هل ينتهي الدعم السريع بالانتحار؟

 


 

 

هناك شيء واحد أخشاه .. هو ألا أكون جديرا بمعاناتي دوستويفسكي

بقلم : حسن أبو زينب عمر

(1)

مشاهد سكان قرى رفاعة و تمبول الوادعة الهادئة برجالها ونساءها واطفالها هائمين على وجوههم في رحلة تيه بما تيسر حمله من ممتلكات نحو المجهول خوفا من الموت وانتهاك الأعراض ومشهد الشاب الذي كان يتلذذ بشد ذقن أسير دون خجل أو رحمة امعانا في اذلال واهانة رجل في عمر جده مقروءا بانسلاخ كيكل وعودة خمس من أكبر مستشاري حميدتي الى أرض (الوطن) من أرض (الضلال) ضمن مشاهد قميئة محزنة لمئات الجثث لمواطني قرية السريحة يؤكد ان ميلشيا الدعم السريع دخلت مرحلة فقدان البصر والبصيرة .. يدفعها يأس قاتل وجنون أحمق وتتسارع بخطى ثابتة الى مرحلة الانتحار بشعار (على وعلى أعدائي) .

(2)
أنها الآن أشبه بكلب مسعور ينهش الأجساد كيفما اتفق بل هو أشبه بسفينة تائهة في بحر لجي يتقاذفها موج فوقه موج وتتجه لمصيرها المحتوم حطاما في قاع البحر يتدافع ركابها نحو الهروب خوفا من الغرق . لو جاء راعي الابل وتاجر الذهب (حميدتي) بالديمقراطية كما بشر بها الجميع بداية ولو انداح كرما وجودا على الهامش الذي يذرف عليه دموع التماسيح من ملايين جبل عامر والاتحاد الأوروبي نظير منعه الهجرة غير الشرعية عبر السودان أو حتى من الذهب المهرب والمنهوب لربما وجد بشرا من هؤلاء البؤساء يتعاطف معه ويسير في دربه ..أما أن يكون هؤلاء الأبرياء المعدمين الذين يتوسدون الأرض و يلتحفون السماء في القرى النائية راضين بما قسمهم الله لهم حقا مباحا ينتزع منهم شقى عمرهم ينهب ممتلكاتهم ويسبي نسائهم ويذبح كبارهم وصغارهم فهذا أمر يفوق كل تصور .

(3)
ان المرآة المستباح عرضها أمام زوجها وأبنائها لا تنظر الى عين الغريب حياء وفي شرق السودان فالمرأة شبه (مقدسة) والذي يمد يده عليها لا في الرجال ولا النسوان معدود واحتراما وتقديرا لها تتوقف المعارك الطاحنة بين الأعراب اذا دخلت بينهم حاسرة الرأس .. انها كبائر ومنكرات يخجل منها الشيطان ناهيك عن بشر أكرمهم الواحد الأحد.

(4)
اذا كان الاخضاع وطلب الخنوع بالقوة الجبرية سلاحا يعتد به لما انتهى مصير هتلر منتحرا هو وأطفاله وزوجته ايفا براون بسم (السينايد) في قبو المستشارية في الثاني من مايو 1945 حتى لا يقع أسيرا في يد القوات الروسية المندفعة نحو برلين والفيالق الأمريكية التي كانت تسابق الزمن من الغرب اذ أكدت الأحداث حتى عدمية أفران الغاز .. ولو كانت الكفة ترجح لجبروت السلاح لما عاد مارينز أمريكا أكبر قوة ضاربة في الكون من فيتنام وهي تجرجر أسمال الهزيمة والعار في 15 أغسطس 1973 بسقوط العاصمة (سايجون ) في يد ثوار (الفيت كونج) .

(5)
حتى في السودان فقد سطرت ملاحم بطولية تحدث عنها التاريخ في بقاع كثيرة منها كرري باعتراف قيادات الجيش الغازي والفضل ما اعترفت به الأعداء فقد كتب ونستون تشرشل رئيس الوزراء (1940-1945) وكان وقتها صحفيا جاء مرافقا للجيش البريطاني لتغطية الأحداث فقال أننا لم ننتصر على (الدراويش) هكذا كان يطلق علي الثوار في كتابه معركة النهر river war بالشجاعة ولكن بالمكسيم ..قال كان الرجال وقد هشم الرصاص الركب يزحفون على المؤخرة نحو ظل شجرة أو نحو النيل بحثا عن قطرة ماء في ذلك اليوم القائظ دون أن تسمع منهم أنة ألم .

(6)
منها أيضا المتمة حينما نصب المك نمر سورا من القش سريع الاشتعال حول جنود إسماعيل باشا وأضرم فيهم النار رفضا للإذلال والمهانة وشرقا وفي في معركة (تأماي) (20 كيلومتر غرب سواكن) يحدثنا التأريخ كيف انقض فرسان البجا بقيادة عثمان أبوبكر دقنة مسلحين بالسيف و الشوتال على المربع الإنجليزي وحطموه وأجبروا الشاعر والروائي الإنجليزي روديارد كيبلينج الذي سجل نفسه كأصغر أديب يفوز بجائزة نوبل على تخليدهم لاحقا.

(7)
تباينت الآراء حول تقديم الذين انسلخوا وتبرأوا من الدعم السريع للمحاكمة وهم خمسة على رأسهم محمد عبد الله ود أبوك وعبد القادر إبراهيم محمد مسؤول ملف شرق السودان أو الاعفاء عنهم ..نفس هذا ينسحب على كيكل الذي سجلت له فظاعات يشيب لها رؤوس الأجنة في الأرحام في مدني وجبل موية ..الحكومة تعتبر انسلاخهم مكسبا كبيرا وتتعامل مع ملفاتهم بمبدأ (عفى الله عما سلف) فربما تساعد تبرئهم آخرين يسعون لمغادرة السفينة الغارقة .

(8)
لكن هناك رأى عام لا يستهان به يرى ضرورة مثول من ولغ في دم الانسان السوداني أمام المحكمة. فهل ينتهي مصيرهم الى ما أنتهى اليه مصير النازي (روبرت هيث) نائب هتلر الذي طار الى إنجلترا خلسة ومن وراء (الفوهرر) لإبرام صفقة سلام مع الحكومة البريطانية الا ان مساعيه تحطمت على صخرة إصرار تشرشل رئيس الوزراء وقتها فرفض عرضه وتم نقله مقيدا بالحديد ليصدر في حقه السجن مدى الحياة من محكمة نورمبرج ويدخل التاريخ وحيدا كأشهر سجين في تاريخ العالم.

(9)
الحرب مدمرة ..نتائجها كارثية تخلط الدم بالدموع ..كلفتها عالية ومعاناتها فوق الوصف والرابح فيها هو الخاسر.. الماسكون بجمرها هم الذين يخوضون غمارها .. حقائق لا تختلف حولها عنزتان ولكن هناك قناعات لا تقبل النقاش اننا مهما هتفنا جيش واحد شعب واحد فان لا مكان أكثر ملائمة للعسكر غير الثكنات يعودون اليها معززين مكرمين أما المدعو محمد حمدان دقلو فان ما اقترفت يداه من موبقات سفك دماء الأبرياء والنهب و التشريد وانتهاك الأعراض وتدمير منشآت الدولة التي تم تشييدها من جيب المواطن وعرقه عبر عشرات السنين وآخرها بيع تاريخ السودان في المزادات العلنية لطمس الهوية لا يؤهله للمشاركة في أي تسوية سياسية بل يقدم للمحاكمة ليدفع ثمن جبال من الجرائم تنوء عن حملها الأرض .

(10)
ان العالم لا يعرف في تاريخه راعي إبل يفتي في الاقتصاد ويبرم الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية التي تمس سيادة البلد ويصطف أمامه سفراء السودان لتلقي النصائح والارشادات قبل توجههم لمحطاتهم الخارجية ويعزف له النشيد الوطني في المطارات وتنطلق به سيارة مصفحة في موكب تتصدره الدراجات النارية لولا أخطاء و (خرابيط) البشير وورائه البرهان فوالله لو كان يحكمنا نظار وعمد الإدارة الأهلية الذين يخططون بعصيهم تحت أشجار الصحراء في أرض الخلاء لما حدث هذا الدمار الشامل. لن يتحقق حلم الجميع للخروج من كابوس الدمار ومرارات المعاناة غير المسبوقة سوى حكم مدني يأتي نتاجا لانتخابات يشارك فيها الجميع دون عزل بما فيهم الذين طردهم الشعب من الأبواب وأعادهم البرهان من النوافذ الخلفية.

oabuzinap@gmail.com
//////////////////////

 

آراء