة عنتيبي، ومن ثم يؤدى إلى زيادة الاستقطاب. هذه كلها قضايا مهمة تستدعي عدم التعجل في التناول أو استباق الأحداث. أنت واحد من الذين يؤكدون سيطرة إسرائيل على الجنوب حال انفصاله، وتخشى على مصالح مصر وأمنها القومي إثر ذلك التدخل، فما هي السيناريوهات المتوقعة بعد الانفصال ؟ هذه القضية كثر فيها الحديث واللغط، لاسيما مع تكاثر الإشارات المتصلة بها بشكل أو بآخر، في حين أنها مسألة بديهية لمن يتابع الإستراتيجية الإسرائيلية، ويتابع تطورات مسألة الجنوب. وهذا الخطر حقيقي وأصبح يدق الأبواب بقوة، والبعض يتناوله بسطحية والبعض الآخر يتحدث بحجج تتسم بالجهل مثل أن مصر لديها تمثيل دبلوماسي مع إسرائيل. وهذا القول لا يُرد عليه، لأن من يرددونه مجرد صبية لا يدركون المعطيات والتعقيدات القائمة في سياسات المنطقة وتشابكاتها. واذكر أنني أشرت في وقت سابق عما نشره موقع إسرائيلي عن المخطط القائم لتفتيت السودان إلى ثلاث دول، فقامت قيامة بعض ذوي العاهات، ممن خرست ألسنتهم الآن، بعد أن صار كل شيء يجري بشكل علني. ولكنى أقول إجمالا إن الإخوة في جنوب السودان عليهم عدم الاندفاع وراء سراب هذه العلاقة التي سوف تضر الجنوب في محصلتها النهائية، وذلك بسبب طبيعة إسرائيل ومشروعها من ناحية، وبسبب أن ذلك سوف يُدخل الجنوب في تعقيدات هو في غنى عنها، إذ أنه في حالة وقوع الانفصال فيجب عليهم الانصراف لتحقيق مصالح مواطنيهم الحقيقية بدلا من الانغماس في علاقة لن تجر عليهم سوى الخراب. وأشير هنا إلى مقالين بديعين ورائعين للكاتب السوداني الكبير الدكتور عبد الله علي إبراهيم، أحدهما نشر في "الجزيرة نت" والثاني في جريدة الأحداث. والجميع مدعوون للتأمل في طريقته في تناول هذه القضية وتفكيكها وما خلص إليه من نتائج بأفق إنساني منفتح وغير متعصب، ويضع المسألة كلها في إطارها الصحيح.
أنت في نظر بعض النخبة المثقفة الجنوبية ( عروبي إسلامي) تتعامل بفوقية مع الجنوبي المسيحي وحتى معظم صداقاتك في الشمال ولا صديق لك من الجنوب فهل هذا صحيح ؟ الجنوب ليس مسيحيا بل النخب الحاكمة فقط، وهذه فرية تم افتراؤها ثم بدأ التعامل معها وكأنها حقيقة.. وأما قصة العروبة.. فهذه ليست تهمة يجب الفرار منها.. فهذه هويتنا وثقافتنا، ولكنى لست عنصريا ولا فوقيا ولا منغلقا، بل اؤمن باحترام آدمية الإنسان وثقافته وحقه في الحياة والكرامة. وكذلك المساواة التامة بين كل الناس في إطار دولة المواطنة دون أدنى تمييز أو استعلاء كاذب و أؤمن من أعماقي بان (أكرمكم عند الله اتقاكم)، بمعنى الخيرية الذي يشتمله مفهوم التقوى.. إن الاستعلاء على الآخرين بسبب الدين أو العرق أو الثقافة يمثل عملا رخيصا ومقيتا لا يليق بآدمية الإنسان.. ومن ناحية أخرى فالعرب هم في الحقيقة من يعانون الويلات والاعتداءات الوحشية من آخرين كما نشاهد في العراق وفلسطين.. والمسلمون عامة يعانون من الهجمة الغربية عليهم. ولذا يجب علينا ألا نساهم في مثل هذا السلوك الذي نعاني منه وندينه. المتابع يستشعر أن مصر والشيخ الترابي شريطي قطار لا يلتقيان ومن يقرأ تصريحات الترابي ضد مصر والعكس يظن أن الذي بينكم وبينه ثأر ودم فماذا ترى؟؟ لا أتصور أن مصر لديها مشكلة مع الترابي أو مع غيره من القوى السياسية السودانية، والدليل على ذلك أنه تم استقباله في مصر بدعوة من الحزب الوطني الحاكم في عام 1987 وكانت هذه زيارة ناجحة أستقبل فيها بحفاوة، وأتيحت له الفرصة للتفاعل مع كل الاتجاهات السياسية والمؤسسات البحثية والفكرية، وهى الزيارة التي مافتئ الترابي يشير إليها في بعض أحاديثه الصحفية، ويستند من خلالها إلى أنه لم يجد أو يلمس خلالها أن هناك قطاعات في الشعب المصري تعاديه، وهذا صحيح، ولكن كان هذا هو الترابي في نسخته أيام نشأة الجبهة القومية الإسلامية وحديث الانفتاح والتجديد والديمقراطية الذي كان ينادي به، ولكن كان هناك ترابي آخر في التسعينيات.. كان في كل تحركاته السياسية يعتبر مصر خصما، ويقف منها موقف المكايدة والعداء ووصل به الأمر إلى حد التلويح بقطع مياه النيل في منتصف التسعينيات إثر محاولة الاغتيال الشهيرة في أديس أبابا، وصرح لإذاعة لندن حينها " يجب ألا ينسى من هم في الشمال أن مياه النيل تمر إليهم من السودان " رغم أنه وهو الرجل المفكر والعالم يعرف أنه ليس في مقدوره أن يفعل هذا، ولكنه لم يرعوي عن التهديد كنوع من التوغل في الخصومة. وفي قمة نفوذ الترابي في التسعينيات شهدت العلاقات المصرية السودانية أسوأ مراحلها قاطبة منذ استقلال السودان. وفي مرحلة تالية كان لدينا ترابي ثالث ظهر بأفكار وبنمط سلوكي مختلف بعد خروجه من السلطة. ولم يعد أحد يعرف ما هو الظاهر وما هو الباطن فيما يقول ويفعل، وبمعنى أدق لم يعد ممكنا لأي أحد أن يصدق ما يقوله الترابي حيث يجب تقليب ما يقول على كل الأوجه، والتأمل فيه لمحاولة فهم ماذا يقصد وإلى ماذا يهدف، وبعد ذلك يظل الأمر محل شك.