هل بدأ التغيير في الهيئة القضائية …. ؟؟

 


 

 



1-2
مازالت الربكه تحيط بالمشهد السياسى فى بلادنا بعد سلسلة التغييرات التى حدثت فى سنام السلطه والتى طالت الرجل الاول والثانى والثالث والرابع ومازالت تتوالى ..... ولايعرف احد الى اين ستقودنا هذه التغييرات ........... وقد طرحت عدة تفسيرات وتحليلات وتساؤلات ... هل تم التغيير كواحد من مسرحيات النظام التى اعتاد عليها لاطالة عمره ؟ هل هو صراع مصالح وسلطه بين اهل النظام ؟ او ان ماحدث تم بضغط خارجى وتحديدا من امريكا والاتحاد الاوربى وبالتراضى مع بعض اهل النظام وفى سبيل تسويه مع المجتمع الدولى( زيارة كارتر للسودان ولقاءه مع الرئيس وفى وزارة الدفاع ! وزيارةماريا كريستينا رئيسة لجنة العقوبات بمجلس الامن ) ؟ وهل مانشهده من ازمات خبز وجازولين وغاز وبنزين طائرات هى رد فعل من مراكز القوى الذين ظلوا مسيطرين على السلطه لمدة ربع قرن وانهم فوجئوا بابعادهم عن السلطه ..؟  هذه مقدمه كان لابد منها لندلف لموضوعنا وهو مرتبط بهذه التغييرات لقد شملت التغييرات السلطتين التشريعيه والتنفيذيه وتساءل الناس عن سبب استثناء السلطه القضائيه مع انها تعرضت لنفس ماتعرضت له السلطتين التشريعيه والتنفيذيه فقد تعرضت السلطه القضائيه لمذبحه فى بداية عهد الانقاذ ( وعرف لاحقا باسم مذبحة القضاه ) حيث فصل اكثر من 400 قاضى وتم التضييق على العشرات حتى استقالوا وقد تم فصل هذا الجمع الهائل من القضاة بدون مسوق قانونى فهم قضاه بلا انتماء سياسى وبلا اى شبهة فساد ويتميزون بالكفاءه واقول الكفاءه ويسندنى فى ذلك نتائج آخر تفتيش قضائى ( والتفتيش القضائى هو مراجعه لكل احكام القاضى واداءه فى كل سنه ) وقد حصل اى من المفصولين على تقدير جيد على الاقل ..............
وماذا حدث فى مرفق القضاء بعد هذه المذبحه ...؟ لقد تم تعيين ولاول مره فى تاريخ القضاء السودانى رئيس قضاء واضح الانتماء (للجبهه الاسلاميه القوميه ) وهو مولانا حافظ الشيخ الزاكى ( مع احترامنا له )وقد ترشح فى دوائر الخرجين للجمعيه التاسيسيه وفاز عن الجبهه الاسلاميه القوميه وقد جاءت افادات القاضى السابق عمر الامين فى الشكوى التى قدمها لديوان المظالم وفى مقالاته لصحيفة راى الشعب وحديثه لمولانا المرحوم القراى فى ان التعيينات فى الهيئه القضائيه شابها الكثير من التجاوزات وتحدث بالتفصيل عن ذلك ويقول استاذنا الدكتور امين مكى مدنى فى حوار مع صحيفة اجراس الحريه فى الاول من يناير 2009 الازمه الحقيقيه التى يعانى منها السودان هى غياب السلطه القضائيه فالقضاء للاسف يعانى من تدخلات السلطه .... واورد فى هذا المقام ماذكره مولانا عبد القادر محمد احمد فى مقالاته القيمه استقلال القضاء بين النظريه والتطبيق فى ظل الانظمه الشموليه
ولعله من قبيل المكابرة في الحق أن يختلف اثنان حول واقع القضاء في السودان في وقت تقر فيه حكومة الإنقاذ نفسها بان قضائها مسيس وغير مستقل ، والشواهد علي ذلك الإقرار كثيرة نسوق منها :
• إقراراً بما وصل إليه حال القضاء في عهد الإنقاذ نصت اتفاقية السلام والدستور علي إعادة هيكلة القضاء بما يضمن حيدته واستقلاله وكفاءته . ثم نصت اتفاقية القاهرة علي دعم ما جاء في اتفاقية السلام بشأن القضاء ولاحقا تم الاتفاق بين الحكومة والتجمع علي تشكيل لجنة من الطرفين لوضع تصور لمعالجة أوضاع السلطة القضائية بما يحقق استقلالها .
• إقراراً بما وصل إليه حال القضاء في عهد الإنقاذ اصبح من ضمن اختصاصات البعثة الأممية ، والتي أتت بناءاً علي طلب الحكومة ، مساعدة أطراف الاتفاق في تطوير حكم القانون بما في ذلك قيام هيئة قضائية مستقلة !!
• إقراراً بما وصل إليه حال القضاء في عهد الإنقاذ تم الاتفاق بين الحكومة والحركة علي فصل المحكمة الدستورية عن السلطة القضائية . الدكتور منصور خالد المستشار بالقصر الجمهوري شارك في إحدى الندوات التي اقيمت بمناسبة العيد الذهبي للقضاء وقدم ورقة بعنوان المحكمة الدستورية والمفوضية القضائية وكان من ضن الحضور السيد نائب رئيس الجمهورية والسيد رئيس القضاء والسيد رئيس المحكمة الدستورية . وما يهمنا هنا هو قوله ( استظهر الحوار حول القضاء القومي في مشاكوس ونيفاشا قدرا من عدم الثقة في القضاء القومي مما قاد للمناداة بفصل كامل بين المحكمة الدستورية عن ذلك القضاء ..) ثم راح الدكتور منصور يعدد اوجه عدم الثقة بقوله : (..علي راس تلك الشوائب الظن المقارب لليقين انه لحق بذلك القضاء تسييس كبير كان ذلك في تعيينات القضاة أو في استكانته للحماية التي أشرنا إليها.. )
• ومالنا نذهب بعيدا والقائمون علي أمر السلطة القضائية أنفسهم لا ينكرون ما لحقها من تسييس وتجييش بل يتفاخرون به كواحد من أهم إنجازاتهم . ففي ختام الفعاليات تم تقديم كتاب الإنجازات ومن أهمها ما تم في المجال الجهادي حيث يقول الكتاب : ( .. لقد نهضت منسقية الدفاع الشعبي بالسلطة القضائية بشحذ همم العاملين للذود عن حياض الدين والوطن وكانت الاستجابة عظيمة حيث شهدت الأعوام المنصرمة مشاركة عدد عشرة مجاهدين من العاملين في لواء الأبرار وعدد سبعة مجاهدين في لواء المستبشرين وأدت السلطة القضائية في رعاية وخلافة المجاهدين وتواصل الاهتمام برعاية اسر الشهداء الذين يبلغ عددهم اثنتي عشرة شهيدا من القضاة والعاملين .. ) !!
واضيف اننى رايت وفى داخل الهيئه القضائيه تفويج لزاد المجاهد لمنطقة النيل الازرق ويحضرنى فى ذلك موقف محكمة النقض المصريه عندما امم الزعيم الخالد جمال عبد الناصر" وكانت القناه مملوكه لشركه مساهموها اجانب " وايده كل احرار العالم فى دعم مااظن ان التاريخ جاد به لزعيم آخر " وتناقش اعضاء محكمة النقض فى ارسال برقية مسانده للزعيم فوقف احدهم معترضا بسؤال عميق وماذا لو اختصم الينا الطرف المتضرر؟ فتراجعت محكمة النقض عن قرارها وتغلب فى ضمائر قضاتها الانحياز للعداله من التعاطف مع الوطن


(2-2)
هل بدا التغيير في الهيئة القضائية (الجزء الثاني والأخير) 
وقد ادى فتح مكتب للدفاع الشعبى واقامة فرع للمؤتمر الوطنى داخل حرم الهيئه القضائيه وتفويج الدعم للمقاتلين لضرر كبير بالحياد المفترض فى السلطه القضائيه  وترتب عليه عواقب وخيمه منها فقدان ثقه ابناء هذه المناطق فى جهه وطنيه  محايده تحميهم ويلجئون اليها لتقتص لهم فاتجهوا للاجنبى  وادى ذلك للتدخل الاجنبى فى مشكلة دارفور وقد جاء فى توصيات لجنة امبيكى " استجابة العداله الجنائيه السودانيه لدارفور حاليا غير فاعله ومربكه وفشلت ايضا فى الحصول على ثقة اهل دارفور" ووصلت للتوصيه لحكومة السودان " يجب ان تسهل الحكومه السودانيه تاسيس محكمه مختلطه وان تتخذ خطوات فوريه لاقرار تشريع يسمح للقانونيين المؤهلين الاجانب من غير السودانيين بالعمل فى الجهاز القضائى السودانى " (وهذا محزن نحن الذين اقمنا المؤسسات العدليه فى كثير من الدول العربيه والافريقيه ومازال رجالنا تستعين بهم الدول والامم المتحده فى مجال القانون  ) ان السلطه القضائيه كان ينبغى ان تكون بعيده عن اى صراعات بين ابناء الوطن الواحد فهى الملجا الاخير لكل ابناء الوطن وهى ملاذهم حتى ضد الحكومه نفسها واعطيكم مثلا واحد لمن يياس من العداله فقد سئل احد قادة الحركات المسلحه فى دارفور لماذا لجا للسلاح فقال لجانا للعداله فلم تنصفنا فحملنا السلاح
وقد قال السيد الرئيس بنفسه "ان مشكلة دارفور بدات بسرقة بقره "  فهل اذا وجد صاحب البقره العداله التى ينشدها ووثق فيها كانت ستتطور مشكلة دارفور وتحصد كل هذه الارواح وتحصد معها وطن باكمله  ؟ "وماذا عن مشكلة جنوب كردفان والنيل الازرق انه اختلاف حول تفسير اتفاقية السلام وماهية المشوره الشعبيه ومن كان سيحسم هذا الاشكال ويفسر النصوص غير سلطه قضائيه محايده يثق فيها الجميع  ويقول الدكتور سيغفر غومر سياخ "السلطه القضائيه ينبغى ان تكون مستقله عن السلطات الاخرى ولايجوز ان تخضع لتعليمات صادره من تلك السلطات علينا ان ندرك انه من خلال استقلال القضاء يمتنع المواطنيين عن مسك ذمام العداله بايديهم اى اللجوء للحق الذاتى لاستخدام القوه ....... والقضاء المستقل يعنى الشفافيه والموضوعيه والامن القانونى للمواطنين والدوله " ........... واقول ان القضاء المستقل الذى لاسلطان فى قضائه الا القانون هو القادر على بسط العداله وحماية الحريات وتكريس المساواه واطمئنان المواطن ويترتب على الثقه فى استقلال ونزاهة السلطه القضائيه دوران عجلة الاقتصاد وتنشيط الاستثمارات وتحقيق التنميه فليس هناك مستثمر ياتى ليقيم مشروعاته وينفق امواله فى بلد القضاء فيه غير مستقل وبعد ان اصابنا الياس من الاصلاح القضائى وبعد ان حرر القضاة المفصولين تعسفيا  عدد من المذكرات للسيد رئيس الجمهوريه وللسيد رئيس القضاء عن الاصلاح القضائى ولم يتم الالتفات اليها   اتت جريدة التغيير لتنقل الينا نبا وصول التغيير لمحطة الهيئه القضائيه فقد اوردت الصحيفه فى عدد الاثنين 13/1 خبر احالة نائبى رئيس القضاء للتقاعد بعد وصولهم السن القانونيه وجاء تعليق رئيس التحرير الاستاذ امام فى يوم الثلاثاء 14/1 " تم احالة كل من الدكتور وهبى محمد مختار والدكتور عبد الرحمن شرفى نائبى رئيس القضاء للتقاعد بعد بلوغهم السن القانونيه ولقد تم احالة 15 قاضيا من قضاة المحكمه العليا لذلك يجب ان ينظر لاحالة هؤلاء بانها احالات مسببه ويضيف فى فقره اخرى " ان هذه التغييرات تتسق تماما مع التغييرات التى اعلنها السيد الرئيس بضرورة احلال الشباب والجيل الثانى من قيادات المؤتمر الوطنى  الحزب الحاكم  فى تسنم السلطات العلا والمناصب العليا والمسئوليات الصعبه "
فهل حقيقه هذه بداية التغيير فى الهيئه القضائيه كما اشار الاستاذ امام ام انها مجرد تغيير اشخاص وتغيير الاشخاص مهما كان دورهم لن يؤدى للتغيير واحلال الشباب محل الشيوخ لن يجدى فتيلا فهناك مهن تحتاج للحكمه والحنكه وتراكم التجارب والخبرات وهذا لايتاتى الا بكبر السن فكل ماكبرت سن القاضى او الطبيب اواستاذ الجامعه تعتق وزاد بريقه وجود العطا و لاتتطلب هذه المهن دماء الشباب الحاره ورئيس المحكمه العليا السابق فى امريكا جاوز عمره 80 عاما وكان يمشى بصعوبه ومع ذلك لم يحال للمعاش وانما توفى وهو فى المنصب وفى كثير من الدول لايتم تعيين القضاه بعد تخرجهم من الجامعه ولكن بعد سنين من الخبره فى مجال القانون وليس هناك سن للمعاش .......ان التغيير المطلوب فى الهيئه القضائيه هو اكبر من تبديل اشخاص او تغيير كبار السن بصغارها  ان امر القضاء ارفع من ذلك بكثير وان امر اصلاح القضاء يجب ان يساهم فيه الجميع وارى ان الاقتراح الذى تقدم به القضاة السابقون فى مذكراتهم للرئيس جدير بالاهتمام والمقترح هو الترتيب لعقد مؤتمر لمناقشة امر استقلال القضاء يدعى اليه اهل العلم والراى والقانونيين السودانيين داخل السودان وخارجه خاصه من تولى منصبا فى القضاء ويقول الدكتور امين مكى مدنى " لابد ان تحدث عملية اعادة تقويم للقضاه الموجودين فمن يثبت انه غير مهتم بالعمل القضائى وغير كفء يجب استبعاده وهناك عناصر جيده جدا فصلت من القضاء لابد من اعادة الراغب منهم بشروط مرضيه للاستفاده من خبرتهم وكفاءتهم اما عن تسيس القضاء فلا استطيع ان اتحدث عن مذبحه جديده للقضاه وماادعو اليه هو الاصلاح التدريجى فهناك قضاه جيدون يجب الاحتفاظ بهم مع اعادة القضاة المفصولين ( مقابله مع اجراس الحريه اشرت لها سابقا )
ان اساس علاج كل هذا  التردى الذى اصاب بلادنا من حروب وفساد يكمن بدايه فى الاصلاح القضائى والوصول لهيئه قضائيه مستقله تضمن الاتفاقات التى تصل اليها الحكومه مع حاملى السلاح والمعارضين (اذا كانت الحكومه جاده فى مصالحه وطنيه) بدلا من الاستعانه بالاجنبى ليضمن هذه الاتفاقيات ويحل اشكالاتها وتحاكم المفسدين وتنصف المظلومين "قضية معاشيى البنوك والمفصولين للصالخ العام وغيرهم ".......... كما ان القضاء يجب ان يبتعد عن العمليات التجاريه والاستثماريه فهذا معيب فى حق هيئه قضائيه واذكر عند تعيننا فى ذلك الزمن الجميل ان خاطبنا مولانا عمر بخيت العوض طالبا من القضاة الجدد ان لايدخلوا فى قضايا مع اطراف آخرين وضرب مثلا عند شراء اللحمه وكانت مسعره فقال لاتحسب الباقى ادخله فى جيبك مباشره حتى لاتفتح بلاغ ضد الجزار وفى المحكمه سيشعر الجزار "مع عدالة القضاء "  بان الكفه غير متعادله ...... فمابالك بهذه الكفه عندما يكون خصمك هو الهيئه القضائيه نفسها  !! ........  وتقول مذكرة الالف اخ وهم من صلب النظام واصلب عناصره "البدء الفورى فى تنفيذ خطه واضحه بجعل الجهاز القضائى مؤسسه مستقله تماما عن الجهاز التنفيذى على ان يبدأ التنفيذ عبر تعيين شخصيات مستقله وذات كفاءه فى قيادة هذا الجهاز حتى يحظى الجهاز القضائى باحترام الجميع وليصبح جهه للتحاكم العادل " ونحن مقبلون على مرحله من اصعب المراحل فى تاريخنا من وضع دستور جديد وانتخابات وهى ستكون معيبه ان لم يسبقها اصلاح قضائى يعود بالامور لنصابها فمن يحرس الدستور ويفسره غير المحكمه العليا ومن يضمن نزاهة الانتخابات غير سلطه قضائيه مستقله واختم مقالى بحديث للقاضى العالم مولانا بابكر عوض الله (اطال الله فى عمره) فى استقاله تقدم بها بتاريخ 17/5 /1967
" اننى ارى انه من واجبى ان اوجه النصح لمن لايؤمنون بحكم القانون ..... ان نظم الحكم السليمه والتى تعرف وضعها الصحيح حسب الدستور لاتخشى القضاء ولا تستعديه لان القضاء السليم انما هو اقوى سند لكل حكومه تستشعر واجبها من ايمان مطلق فى حكم الدستور وسيادة القانون " لقد كان لدينا قضاء نقى وسليم ولكن الانقاذ لم تستعديه فحسب وانما ذبحته بسكين صدئه


Omdurman13@msn.com

 

آراء