هجوم انتحاري على مصلحة الضرائب!

 


 

 

لعل اختراع الضرائب وجبايتها من المواطنين بالتي هي أحسن أو بالتي هي أسوأ يعود إلى أقدم العصور إذ يعتقد المؤرخون الاقتصاديون أن فكرة فرض الضرائب وتحصيلها قد نشأت في عهود الحروب البشرية القديمة التي كانت تنشب باستمرار بين الحكومات المتصارعة ومن ثم فإن الحاجة الماسة لإطعام وتسليح الجيوش القديمة التي لا عمل لها سوى القتال هي التي ولدت فكرة الضرائب المثيرة للجدل ولأن تاريخ الشعوب كلها مليء بالحروب والمعارك فمن الصعب إن لم يكن من المستحيل معرفة أول حاكم فكر في فرض الضرائب وجبايتها أو أول شعب فُرضت عليه الضرائب التي احتار الناس في أصل تسميتها وهل هي مشتقة من الضرب أم الضراب علماً بأن كليهما فعلان لا ينذران إلا بشر مستطير!

أما التاريخ الحديث للضرائب ، فقد بدأ في انجلترا في عام 1874 حيث فُرضت ضريبة الدخل على الأغنياء فقط وحذت الولايات المتحدة الأمريكية حذو انجلترا ففرضت ضريبة الدخل على الأغنياء في عام 1913 ، ومن ثم انتشرت فكرة الضرائب في كل بلاد العالم، ومع أن الضرائب قد فُرضت أصلاً على الأغنياء إلا أن الحكومات التي اصابها السعر الضريبي قد لجأت إلى فرضها على الطبقات الوسطى ثم الطبقات الفقيرة ، وفي نهاية المطاف وبعد اختفاء الطبقات الوسطى بسبب الأزمات المالية الإقليمية والدولية المتعاقبة، أصبح الفقراء فقط هم الذين يتحملون أثقل الأعباء الضريبية أما الأغنياء فمعظمهم خبراء في التهرب الضريبي ويستغلون الثغرات القانونية والملاذات الدولية الآمنة الخالية من الضرائب لتكديس أموالهم وحمايتها من الاستقطاعات الحكومية والاستحقاقات الاجتماعية كما أن الأغنياء يستغلون ميزة إنشاء الشركات ذات المسؤولية المحدودة التي لديها شخصيات اعتبارية منفصلة عن شخصيات ملاكها وذمم مالية منفصلة عن ذمم ملاكها ومن ثم يحصلون على إعفاءات ضريبية بإسم تشجيع الاستثمار أما الفقراء فهم الذين يدفعون مئات الأنواع من الضرائب الخفية والمعلنة والتي يعجز الشيطان الرجيم نفسه عن حصر أسمائها وأنواعها مثل ضرائب الدخل ، ضرائب المبيعات ، ضرائب القيمة المضافة ، ضرائب الدخول ، ضرائب المغادرة ، ضرائب العبور وهلمجرا!

ومع أن الهدف المفترض من فرض وتحصيل الضرائب في الدولة الحديثة هو تقديم الخدمات العامة كالكهرباء والماء والاتصالات ودعم قطاع التعليم وقطاع الصحة وقطاع البنية التحية كالطرق والكباري إلا أن العجب العجاب هو أن بعض الحكومات التي خصخصت وباعت كل هذه القطاعات والبنيات الأساسية العامة للشركات الأجنبية وشركات القطاع الخاص تتمادي في سحق الفقراء عبر اختراع المزيد من المسميات الضريبية وتحصيلها بطرق خفية لا يشعر بها المضروبون ضريبياً مثل الخصم من الرواتب قبل صرفها وزيادة أسعار السلع ورسوم الخدمات!

ولعل أبرز مثال على استفحال وطأة الضرائب في العصر الحديث هو ذلك الهجوم الذي وقع صباح الخميس الماضي الموافق 18/2/2010 على مبنى مصلحة الضرائب في مدينة اوستين بولاية تكساس الأمريكية حيث استخدم مواطن أمريكي يُدعى جوزف اندرو ستاك نفس اسلوب هجمات الحادي عشر من سبتمبر حين اقتحم بطائرته الصغيرة مبنى مصلحة الضرائب بمدينة اوستين وقد قُتل ذلك المهاجم على الفور في ذلك الهجوم الانتحاري العنيف الذي أحدث حريقاً هائلاً بالمبنى وأوقع عدد من الإصابات وسط عدد من موظفي الضرائب أما الوصية الأخيرة التي تركها ذلك المهاجم الانتحاري الأمريكي على الانترنت بعد أن قام بحرق منزله حتى لا تستفيد منه مصلحة الضرائب فهي أن مصلحة الضرائب قد حولت حياته إلى جحيم لا يُطاق وأن فكرة ضرب الضرائب نفسها كانت هي الحل الأخير الذي اقتنع به ، فمتى تقتنع إدارات الضرائب أن مهمة مصلحة الضرائب الأساسية ليست هي ضرب الفقراء وإنما هي أخذ النذر اليسير من أموال الأغنياء لكي تحسن بها حياة الفقراء؟! وهل تعلمت إدارات الضرائب في كل دول العالم درس ضرب الضرائب الأمريكية أما أنها ما زالت تحتاج إلى ضربات أكبر من ذلك حتى تثوب إلى رشدها المالي؟!

فيصل علي سليمان الدابي/المحامي/الدوحة/قطر

fsuliman1@gmail.com

 

آراء