هل ستفكك الدولة الموازية نفسها؟ (1/2)

 


 

د. النور حمد
25 August, 2020

 

 

صحيفة التيار 24 أغسطس 2020

قرأت بالأمس تقريرًا صدر عن المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية، كتبه جان بابتيست قالوبين. حمل التقرير عنوان: "الرفقة السيئة: كيف يهدد المال الأسود الفترة الانتقالية في السودان". والتقرير ليس جديدًا جدًا، فقد صدر في يونيو؛ أي قبل شهرين من الآن. وسوف أقوم بترجمة فحوى الملخص الذي وضعه معدوه على صدره، فهو كاف جدًا ليرسم وصورة واضحة للوضع المأزوم في بلادنا. يقول التلخيص: انتقال السودان إلى حكم دستوري يواجه الفشل. فإصلاح المؤسسات الدستورية لم يبدأ، في حين يواجه القطر أزمة اقتصادية متصاعدة، وتدهورًا حادًا في أحوال الناس المعيشية، مع اشتعال للعنف الموضعي في مختلف أرجاء القطر. فالجناح المدني من الدولة السودانية مفلسٌ، ولكنه لا يود مجابهة الجنرالات الأقوياء الذي يتحكمون في شبكة واسعة من الشركات، ويعملون على الإبقاء على البنك المركزي ووزارة المالية في وضع شبيه بوضع مريض في غرفة الإنعاش في المستشفى، بغرض امتلاك وتكريس السلطة السياسية في أيديهم.
أما دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية فيقول ملخص التقرير عنهما، أنهما فيما يبدو يهيئان قائد مليشيا، يُعرف باسم حميدتي ليصبح القائد الجديد للسودان، غير أن الجيش يناصبه العداء بشدة. ويقول ملخص التقرير أيضًا: أما الدول الغربية والمؤسسات الدولية فقد خذلت الجناح المدني في الحكومة السودانية. فهم قد فشلوا في توفير الدعم المالي والسياسي الذي يمكِّن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من الوقوف في وجه الجنرالات. والفرصة الوحيدة لنجاح الفترة الانتقالية تتمثل في قدرة الحكومة الانتقالية على تثبيت الاقتصاد. وكذلك إذا عمل المدنيون بقوة شديدة لكي يعدلوا ميزان القوة بعيدًا عن الجيش ليصبح في صالحهم. وينتهي التلخيص بالقول: على الأوربيين أن يستخدموا علاقتهم بحمدوك، والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية لتأسيس سيطرة للمدنيين على شبكة الشركات الواقعة في يد الجنرالات.
لقد انفصلت الدولة الموازية عن الدولة السودانية الأم منذ عقود. وقد أخذت الدولة الموازية منذ ذاك الحين في القضاء على الدولة الأم وتحويلها إلى قوقعة فارغة. في عام 2011 أوردت صحيفة الراكوبة نقلا عن ويكيليكس أن رجال أعمال ومسئولين حكوميين ومستشارين أمريكيين قالوا، استنادًا على إفادات لمسؤول سوداني سابق، تعود إلى عامين أو ثلاثة قبل ذلك التاريخ، أي (2009)، إن الاقتصاد السوداني مهيمَنٌ عليه من قبل الشركات شبه الحكومية ذات الصلة بالنخبة الشمالية الحاكمة. وأن هناك أكثر من 400 شركة سودانية شبه حكومية، "ستُمكِّن بقدرتها المالية وأنشطتها، المؤتمر الوطني من الفوز بانتخابات 2009. وقال المسؤول الحكومي: حتى إذا تمت إزاحتهم عن السلطة فسيظلون مهيمنين على الاقتصاد". فدعونا نتصور الآن مدى السيطرة والهيمنة التي وصلت إليها هذه الشركات في الفترة الممتدة من 2009، إلى 2020. وإذا قرنا هذا بمار ورد في تقرير مجلس العلاقات الدولية الأوروبي وتركيزه على ضرورة أن يستعيد المدنيون السيطرة على الموارد الضخمة التي أصبحت حكرا لهذه الشركات الأخطبوطية، فلسوف يتضح لنا جليا أن معركة العبور نحو نظام دستوري مستقر نتنحصر بصورة رئيسية في معالجة هذا الملف، وليس غيره.
كل حوامة خجولة مرتبكة حول هذا الملف، تتنكب مقاربته بالشجاعة والوضوح الكافي لن تجدي نفعا ولسوف ننتهي إلى اندحار للثورة وضياع كامل لشعاراتها وأهدافها. بعبارة أخرى، توقيع اتفاقية سلام مع القوى المسلحة، وإقامة مجلس تشريعي، واستكمال المفوضيات لا تعنى كلها شيئا إن لم نصل، بتوافق حكيم بين جميع الأطراف، إلى حل لهذه العقدة. (يتواصل)

 

آراء