هل يجوز هدم دور العبادة اذا تحصن فيها العدو

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
هل يجوز هدم دور العبادة اذا تحصن فيها العدو
تعقيب على مقالة: اخوان السودان-يقصفون المساجد بالطيران الحربي
أ.د. احمد محمد احمد الجلي

لفت انتباهي مقالة الاستاذ : اسماعيل عبد الله بعنوان "إخوان السودان-يقصفون المساجد بالطيران الحربي" ،المنشور بسوادنايل: 4 July, 2023 .
فلما قرات المقال تبين لي انه مخصص للهجوم على الاسلاميين او الكيزان-كما هي الموضة هذه الايام، وتجريم الاخوان المسلمين او إخوان السودان كما عنون الكاتب لمقالته. فهم -في نظره- الذين بدأوا الحرب الدائرة الان في السودان، وانهم قصدوا تهديم مسجد التجانية عن عمد، وفجعوا بذلك اتباع الطائفة . و في نهاية المقال حرض الدوائر العلمية للمسلمين في العالم كالجامع الازهر وادارة الحرمين الشريفين، ، على ادانة هذا الفعل ،كما يحاول استثارت مشاعر المسلمين في انحاء العالم ،لاسيما اتباع الطريقة التجانية لادانة هذا العمل التخريبي كما يزعم.... الخ ما يدل عليه المقال.
ولدي عدة وقفات مع هذا المقال الخصها فيما يلي:
اولاً:،بدأ الكاتب مقاله باتهام البرهان وزمرته من فلول النظام البائد،وفقا لعبارته ،ببعدهم عن الاسلام بعد المشرقين عن المغربين ،وكاد ان يخرجهم بهدمهم مسجد الطائفة التجانية من الاسلام. وهذا شطط من الكاتب لا حجة له ولا دليل عليه .والحادث كما ورد في الاخبار وتناقلته وسائل التواصل الاجتماعي : ان القوات المسلحة كانت في اشتباك مع المتمردين في منطقة ود البشير بام درمان ، واثناء سير العمليات العسكرية سقطت دانة على المسجد فتهدم ودمر .وقد ذهب الكاتب الى القول بان من قام بهذا الفعل صواريخ الطيران الحربي للقوات المسلحة التي تأتمر بأمر القيادة المختطفة لقراره ( ويقصد بها الاسلاميون). وبهذا يتهم القوات المسلحة بأنها ضربت بصواريخ طيرانها الحربي مسجد الطريقة التجانية عن قصد وتعمد بأمر من النفر الذين ملئوا الدنيا صخباً بادعائهم الحفاظ على الدين الذي يستهدفه الكفار والمشركون!!!.ومن المعروف ان المسجد المذكور يقع قريباً من كبري ود البشير،الذي كان مسرحا لعمليات بين الجيش والمتمردين،كما ذكرنا. واذا كانت القوات المسلحة هي من قامت بهذا الفعل، واستبعدنا ضرب المسجد نتيجة لخطا- والذي هو وارد عند الجميع ما عدا الكاتب- ،فقد يكون المتمردون قد تحصنوا بالمسجد ،واتخذوه درعا واقيا لهم من ضربات الجيش، كما فعلوا في كثير من الاماكن التي احتولها واقاموا ثكناتهم بها،وان الجيش قصد ضربهم، وتهدم المسجد تبعا لذلك ،فاين الخطأ الشرعي هنا.والشبهة التي اخذها الكاتب واعتمد عليها وصعدها ، بان هدم المعابد لا يجوز على الاطلاق ،فانها شبهة باطلة، لا اساس لها.فكثير من العلماء يجيزون هدم دور العبادة عموما بما فيها المساجد لمصلحة تراها الدولة ، او اذا وجدت ضرورة تقضي هدمها: كإعادة بنائها من جديد، أو توسعتها ،أو كانت أرضها مغتصبة يراد ردها لأصحابها ، ويقف على رأس هذه المصالح والضرورات التي تبيح هدم بيوت الله تحصن الأعداء بها ،وفي حالة الواقعة التي امامنا فإنه اذا ثبت او كان هناك اشتباه بأن الجنجويد المتمردين متحصنين بالمسجد،، فلا بأس في ضربه وهدمه على رؤسهم . ويسند ذلك ما اجاب به مفتي جمهورية مصر العربية حينما سئل عن الحكم إذا ما لجأ الأعداء إلى مسجد وتحصنوا به؟، فاجاب قائلاً: إنه يجوز هدم ما تحصن به الأعداء سواء أكان مسجدًا أو كنيسة، وذلك إذا اتخذت كل الوسائل الممكنة لمنع تحصنهم وخروجهم من أماكن العبادة ولم يمكن ذلك، وكان في بقائهم واستمرارهم إعانة لهم وقوة على قتال المسلمين واحتمال تغلبهم عليهم، وهذا حرصًا على مصلحة المسلمين ودفعًا للضرر العام بالضرر الخاص كما يقرر الفقهاء، ويؤيد ذلك-كما يقول- ما روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتل عبد الله بن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة؛ لأنه قتل خادمه وارتد عن الإسلام).(انظر: مقالة ( 4حالات يجوز فيها هدم المساجد.. التعارض مع الأمن العام الأبرز.. تحصين الأعداء يسمح بهدم بيوت الله.. مصلحة المواطنين القاعدة الأساسية.. والبناء على أرض «مسروقة» ضمن القائمة)، وبناء على ذلك فإن هدم المسجد اذا تاكد او غلب على الظن تحصن المتمردين به فيجوز بلا خلاف هدمه على رؤسهم. .
ثانياً: سعى الكاتب الى استثارة الهيئات الإسلامية ، واتباع الطريقة التجانية داخل السودان وخارجه الى اصدار ادانة لهذا الحدث ذاكرا ان هدم المسجد كان له أثر سالب على أنفس المريدين المنتمين للطريقة والمنتشرين بالملايين في القارة الإفريقية – خاصة وسطها وغربها وشمالها، وانه حينما أحرق الطيران الحربي لإخوان السودان هذا المسجد التجاني، أحرقت معه مئات المصاحف التي هي من نفس شاكلة ذلك المصحف الذي أحرقه المتطرف الأوروبي، فالحمية الدينية واحدة والهبة لنصرة الدين لا تخضع لمعايير الولاءات السياسية.ومن الغريب ان يربط الكاتب بين هذه الحادثة وحادثة حرق المصحف في السويد، وهو لا يدرك الفارق بين الواقعتين،ولكن الغرض يعميه عن الحقيقة ،ويلبس في نفسه الحق بالباطل. وامعانا في تدليسه يستشهد الكاتب بمقطع مصور لاحد اتباع طائفة التجانية يوثق بالصورة والصوت لصور الدمار الذي لحق بالمسجد ويبدي تأثره بما حدث، وقد تتبعت التسجيل المشار اليه ،وصحيح ان حجم الدمار كان كبيرا ومروعا ولكن الرجل التجاني كان يصف ما حاق بالمسجد من ضرر،معبرا عن رضائه بقضاء الله وصبره على اقدار الله تعالى،ولم يبد منه افراطا في التفاعل مع الحدث، او خروجا عن رد الفعل المعتاد لدى اي مسلم في مثل هذه المواقف. ولكن الكاتب حاول توظيف ذلك في طلب الادانة لهذا الفعل قائلا: " لابد أن يجد ( هدم المسجد)، الإدانة الواسعة من أئمة المساجد العتيقة ومجالس المساجد المقدسة الكبرى التي أولهما الحرمين المكي والمدني ثم الأزهر الشريف، وهذا السلوك الإجرامي الحاط من قدر ومقام شعبنا الصوّام القوام واجب على كل صاحب ضمير نابض بالحق، أن يثيره في الإعلام مثلما تمت إثارة قضية حرق المصحف الشريف في السويد،ويمضي قائلا: "،وعلى أعلى قطب من أقطاب الطريقة التجانية في العالم أن ينتفض ليقف ضد هذه الهجمة الممنهجة والمستهدفة لهذا الكيان الديني والاجتماعي العريض بالسودان وإفريقيا" ،ولا شك ان من استثارهم الكاتب اعقل من التعجل بادانة هدم المسجد لما لهم من علم بما يدور في السودان من حرب بين المتمردين وقوات الشعب المسلحة،ولا تغيب عنهم ملابسات الحادث ان صح ان الجيش وليس المتمردين، هم من اطلق الصاروخ تجاه المسجد.
ثالثاً: اورد الكاتب -خارج سياق الحدث - جملة من الاوصاف المسيئة، ووجه العديد من التهم الباطلة لجماعة الاخوان المسلمين في السودان، وفي العالم. فهم -في نظره- "شرذمة متكئة على عصا الدين، وفئة ضالة دمروا ما بناه المواطنون المسلمون من مساجد من حر مالهم ، وهم من جماعة الهوس الديني،تبنت أمر الدين لأكثر من ربع قرن،وانهم في الجملة لم يقيموا ديناً ولم يرحموا مسلماً وهم يبنون دويلتهم العنكبوتية" !!!.
".وهذه اوصاف لا تصدر الا عن نفس مليئة بالحقد، وتردد- في جهل ،وببغاوية، وعن عدم وعي- الاوصاف التي اطلقتها النظم الاستبدادية على جماعات من المسلمين ،توهموا انها تهدد عروشهم،وتنازعهم الملك. وقد تنكرت تلك النظم لما بذلته تلك الجماعات الاسلامية من جهود في مسار نهضتها في مجالات عدة ،لا سيما في مجال التعليم ،وما قامت به من مساع لنهضة الامة الاسلامية في العموم ،ومن عمل دؤوب لمقارعة اعداء الامة من العلمانيين والليبراليين ،واصحاب المشاريع المشبوهة ،واسسوا لذلك حركة بعث اسلامي كانت امتدادا وتجديدا لحركات اسلامية,ومدارس فكرية وعلمية ،قامت من قبل في مختلف انحاء العالم الاسلامي،وحاولت تجديد الدين واحياء العمل به، بدءا من الحركة التي قام بها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، والحركة السنوسية في ليبيا التي قام بها محمد بن علي السنوسي،والحركة المهدية في السودان التي قادها محمد احمد المهدي، مرورا بجهود جمال الدين الافغاني وسعيه لنشر الوعي في الامة التي كانت في حالة ثبات عميق،وداعية الحرية السياسية وعدو الاستبداد السياسي عبد الرحمن الكواكبي ،ورائد المدرسة العقلية المعاصرة،الشيخ محمد عبده في مصر ،وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ،والمربي المجاهد الذي قاوم علمانية وطغيان كمال اتاتورك في تركيا، الشيخ بديع الزمان سعيد النورسي ،ورائد الحركة الاسلامية الحديثة، الشيخ حسن البنا، ( الذي اطلق عليه الكاتب جهلا بمكانته،وجهده فنعته في مقاله، ب:( حسن الهدام!!!)، الذي بدأ دعوته في مصر وكتب لها الانتشار في معظم انحاء العالم العربي والاسلامي.اضافة الى مؤسس الحركة الاسلامية في شبه القارة الهنديه ،ابو الاعلى المودودي ،ومؤسس جمعية علماء المسلمين في الجزائر عبد الحميد بن باديس ،وغيرهم من الاعلام الذي زخرت بهم ساحة العمل الاسلامي في مختلف انحاء العالم الاسلامي،وجاهدوا بالقلم والفكر، فظهر منهم اعلام في مجال الثقافة والعلم من امثال: محمد اقبال ،في باكستان،وشكيب ارسلان في لبنان، ومصطفي صادق الرافعي وعباس محمود العقاد في مصر ،ومالك بن نبي الجزائري صاحب مشروع النهضة الحضارية في الجزائر.وغيرهم من الاعلام الذي تركوا اثارا جليلة كل في مجاله. وفي السودان ظهر اعلام فكرية من بينهم : محمد ابو القاسم حاج حمد ،الامام الصادق المهدي،والدكتور حسن عبد الله الترابي( الذي عدت عليه السياسة، وغلبت على جهوده الفكرية)،ومحمود محمد طه( رغم التحفظ على مشروعه،وبعض افكاره)، واستطاعت جهود هؤلاء جميعا ان تنفض غبار الكسل والتخلف عن الامة، ورفعوا لواء الجهاد بالفكر والقلم ضد اعداء الاسلام من مستعمرين غزاة، ومستبدين طغاة ،وقاوموا حسب جهدهم مخططات الاعداء وابطلوا مؤامراتهم لغزو العالم الاسلامي فكريا ،وبينوا ان الاسلام نظام شامل يتناول كل مظاهر الحياة ،ينظم امور الدنيا كما يعد الناس لحياة اخرى، ،وفي مجال الحياة الاجتماعية انشاوا المدارس والمستشفيات ،وفي مجال الاقتصاد والمال كونوا الشركات والمصارف وفقا لقواعد الشريعة الاسلامية،واسهموا في كالاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية وظهرت قامات علمية في كل مجال من تلك المجالات.
فهذه الجهود والعمل الجهادي والفكري الذي كان يموج به العالم الاسلامي ،لم ير فيها اعداء الامة، واصحاب المشاريع الاستعمارية ،الذين كانوا مطية للمستعمرين، وحداة للغزاة والمستبدين،الا جوانب سلبية ،بل ،تكالبوا عليها وسعوا الى اجهاضها وتعطيل مسيرتها،ونجحوا الى حد ما في ذلك،وحاولوا شيطنة روادها والقائمين عليها .وللاسف تحالفت بعض القوى التي تدعي الاستنارة، وترفع شعارات الحرية الزائفة والليبرالية والتقدم، مع تلك الانظمة الاستبدادية،في مواجهة التيارات الاسلامية،واتخذتهم تلك الانظمة مطية لممارسة انواع البطش والتمكين للاستبداد في المجتمعات الاسلامية. (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
رابعاً: اتهم الكاتب ،الاخوان بانهم من بداو هذه الحرب واوقدوا نارها، فيقول: " وبعد إشعالهم لحرب أبريل ،علم أغلب الناس جوهر هذه النفس المتلبسة للدين رداءً وقشرة"، ويبدو أن الكاتب من بين المصابين بلوثة "عداء الكيزان" أو "اسلاموفوبيا الإسلاميين"،،كما اطلق عليهم الاستاذ عبد الله ابراهيم . والمصابون بهذا الداء، لا يرون أمامهم الا خطر الإسلاميين, ومن ثم ينسبون كل شر اليهم، ومن ثم فهم سبب الحرب الى الكيزان،كما توحي عبارة الكاتب .ويرفع بعضهم عبارة " لا للحرب" ،وهي عبارة حق أريد بها باطل ،فلا احد يرغب في الحرب او يدعو الى اشعالها.وهؤلاء على اختلاف فيما بينهم،يرددون هذا العبارة ،ويصورون الحرب- على أحسن الفروض- أنها حرب عبثية بين جنرالين حول السلطة،او حرب دبرها ويديرها الكيزان ،وبذلك- وبغباء شديد- يعطوا الكيزان المُتَوهَمين شرفاً، لم يسعوا اليه، او يعملوا له.ويذهب الكاتب في عدائه للاسلاميين الى الحد الذي يصف فيه الحرب بأنها :"معركة مصيرية بين قوى التغيير والحداثة والانتقال إلى مصاف المجتمعات الوازنة، وبين عقلية التدمير والقتل والانتكاس التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين – جناح السودان".
وبصرف النظر عن من اشعل هذه الحرب، فان كثيرا من الدلائل والمؤشرات تدل على أن حميدتي (زعيم المتمردين) او الجنجويد، هو من كان يعد العدة للحرب منذ بضعة اشهر، ويخطط لها منذ فترة، ويعمل على اشعالها ويتحين الفرصة للقيام بها،وما ذهابه بقواته الى مروي قبيل الحرب بثلاثة ايام ، في تحد واضح للقوات المسلحة،ومخالفة لأوامرها،اضافة الى ما كشف عن إعداد قوات الدعم السريع للآليات العسكرية،والمؤن والذخائر،في معسكراتهم التي تجاوزت العشر و المنتشرة في انحاء استراتيجية في العاصمة، فضلا عن تعديهم على القيادة العامة وسعيهم الى تصفية قيادة القوات المسلحة،في يوم الخامس عشر من ابريل ،الا بعض الدلائل على تخطيطهم للحرب وسعيهم اليها.( راجع ايضا حديث مالك عقار لاحدى القنوات الفضائية،الذي يؤكد ما ذكر اعلاه،من ان حميدتي هو الذي دبر الحرب وخطط لها،وهو الذي اشعل فتيلها).
وصورة الصارع العسكري الداير الان ، ليس صراعا بين جنرالين،حول السلطة كما يحاول بعض المغيبين تصويرهن بل،صراع بين الجيش ومن ورائه الشعب السوداني ،وبين مرتزقة اجانب جاؤوا مِن تشاد والنيجر والكاميرون وأفريقيا الوسطي وجنوب ليبيا وبوركينا فاسو ونيجيريا وموريتانيا وحتي السنغال في أقصي غرب أفريقيا، اضافة الى قليل من السودانيين . وتسعي هذه الجماعات بقيادة الدعم السريع( الجنجويد)، وبزعامة حميدتي ،لاقامة دولة بديلة للدولة السودانية.اما القول بان الكيزان هم الذين كونو قوات الجنويد وهم الذين منحوها الشرعية القانونية،وهذا صحيح لا خلاف عليه،ولكن هذه القوات قد تمكنت وتمددت،واصبحت قوة ضاربة خلال الفترة الانتقالية،وتحت سمع وبصر الجميع عسكريين ومدنيين. فرأس النظام البائد ارتكب خطيئة كبرى وليس خطا بتكوين هذه العصابات وتوقيتها حتى اصبحت قوة موازية للجيش السوداني، ومنح رئيسها رتبة عسكرية، وشرعية قانونية ،واستعان بهم في حروب دارفور ،وارتكب الجنجويد،في عهد البشير، من الفظائع والجرائم في دارفور ،مما اثار المجتمع الدولي على نظام الخرطوم لفظاعتها ووحشيتها . وأدت في النهاية الى اتهام نظام البشير بالابادة الجماعية، والطلب بمحاكمته امام المحكمة الجنائية الدولية. ونتيجة لما مارسته جماعات الجنجويد من انتهاكات لحقوق الإنسان في إقليم دارفور وأقاليم أخرى في البلاد، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات قبض ضد الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه ووزير داخليته ،مع قائد الجنجويد ووجهت اليهم تهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، لكن البشير وحكومته رفضوا المثول أمام تلك المحكمة ،اضافة الى انه اتخذ من قائد الجنجويد ،درعا يحميه من الجيش الذي لم يعد يطمئن له ،ومن الثورة الشعبية التي قامت ضد نظامه،ولكن اللجنة الامنية للجيش التي ائتمنها البشير على حمايته باعت البشير ،كما باعه ايضا حميدتي الذي كان يلقبه بحمايتي،واودع مكانا امنا في البداية ثم اصبح مقره سجن كوبر،هو وزمرته، وأعلن حميدتي الانحياز للثورة. وضمن الترتيبات التي أعقبت الثورة، حظي «حميدتي» بمنصب نائب رئيس مجلس السيادة، ضمن حكومة الشراكة بين المدنيين والعسكريين التي أقرتها الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس (آب) 2019، رغم ان الوثيقة لم تنص على منصب نائب لرئيس مجلس السيادة ،كما ان الساسة انذاك تغاضوا عن ما قامت به قوات الدعم السريع من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة،وقتلهم للثوار بطريقة اجرامية لاتقل في فظاعتها عن ما قاموا به من جرائم في دارفور. واذا كان البشير قد اخطا بتكوين الجنجويد ومكن لهم على حساب القوات المسلحة،ومنحهم الشرعية كقوة عسكرية ،فقد أخطأ قادة الجيش خطأ بليغاً بأن سمحوا لهذه الفيئة بان تنمو وتتمدد،وتهيء المسرح لحرب قادمة لا محالة،وتخطط للانقضاض على الدولة السودانية وتفكيكها ،واقامة "مملكة الجنجويد" او "مملكة آل دقلو" مكانها،; ،وللاسف سكتت على الاقل- بعد ثورة ديسمبر المجيدة- فيئة من الساسة السودانيين،وهي تشاهد نمو قوة هذه المليشيا،وبعد نشوب الحرب غضت قوى الحرية والتغيير البصر عن تمرد قوات الجنجويد بشكل يثير الريب ولاذت بشعار أخلاقي في ظاهره، إلا أنه يبطن نوعاً من التواطؤ مع الجنجويد كان ذلك الشعار هو (لا للحرب). وهو شعار لم يسعف رافعيه أخلاقياً مع زيادة حدة تجاوز فظائع الجنجويد ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم وتحويل الأحياء السكنية لساحات للحرب. وغرت الشعارات التي رفعها حميدتي من انه حامي الديمقراطية،وانه يسعى لاقامة حكم مدني، ومحاربة الفلول ،وسكت اولئك الساسة طمعا في تولي السلطة،او لكسب سياسي مرتقب. ولكن خاب فألهم جميعا ،وخارت قوى المتمردين، منذ اللحظة الاولى التي خططوا فيها لاغتيال رأس الدولة وثلة من قادة الجيش، وادخال البلاد في فوضى,والحمد لله الان بعد ان خارت قواهم وطاشت احلامهم تحولوا لعصابات تنهب وتغتصب وتعتدي على المواطنين بالقتل ومصادرة اموالهم واحتلال مساكنهم،وتعطيل المستشفيات وتحويلها الى ثكنات عسكرية،وتدمير المنشآت الاقتصادية من مصانع وبنوك ،الى غير ذلك من الجرائم التي مارسوها من قبل في دارفور ويمارسونها الان في العاصمة السودانية.
وبعد ان سقط شعارهم ودعوى انهم يحاربون من اجل حماية الدولة المدنية،وجلب الديمقراطية،وراى الناس ان من يقومون بتلك الجرائم لا يمكن ان يؤسسوا لنظام ديمقراطي او يحمونه،لجأوا هم ومن يقف من ورائهم ويشجعهم، الى رفع شعار آخر اكثر غرابة واكثر ايهاما، وهو تصفية ما أسموه (دولة ٥٦ )، دون أن يعطوا تعريفاً محدداً لماهية تلك الدولة، ومَن هي القوى التي يجب أن تُصفى بموجب تصفية تلك الدولة.. ولصالح مَن؟! ويبدو من خلال أدبياتهم ،كما يقول محمد عبد الحميد، أن المقصود بهذه الدولة هي القوى المدنية السياسية التي تسيدت المشهد السياسي منذ العام ١٩٥٦م ،وهم في الواقع جماع أحزاب الأمة وكيان الأنصار والاتحادي بكل تفرعاتهم والإسلاميين بمختلف أطيافهم ومشاربهم واليساريين بشيوعييهم وبعثييهم وناصرييهم وكل من تواجد في تلك الدولة تاريخياً من طرق صوفية ونقابات فئوية وكافة أبناء الشمال النيلي وأبناء الغرب ممن يسمونهم (الزُرقة) وأبناء الشرق قاطبة لصالح القوى الإثنية التي يمثلها الجنجويد من أعاريب أفريقيا جنوب الصحراء الهائمون على وجوههم بلا دولة. والذين يحاربون اليوم الجيش السوداني بوصفه أيضا أحد ركائز وممسكات دولة ٥٦ وكل ما يتصل بملامح ومقومات تلك الدولة من طبقة وسطى قوامها الرأسمالية الوطنية في المدن الكبرى خاصة في الخرطوم والذين تعرضت ممتلكاتهم ووسائل انتاجهم، ومؤسساتهم العلمية والثقافية ومراكزهم المالية وبيوتاتهم التجارية لتخريب متعمد وممنهج تمهيداً لتصفية دولتهم التي. بنوها منذ العام 56" ( انظر:شعار تصفية دولة ٥٦.. عَوار وعورات الخطاب الشعبوي، محمد عبد الحميد، سودانايل 6 July, 2023 )
فهذا هو واقع هذه الحرب اللعينة واهدافها، فهي ليست بحرب الكيزان كما يدعي البعض،بل هي حرب الأمة السودانية وجيشها ضد مشروع يهدف الى القضاء على الدولة السودانية، وعلى الجميع على اختلاف اتجاهاتهم وايديولوجياتهم ،أن يتركوا خلافاتهم جانبا،وان يؤجلوا مشاريعهم السياسية، وان يوحدوا صفوفهم ،ويعملوا يدا واحدة على منع الجنجويد من تحقيق اهدافهم ،لان في تحقيق تلك الاهداف نهاية للدولة السودانية،ووجود السودانيين كشعب له هوية وثقافة وذاكرة تاريخية. وليس من سبيل الى تفويت الفرصة على الجنجويد،وافشال مشروعهم وما خططوا له، الا بالاصطفاف مع القوات المسلحة،لانها هي الجهة الوحيدة الوطنية التي تتصدى لذلك المشروع ،ولا خيار للناس سوى الاصطفاف مع القوات المسلحة، ،لانه اذا انتصر حميدتي وجنجويده، لا قدر الله ، فسيصبح مستقبل السودان في مهب الريح.

Ahmed. Mohamed Ahmed Elgali
ahmedm.algali@gmail.com

 

آراء