هل كان البرهان صادقا حينما صرح بعدم رغبة القوات المسلحة في الاحتفاظ بالسلطة بعد انتهاء الحرب

 


 

 

منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة والتي أعقبها انحياز لجنة البشير الأمنية إلى الشارع السوداني الذي نادى بإسقاط نظام الإسلاميين برز اسم الفريق البرهان كخيار وافقت عليه القوى الثورية بديلا للفريق عوض بن عوف الذي استقال من منصبه كرئيس للمجلس العسكري بسبب الرفض الشعبي الذي واجهه . وبالرغم من أن القوى السياسية رأت في البرهان حينها حصان طروادة الذي ستقاتل به الدولة العميقة وبقايا النظام البائد إلا أنها سرعان ما تكشف لها حجم الورطة التي وقعت فيها بقبولها التحالف معه .فمنذ تقلده رئاسة المجلس العسكري ظل البرهان يظهر مراوغة ظاهرة في تعامله مع مطلب الحراك الشعبي بتكوين سلطة مدنية تقود البلاد خلال الفترة الانتقالية وتهيئ المناخ لقيام الانتخابات .
انفرد البرهان بالسلطة متجاهلا كل الدعوات الداخلية والخارجية التي وجهت إليه بضرورة الإسراع في تنفيذ وعوده بتسليم البلاد إلى سلطة مدنية انتقالية تباشر مهامها التنفيذية لإنقاذ البلاد من وطأة الضائقة الاقتصادية الحرجة التي أثرت في معاش الناس .وقد سعى البرهان لشراء الوقت وإطالة أمد بقائه في السلطة مراهنا على شرعية الأمر الواقع وعمل على الهاء القوى المدنية بالدخول معها في مفاوضات ظاهرها محاولة الوصول إلى صيغة تحفظ للقوات المسلحة نصيبها من السلطة وباطنها كان المماطلة والمراوغة والغش . وقد تخللت تلك الفترة عدة أحداث أثبتت بجلاء تام عدم توفر الإرادة الصادقة لدى البرهان لتسليم السلطة للمدنيين وكانت جريمة فض الاعتصام وما صاحبها من عنف وقتل وانتهاكات جسيمة ضد المدنيين العزل أمام قيادة الجيش خير دليل على ذلك.
وكلنا يذكر يومها أطل علينا البرهان من التلفاز مساء يوم جريمة فض الاعتصام ملقيا خطابا حمل فيه مسؤولية الأحداث للمدنيين وأعلن عن تعليق التفاوض مع المدنيين ودعي إلى قيام انتخابات عامة خلال تسعة أشهر متعهدا بتسليم السلطة إلى من يرتضيه الشعب .
في أغسطس 2019 وبوساطة من الاتحاد الأفريقي وقع البرهان وثيقة دستورية مع المدنيين تم بموجبها تكوين مجلس سيادة انتقالي يضم العسكريين والمدنيين وتم الاتفاق على أن تكون الفترة الانتقالية 39 شهرا يتم تقسيمها على فترتين يتولى المكون العسكري برئاسة البرهان رئاسة الفترة الأولى لمدة 21 شهرا ثم يقوم بتسليم الرئاسة لشخصية مدنية في فترة ال18 شهرا المتبقية . ومع اقتراب موعد انتهاء فترة رئاسة المكون العسكري للمجلس وانتقال الحكم إلى المكون المدني فاجأت البرهان الشارع السوداني بالقيام بانقلاب عسكري أطاح فيه بالحكومة الانتقالية وحل مجلس السيادة الانتقالي ومجلس الوزراء وعلق العمل بالوثيقة الدستورية. وأدخل البلاد في حالة من الشلل التام تفاقمت فيها الأزمة السياسية والاقتصادية وتدهورت الأوضاع الأمنية وانتشرت الجريمة وأصبح الوضع كارثياً . مما أدى إلى تدخل عدة أطراف خارجية سعت للتوصل إلى تسوية سياسية تعيد البلاد إلى المسار الانتقالي السابق .
ومجددا وقع البرهان في ديسمبر 2022 اتفاقا إطاريا أكد فيه على عدم رغبة القوات المسلحة في البقاء في السلطة وأقر أن يقوم بموجب الاتفاق على تسليم السلطة للمدنيين بعد فترة انتقالية تستمر لمدة عامين . ولم يكد يجف الحبر الذي وقع به الاتفاق الإطاري حتى انقلب عليه البرهان وتنصل منه بحجة ضرورة توسيع مظلة الاتفاق وإدخال شركاء جدد في مراوغة جديدة أراد بها التملص من التزاماته تجاه الاتفاق الإطاري وقام بربط تنفيذ الاتفاق بتوحيد المؤسسة العسكرية واختلق أزمة دمج قوات الدعم السريع وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير وقادت الأوضاع في البلاد إلى أسوأ مما كنا نظن وانفجر الصراع داخل المكون العسكري مشعلا حربا اعتبرت أكبر كارثة إنسانية في تاريخ السودان الحديث .
واليوم وبعد كل ما تم سرده في هذا المقال من كوارث والذي يعتبر البرهان العامل المشترك الأعظم فيها . يخرج علينا سيادته ليخبرنا مرة أخرى بعدم رغبة القوات المسلحة في البقاء في السلطة والسؤال للعارفين باللغة لعل البرهان قصد البقاء بإسقاط نقطة القاف.

yousufeissa79@gmail.com

 

آراء