(61) تسألنا في خاتمة الجزء السادس من هذا المقال؛ عن الكيفية التي يمكن ان يخرج بها السودان من ازمته الراهن؛ في وجود سلطة انتقالية مكونة من شق مدني ضعيف ومرتهن لشقها العسكري؛ غير المعني بأهداف وطموحات ثورة 19 ديسمبر المجيدة؛ بل يعمل ضد توجهاتها ولا يخفي ذلك. من الضروري في بداية الأمر الإقرار بأن تحالف قوى الحرية والتغيير؛ لم يعد يعبر عن أهداف قوى الثورة الحقيقية؛ مما يجعل أمر عودة من انسحب من مكوناته؛ دون اتخاذ إجراءات حقيقية لبث الروح في البرنامج المتفق والموقع عليه؛ ضرب من المستحيل؛ ودعوة غير منطقية؛ فاختلاف الأهداف قبل وبعد انتصار الثورة؛ وبروز عامل المصلحة الحزبية؛ والطموحات الشخصية؛ قد نسف قاعدة التحالف والالتقاء من جديد. لقد انسحب من انسحب؛ لأنه أحس بأن توجهات وسياسات التحالف باتت تتناقض؛ ليس فقط مع توجهاته التنظيمية؛ بل حتى مع المواثيق على التي تم إقرارها؛ قبل وبعد انتصار الثورة؛ من جميع مكوناته. (62) من المعلوم ان التقرير الصادر عن قوى إعلان الحرية والتغيير في أكتوبر 2018؛ تحت عنوان (مشروع البرنامج الإسعافي والسياسات البديلة)، قد حدد أهدافه العامة وحصرها بالضبط؛ في: تفكيك النظام البائد؛ ووقف الحرب وإقرار السلام الدائم؛ ووضع أسس نظام ديمقراطي تنموي مستدام؛ يتصدى للاحتياجات المجتمعية الأساسية من غذاء، ودواء وتعليم؛ ... وغيرها من الاحتياجات؛ والعمل على تحسين أوضاع النساء وحقوقهن المتساوية؛ ومحاربة البطالة، اوساط الشباب أضف الى ذلك؛ البعد عن المحاور؛ وإقامة علاقات دولية متوازنة، خاصة مع دول الجوار، وعلى المستوى الإقليمي والدولي؛ وهنا يمكن للمواطن أن يراجع ما ورد من أهداف في التقرير المذكور؛ -والتي كان من المفترض أن تنفذ في العام الأول من عمر الثورة-، ويقارن بما تحقق فعليا على أرض الواقع؛ والثورة تدخل عامها الثالث؛ سيجد دون ريب؛ أن محصلة تنفيذ تلك الأهداف؛ -لا نقول صفرية- ولكنها لا تتجاوز 7%؛ مهما حاول البعض التجمل بالتفاؤل والأمل. (63) يجدر بالمواطن المطحون في رحى الأزمة المعيشية التساؤل؛ عن أسباب هذا الفشل الذريع؛ مستصحب "لازمة" رئيس وزراء سلطة الانتقال المكررة؛ (سنعبر وسننتصر)؛ والعديد من أسطوانات التطمين –الما خمج-؛ التي يرددها على مسامعنا أعضاء المكونين المدني والعسكري ليل نهار، بأن الانسجام هو طابع العلاقة بينهما؛ لحد التفاخر بمثالية هذه العلاقة. بينما الجميع يلمس غير ما يقال؛ ويرى تغول المكون العسكري على كافة انشطة وقرارات سلطة الانتقال. (64) هناك أذن ضرورة ملحة للعودة لمنصة التأسيس؛ لإصلاح العطب الذي أصاب المسار الثوري وأدى الى انحرافه؛ هذه العودة مع أهميتها؛ إلا أن أمر نجاحها مرتبط مبدئيا؛ بحدوث فرز حقيقي؛ وسط القوى المكونة لتحالف قوى الحرية والتغيير؛ دون هذه الخطوة فمن العسير العودة؛ وإن عدنا دون فرز استجابة للدعوات الرغائبية؛ فسنعود لنفس نهج النكاف الاعوج؛ لقد شهد شعبنا ما طفح من محاصصة معيبة انجرت اليها أحزاب بعينها؛ ورأى نتائج هذا النهج المخاتل ولمسها في معاشه اليومي؛ فهل يعقل أن يعود عاقل؛ ملتزم بقضايا الجماهير لتحالف يضم بين جناحيه مثل هذه القوى السياسية؛ التي لا يهمها من أمر الثورة؛ غير مصالحها الحزبية والشخصية الضيقة؛ دون وضع ضوابط ملزمة لمنع تكرار مثل هذا العبث؟؟. (65) لا أظن أن العودة لمنصة التأسيس الأولى يمكن أن تحدث ببساطة استجابة لرغائب الحادبين على وحدة مكونات تحالف قوى الحرية والتغيير؛ فما تشهده الساحة السياسية من بعثرة وضعف؛ هو دليل على عمق ازمة النخبة السياسية التي تصدرت مواقع السلطة؛ وبعد الشقة بينها وبين القوى الثورية؛ ومن الضروري هنا أن يستبين الشارع السوداني بوضوح حقيقة مواقف القوى السياسية المختلفة؛ لكي يفرق بين القوى المنحازة بصدق لقضاياه والحريصة فعلا على أهداف ثورته؛ وبين تلك التي تنشد مصالحها ولا يعنيها من امر الثورة سوى كراسي السلطة وامتيازاتها؛ حيث لا تزال تقرأ من نفس الكتاب العتيق؛ الذي مزقته ثورة 19 ديسمبر بوعيها الجارف. (66) أن العودة لمنصة التأسيس بصحبة قلة اختطفت القرار السياسي، في غفلة من قوى الثورة واحتكرت المناصب دون مراعاة لمعايير الخبرة والتأهيل؛ ولما بلغت مبتغاها فشلت في تنفيذ أهداف الثورة وبرنامجها؛ هو ضرب من العبث واضاعة الوقت. فالتراخي السائد اليوم أوساط قادة سلطة الانتقال من المدنيين؛ والاستسلام المذل "لخرمجة" وشطحات المكون العسكري؛ قد عرض المواطن لمخاطر الانفلات الأمني؛ واتاح الفرصة امام التدخلات الخارجية؛ فأغرى دويلات لا ترى بالعين المجردة على خارطة العالم؛ على حشر انفها في الشأن السوداني؛ كذلك شجع ترك الحبل على الغارب فلول النظام البائد؛ من منسوبي القوى الأمنية والشرطية على التلاعب بمعاش الناس؛ وبالخدمات الواجب على الدولة توفيرها للمواطن؛ كل هذا وغيره من مظاهر العبث؛ تحتم ضرورة العودة لمنصة التأسيس باصطفاف ثوري جديد؛ يضم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير؛ ويستثنى دون مجاملة كل من ثبت أنه لا يؤمن بأهداف وشعارات ثورة 19 ديسمبر المجيدة. (67) لا مناص ولا مهرب من العودة الى منصة التأسيس؛ وفق اصطفاف وفكر ثوري جديد؛ فثورة 19 ديسمبر التي دفع خيرة أبناء الوطن مهرها من دمائهم وارواحهم؛ وجدت لتبقى ولتنتصر؛ بجهد وتضحيات قواها الحريصة على أهدافها وشعاراتها؛ أما أمر سرقتها أو الردة عنها كما يسعى ويحلم البعض فدونه خرط القتاد مهما كانت الصعوبات والعقبات؛ ومهما تكالبت عليها قوى الشر الإقليمية والدولية واجزلت العطاء لأذنابها في الداخل؛ فأن وعي الشارع الذي تبلور في بوتقة التجارب الثورية الماضية؛ ونضج على نار الصبر النبيل قادر على هزيمة حلقات التآمر الداخلية والخارجية؛ وجدير بخلق اصطفاف ثوري جديد؛ على أسس ثورية أكثر حسماً وقوةً مستفيداً من أخطاء العامين الماضيين. (68) أن قوى الثورة السودانية قد امتلكت وعيا يحصنها ضد اليأس والقنوط؛ وتعلمت من تجاربها النضالية المتراكمة أن "الاحباط ليس قدراً مقدرا" مهما بلغت التحديات؛ وهي تعلم من تاريخ الثورات أن ثورة 19 ديسمبر المجيدة؛ حالها حال جميع التجارب الثورية؛ قد انضم لصفوفها في اللحظات الاخيرة؛ نخبة مأزومة تعمل ليل نهار، لتنفيذ مخططات تهدف إلى حرفها عن مسارها، ولو أدى ذلك لإثارة الفوضى، وتقويض استقرار البلاد، لذا فواجب المرحلة؛ هو حشد الإرادة الوطنية ورص الصفوف؛ وفضح كل عميل وخائن لأهداف الثورة وشعاراتها؛ لنمضي بعد ذلك معا لمنصة التأسيس بتحالف وطني اطهر ثوب؛ واقوى شكيمة؛ واصلب عود؛ لتجاوز كافة التحديات والعقبات الماثلة.