هل سيختفي الجنوب من عالمنا؟

 


 

عادل الباز
19 July, 2011

 


19/7/2011
بالأمس قرأت مقالا ممتازا للصديق الطاهر ساتي وبه فكرة تستحق النقاش وما أقل الكتابات التي تستحق الحوار حولها. الفكرة الأساسية التي  ناقشها مقال الطاهر هي أن صحف الخرطوم لا زالت أسيرة الماضي إذ لا تزال تتعامل مع الجنوب كأنه جزء من دولة السودان القديم، وضرب مثلا باهتمام صحف الخرطوم بما جرى لباقان أموم أول أمس، إذ احتل خبر باقان الخط الرئيس لأكثر من صحيفة، واستنكر الطاهر هذا الاهتمام قائلاً: إن باقان ودولته  يجب ألا تهمنا فلنا من الكوارث الجديرة بالعناية أكثر من الجنوب. وهي وجهة نظر إذا نظرت إليها من زاوية يمكن أن ترى وجاهتها ولكن إذا ما اتسعت الرؤيا فهي جديرة بالمراجعة لأسباب عديدة سنحاول أن نفصلها في جدالنا مع الطاهر.
شتان ما بين ترسيم الخرائط على الأرض و نزع المشاعر و العلاقات من الوجدان . الشماليون والجنويون الذين عاشوا سويا لمئات السنين فكاكهم من بعض ولن يكون ذلك بسهولة تغيير العملة التي يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها. سنظل ولفترة طويلة من الدهر مشدودين عاطفيا باتجاه إخواننا الجنوبيين، نحس بآلامهم ونسعد إذا ما رأيناهم مضوا لبناء دولتهم بأفضل مما فعلنا بالشمال.
بعيدا عن العواطف فإن عشرات القضايا الاجتماعية والاقتصادية لا تزال عالقة بين الدولتين وهي قضايا ستستأثر باهتمام الدولتين ومراقبة الإقليم الإفريقي والمجتمع الدولي فطرائق حسمها ستؤثر في تشكيل مستقبل المنطقة كلها. خذ مثلا قضية الحدود فهنالك أربعة ملايين يتساكنون على الحدود ولا يكادون يعرفون ما يعني الانفصال ويمارسون حياتهم الآن كان شيئاً لم يكن وسيظلون لسنوات قادمة غير آباهين بما فعلته السياسية على الأرض, العناية بأخبار تلك المناطق المتداخلة بين البلدين ليس شأنا خاصا بدولة دون أخرى فالحياة الاجتماعية لن تتوقف سيظل المراغنة  وأولاد كامل ودينكا نقوك  يتعايشون كما كانوا قبل الانفصال، وستظل كل القبائل في المناطق الحدودية عبر ألفي كيلو متر تمارس حياتها كما عرفتها لمئات السنين. تغطية ما يجري بتلك المناطق ليس ترفا إعلاميا تمارسه صحافة الخرطوم بل هو من صميم عملها وليتها تفعل بأفضل مما تفعل الآن.
قضايا الاقتصاد كلها الآن معلقة بين الدولتين وشهدنا بعضا من تعقيداتها الأسبوع الماضي حين بدأت حرب العملات بين الدولتين, مرة أخرى لا يمكن لصحافة الخرطوم تجاوز إقدام الجنوب على إصدارعملته الخاصة لأنها بالضرورة تؤثر في اقتصاد الشمال بشكل  حاسم.
في الملف الأمني سيظل ما يجري بالجنوب مؤثرا على أمننا القومي إذ إن استقرار الدولة الوليدة يسهم بشكل إيجابي على أمن دولة الشمال والعكس صحيح، ولذا فإن أخبار التمرد في الجنوب وما يجري من قتال هنالك بين الملشيات المتعددة سيبقى محل اهتمام من إعلام الخرطوم.
إذا كان الإعلام الغربي والمجتمع الدولي يتزايد اهتمامهما بالشأن الجنوبي فمن باب أولى أن تهتم صحافة الخرطوم بما يجري جنوبا.
تاريخيا وبعد استقلال السودان ظلت الصحافة المصرية تفرد صفحات ولسنوات بعد الاستقلال لتناقش أدق تفاصيل السياسية السودانية ومستقبلها حتى أن تشكيل أي حكومة في الخرطوم يحتل العناوين الرئيسة في صحافة القاهرة وكذلك اشتغلت الصحافة البريطانية بالشأن السوداني عقب الاستقلال لسنوات وظل مجلس اللوردات يناقش قضايا السودان باستمرار ولسنوات وكأن السودان لا يزال تحت التاج البريطاني.الملاحظة هنا أن فك الارتباط بين دولتين كانت بينهما علاقة تاريخية (مع الفوارق) ليس سهلا ولا يمكن تجاوزه بالسهولة التي يتمناها الطاهر ساتي وآخرون. 
سيبقى الجنوب على رأس أولويات الشمال وسيظل موجودا في خريطته الإعلامية لفترة قادمة تطول أو تقصر ولكننا لن نستطيع تجاوز الحالة الجنوبية بسرعة وبالطبع لن يستطيع منبر السلام العادل مغادرة هوى الجنوب لقرن من الزمان فمن قضاياه يستمد مبرر وجوده. ولا شنو يا الطيب.. الطاهر!!

 

آراء