تمر هذه الأيام ذكرى فض اعتصام القيادة العامة التاسع و العشرين من رمضان. و تظل هناك أسئلة عديدة تحتاج إلي إجابات. هل فكرة فض الاعتصام جاءت من الخارج كما يعتقد البعض بأنها شبيهة بفض اعتصام ميدان رابعة العدوية في القاهرة؟ أم هو مجرد إتهام للبحث عن بينات مفقودة؟ هناك البعض يقول أن السودان كان و ما يزال ساحة مفتوحة لمخابرات العديد من الدول إذا كانت من دول المنطقة أو الدول الغربية و أمريكا و روسيا و غيرها، و هل هؤلاء كانوا وراء فض الاعتصام" و إذا كانت العاصمة السودانية مليئة بالمخابرات الاجنبية أكيد هؤلاء يعلمون من هي الجهة التي وراء فض الاعتصام؟ لا نتهم الآخرين فض الاعتصام تم من قبل سودانيين مصابين بخلل عقلي لا يستوعب أهداف الثورة. لكن الحقيقة التي يجب أن يعيها الشعب أن وراء فض الاعتصام هي العقليات السودانية المتبلدة، التي تريد بالفعل إجهاض أهداف الثورة التي لا تتوافق مع مصالحها. هي أيضا العقلية التي غاب عنها أن الشعب قد صنع ثورة سلمية تحدى فيها كل الأسلحة الثقيلة و الخفيفة للمليشيات و الحركات التي تملأ العاصمة، بصدور مفتوحة غير عابئة بالموت لا تسمح بانتكاسة للثورة. فالذي يعلم حقيقة الثورة و الوعي الذي خلقته في الشارع لا يقدم على مشروع جديد لقيام نظام شمولي آخر. و أيضا هناك عقليات سياسية في أحزاب عديدة ليس لها علاقة بقضية الديمقراطية، هؤلاء أيضا ليس ببعيدين عن فض الاعتصام. أن العقليات التقليدية التي نضب خيالها و ضعفت قدراتها و لم تستوعب طاقات الشباب الإبداعية هي أيضا وراء فض الاعتصام. و أيضا العقليات ذات البعد الواحد التي لا تؤمن بالرأي الأخر هي أيضا وراء فض الاعتصام. فض الاعتصام مؤامرة لإجهاض فكرة شبابية جديدة عجز هؤلاء استيعابها. أن النشاط الذي أقامته الأجيال الجديدة، في ساحة القيادة من خلال أنماط إبداعية مختلفة في ضروب الفنون المتنوعة، تؤكد أن هذه القدرات المختزنة لدى هؤلاء الشباب هي أوسع معرفة و ثقافة لا تستطيع أن تجاريها و لا تفهمها العقليات التقليدية، و أيضا أصحاب التيارات الفكرية الشمولية، هي عقليات لها استعداد و رؤية كاملة لكي تصنع وطنا جديدا بملامح جديدة. أثبت هؤلاء الشباب أن عقولهم كانت تركز نحو المستقبل، و صدورهم مفتوح لحوارات في كل الحقول " اقتصاد – سياسة – ثقافة- فنون – إعلام و غيرها" يقبلون الرآي الأخر و لا يضجرون منه، لأنهم كانوا متمكنين من أدواتهم و واثقين من قدراتهم و معارفهم. كانوا يشكلون تحدى حقيقي للإرث السياسي التقليدي الذي أدمن الفشل، هؤلاء كانت لوحاتهم و جدارياتهم تتحدث عن أفكارهم. في أيام قليلة أزالوا مساحات واسعة من عتمة المعرفة عند أغلبية الشباب، و انعشوا الارواح في جسد أغلبية أفراد الشعب. هؤلاء طروح العديد من الأسئلة في أيام قليلة، عجزت استيعابها العقليات السياسية التقليدية، و السياسية المتطرفة يمينا و يسارا، و الجنرالات العسكرية إذا كانت في الجيش و الشرطة و الأمن و المليشيات. لذلك كانت المؤامرة من هؤلاء العاجزين علي فهم الواقع الجديد. كان الهدف من فض ساحة الاعتصام ليس فقط أغتيال الشباب لكن أغتيال الفكرة التي التف حولها هؤلاء الشباب، هي فكرة "البناء ذات الأفق المفتوح" هي فكرة لا تستطيع أن تستوعبها العقليات المتكلسة و المستلبة ثقافيا، و العقليات التي عجزت أن تحرر نفسها من الإرث التقليدي عقيم الذي ثبت فشله. و العقليات المحنطة التي لم تستوعب التغييرات التاريخية في المجتمعات. أن فكرة الشباب كانت فكرة سهلة و بسيطة و جاذبة كيف تستطيع أن تجيد الاستماع و الحوار لكي تتعلم، كان أدواتهم جديدة و فاعلة، و استطاعوا توظيفها بقدرة إبداعية فائقة لكي تحدث ثلاثة أشياء؛ ألأولي حالة من الإندهاش تجعل الشخص قادر علي الانتباه. الثاني أن تحدث تغييرا في الأسئلة المطروحة في المجتمع حتى يستطيع الشخص أن يغير طريقة تفكيره النمطية التي لا تساعد علي استيعاب المتغيرات. الثالثة أن تجعل المعرفة طريقا للتغيير. و كلها أدوات تجعل العقل هدفا لها. لذلك كان لابد من محاربة هؤلاء الشباب بقسوة فائقة و إعمال لألة السلاح بمنتهى الفظاعة. حتى يتأكدوا أن الفكرة قد ماتت تماما. أن أغتيال الفكرة هي التي أدت إلي سياسة المحاصصة، و الجري وراء تقسيم الغنائم هؤلاء اعتقدوا أن الثوار قد تمت تصفيتهم، و أن فكرتهم قد ماتت، و عليه يجب بعد ذلك تقسيم الغنائم علي المتأمرين، لذلك رفضوا حتى أن يجد بعض الثوار مقاعد لهم في السلطة الانتقالية. أن القضية لا تحتاج للجنة قانونية لمعرفة من الجهة التي فضت الاعتصام، هم معروفين لدى كل الناس، إنها العقليات المتحجرة التي لا ينفذ لها الضوء، هي العقليات التي فقدت قدرتها على العطاء، هي العقليات التي لا تعرف أن تعيش إلا في ظل نظم شمولية لكي تستبيح ثروات البلاد دون رقيب. هل العقليات التي تتحكم في الأحزاب كأنها ضيعات لهم، و هي العقليات التي لا تسمح بمرور تيارات النور داخل المؤسسات الحزبية، هي عقليات لا ترغب في سماع رآي أخر إلا صدى صوتها. هؤلاء هم الذين يشكلون تحدي حقيقة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد و هم الذين وراء فض ساحة الاعتصام. نسأل الله لنا و لهم حسن البصيرة.