هندرة الدولة السودانية: 45 يوماً للحرب
محمد عصمت يحيي
31 May, 2023
31 May, 2023
غَشِي عالمنا الحديث عديد العلوم والمعارف والمفاهيم جرّاء الإنفجار العلمي والمعرفي سيّما في مجالي الإتصالات والتكنولوجيا الأمر الذي ألقي بظلاله الإيجابية علي مُجمل ومُفصّل حياتنا المُعاشة ومن أحد أهم هذه العلوم والمعارف ما يُعرف بعلم إعادة هندسة العمليات Business Process) Re-ingineering) ويُشار إليه إختصاراً في المحافل العلمية (BPR).
لئن إنحصر هذا العِلم في بداياته قبل أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً في العام 1992 في مجال الهندسة والتقنيات بصورة عامة، إلا أن تناول الباحثين له وفي مقدمتهم الأمريكيَيَن "مايكل هامر" و"جيمس تشامبي" في كتابهما المعروف والمعنون (هندسة المنظمات) قد عَرّفا هذا الضرْب من الهندسة بأنها منهجية إدارية تقوم على إعادة البناء التنظيمي من جذوره، حيث تعتمد على إعادة هيكلة وتصميم العمليات الإدارية بهدف تحقيق تطوير جوهري وطموح في أداء المنظمات والمقصود بها الشركات والمؤسسات والهيئات إلخ، مما يكفل تحقيق سرعة الأداء، وتخفيض التكلفة، تحسين جودة الخدمة والمنتجات، تجدر الإشارة هنا إلي أن إعادة هندسة العمليات لا تحتمل الترميم أو التجميل للنواحي الإدارية أو حتي إدخال التكنولوجيا فقط كيما تَتزّيا لتبدو كأنها متطورة، بل المطلوب هو البداية من الصفر وذلك بتصميـم هندسة عمليات إدارية جديدة تتناسب كُلياً مع مطلوبات المرحلة وهذا لن يتأتي إلا بإعادة التفكير المبدئي عند الشروع في إعادة التصميم للعمليات الإدارية بصورة جذرية (Radical)، وذلك بهدف تحقيق تحسينات فائقة في جوهريتها تفادياً لأي تحسين هامشي أو مُتدرج .
تَواصَي المُهتمون والمُخْتَصُون بهذا العلم الحديث من العَرَب علي تسميته ب (الهَنْدَرَة) عِوضاً عن إسمه الفِرنْجي المُثلَث المذكور في صدر المقال، وشاعت بعدها أي (الهَنْدَرَة) كمصطلح عربي مُرَكب من كلمِتَي هندسة وإدارة وهي بالطبع ترجمة عربية لكلمتي (Business / Re -engineering).
من واقع إلمامي بعلم الهَنْدَرَة وتجربتي معه في تنفيذ عدد من المشروعات
إبان فترة عملي ببنك السودان المركزي جال بخاطري وأنا أُعايش أهوال الحرب اللعينة الدائرة الآن سؤال ظل يَتقافَز أمامي كل ساعة وساعة عما إذا كانت الدولة السودانية تحتاج إلي إعادة هَنْدَرَة حتي تَخرُج أبدياً من غارٍ لا تجد فيه إلا البؤس والعَنت والشقاء.
جاء إختياري لمفاهيم الهندرة (Re-ingineering) بديلاً لمفاهيم إعادة الهيكلة (Restructuring) فيما أنا بصدده بسبب أن الهندرة هي الأعم والأشمل من مفاهيم إعادة الهيكلة التي تُعنَي بعمليات إعادة التصميم والتحديث للهياكل التنظيمية في أي مؤسسة وهي عمليات ترميم وترتيق ظلت سائدة لعقود صاحبت مسيرة الدولة السودانية الحديثة منذ بواكير تأسيسها في منتصف خمسينات القرن الماضي، وما ذلك إلا لتَيقُني تماماً أن عمليات الترميم والترتيق تلك ما عادت صالحة لبناء أُمة سودانية مُوحدة داخل حدودنا الجغرافية، لذا رأيت أن هندرة الدولة السودانية هي الطريق الأفضل لإعتبار أن الهندرة أو ما يسمى بإعادة الهندسة والإدارة هي القالب الأنسب طالما أنها تستخدم عادةً في إعادة هندسة أعمال وعمليات المؤسسات والمنظمات والشركات .. إلخ، فهي بعُمومها وشمولها سيؤثران بعُمقٍ أعمق في هيكليتها التي أرهقتها عمليات الترميم والترتيق في بنائها التنظيمي إذا ما إفترضنا أن (المؤسسة) مقصودٌ بها في هذا السياق البناء التنظيمي للدولة السودانية، فهو أمرٌ يتطلب جُهداً شاملاً وعملاً معقداً كما يجب أن يكون مصحوباً بتنازلات هي في مقام التضحية من أجل بقاء الدولة وبناء أمة سودانية مُوحدة.
إن أي مشروع للهندرة وقبل الشروع فيه من أصحابه لابد أن يرتكز اولاً علي الإرادة وفي ذات الوقت علي القدرة في إنفاذ تلك الإرادة وهي ما أشرت إليها آنفاً بتنازلات هي في مقام التضحيات، فإذا ما توفرت الإرادة والقدرة علي إنفاذها فسيبقي الطريق بعدها مُعبّداً لذوي المعرفة والخبرة والتجربة في الولوج بكل يُسْر في مرحلة ما يُسمي بتحليل الفجوة (Gap-Analysis) وهي مرحلة بكل تأكيد لهم بحُكم التخصص في مجالات كالسياسة، نظم الحكم والإدارة، القوانين، الدساتير، الإقتصاد، الإجتماع .. إلخ، في مرحلة تحليل الفجوة فإن أهم ما سيتم تناوله بالمُدارسة المُتعمِقة هو دراسة الوضع الحالي (As-Is) لدولتنا السودانية الحديثة منذ بدايات التأسيس وتحليله عِلمياً وفقاً لمناهج التحليل المُتعارف والمُتفق عليها وبحَياد بعيداً عن أي ظِلال أو مُيول أياً كانت وهو ما سيقودنا مباشرةً إلي الوضع المستقبلي (To-be) المنشود منا جميعاً أَنْ كيف نبني أمة سودانية مُوحدة في دولة سودانية واحدة.
لقد تَغَشّت دولتنا السودانية الحديثة منذ تأسيسها غاشيات عديدة عصفت بها حين غادرها جنوبنا الحبيب مُختاراً لإستقلاله بعد أطول صراع أهلي دموي (56 عام تقريباً) شهدته قارة إفريقيا بدأ في توريت من العام 1955 وإنتهي في يوليو 2012 بل ومُرشح لأن يستمر صِراعاً بين دولتين كانتا يوماً ما دولة واحدة بسبب منطقة أبيي ومناطق حُدودية أخري لم يتم حسمها بعد.
رغم تزامُن صراعاتنا الدموية في جنُوبِيِّنا وغرِبيِّنا لفترة لا تقل عن ثمانية سنوات هي تاريخ إندلاع الحرب في دارفور غربي البلاد من العام 2003 وإستقلال جنوبِيِّها في العام 2011 وما تلاها وصاحبها من حُروب في جنوبِي كردفان والنيل الأزرق إلا أن الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة السودانية تبدو حائرة من غير إعتراف أمين بحيرتها من الإجابة علي السؤال الماثل أمامنا الآن وبعد إنقضاء سِت عقود ونيف وهو لِمهْ كل هذا الكَمْ والكَيْف من الصراعات والحروب ؟؟
لقد تعددت وتنوعت الصراعات والحروب في الدولة السودانية وإن إتفقت وتشابهت في بداياتها المطلبية التي لم تَتعدَ سقوف الفيدرالية أو الحكم الذاتي في جنوبِيِّنا أو التنمية المتوازنة في غربِيِّنا ورغم ذلك فإن ذات الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة لم تنتبه لنوعٍ معروف من الحروب وهي الحرب الإقتصادية التي نشبت في شرقي البلاد (يوليو 2021) وما جَرّته عليها من مُهددات لوحدة الدولة والمشروع الفطري لبناء الأمة إلي جانب خسائر إقتصادية يصعب تعويضها علي المدي القريب..
لم ينحسر تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب ليقف مُصطدماً بحائط صَد يُعيد
ولو قليل من الرُشْد الوطني
لعُقول وقلوب وأوجدة وضمائر ساسة وقادة تِلكمُ الصراعات والحروب، فشهدنا عما يُعرف بظاهرة (الدروع) كدرع البطانة في الوسط ودرع الشمال في شمالِي البلاد وقوات أحزاب الشرق في شرقِيها، وأخيراً بِنُشوب حرب الخرطوم في الخامس عشر من أبريل 2023 بين من يُفترض أنهما عِماداً أساسياً لحائط الصد الوطني فبلغ وللأسف تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب في الدولة السودانية مداهُ الأقصي، إن غياب حائط الصد من وجهة نظر الكاتب هو ما يشرح وبوضوح مدي الحاجَة إلي مشروع وطني لهندرة الدولة السودانية ..
إن هذا المقال وبمَدْخلِيَته في الطَرْح هو مجرد دعوة تَنافُس مُبرَّأ من أسقامِنا وعِلَلنِا التي أنهكت كل القوي السياسية والمدنية وبكل أطيافها وألوانها كيما تجترح حُلولاً ذات صلةٍ وثيقةٍ بما أُسميه بالواقع الأصيل للمجتمعات السودانية داخل الدولة وإمتداداتها أيضاً خارج الحدود، بالطبع فإن عملية إجتراح الحلول هذي لابد أن تتسم بصِدْقِية مُتناهية وعَقلٌية مّتفَتِحة لا تُصيبها أي دهشة عند إصطدامها بمطلوبات حائط الصد الذي نُريد ونشتهي لبقاء دَولتِنا كدولة ناهضة وناشدِة لتَحوُل مُجتمعاتها إلي أُمة مُوحدة واحدة، لذا تأتي وفي صدارة هذه المطلوبات هي التنازلات العظيمة عِظم التاريخ الطارف والتليد لحضارتنا المخبوءة تحت دُخَان صراعاتنا ولهيب شهواتنا ومن غير أُفٍ ولا شُحٍ بعيداً عن أي قَوْلبة عَقَدية يميناً كانت أم يساراً ..
خلال العامين 16-2017 شَرعنا وبِجد في بحثٍ مُضنٍِ بصُحبة أخيار من عُلماء وخُبراء السودان حول هذا الأمر الذي مضي وبحمد الله إلي نهاياته ولكن حالت أقدار الحراك السياسي المُضْطرب دون طرحِه رغم إعداد العُدة لذلك لأكثر من مرة، لكننا نأمل أن يكون قريباً مع الصُبح القادم بإذن الله جلا وعلا
mielmobashr@gmail.com
لئن إنحصر هذا العِلم في بداياته قبل أكثر من ثلاثين عاماً وتحديداً في العام 1992 في مجال الهندسة والتقنيات بصورة عامة، إلا أن تناول الباحثين له وفي مقدمتهم الأمريكيَيَن "مايكل هامر" و"جيمس تشامبي" في كتابهما المعروف والمعنون (هندسة المنظمات) قد عَرّفا هذا الضرْب من الهندسة بأنها منهجية إدارية تقوم على إعادة البناء التنظيمي من جذوره، حيث تعتمد على إعادة هيكلة وتصميم العمليات الإدارية بهدف تحقيق تطوير جوهري وطموح في أداء المنظمات والمقصود بها الشركات والمؤسسات والهيئات إلخ، مما يكفل تحقيق سرعة الأداء، وتخفيض التكلفة، تحسين جودة الخدمة والمنتجات، تجدر الإشارة هنا إلي أن إعادة هندسة العمليات لا تحتمل الترميم أو التجميل للنواحي الإدارية أو حتي إدخال التكنولوجيا فقط كيما تَتزّيا لتبدو كأنها متطورة، بل المطلوب هو البداية من الصفر وذلك بتصميـم هندسة عمليات إدارية جديدة تتناسب كُلياً مع مطلوبات المرحلة وهذا لن يتأتي إلا بإعادة التفكير المبدئي عند الشروع في إعادة التصميم للعمليات الإدارية بصورة جذرية (Radical)، وذلك بهدف تحقيق تحسينات فائقة في جوهريتها تفادياً لأي تحسين هامشي أو مُتدرج .
تَواصَي المُهتمون والمُخْتَصُون بهذا العلم الحديث من العَرَب علي تسميته ب (الهَنْدَرَة) عِوضاً عن إسمه الفِرنْجي المُثلَث المذكور في صدر المقال، وشاعت بعدها أي (الهَنْدَرَة) كمصطلح عربي مُرَكب من كلمِتَي هندسة وإدارة وهي بالطبع ترجمة عربية لكلمتي (Business / Re -engineering).
من واقع إلمامي بعلم الهَنْدَرَة وتجربتي معه في تنفيذ عدد من المشروعات
إبان فترة عملي ببنك السودان المركزي جال بخاطري وأنا أُعايش أهوال الحرب اللعينة الدائرة الآن سؤال ظل يَتقافَز أمامي كل ساعة وساعة عما إذا كانت الدولة السودانية تحتاج إلي إعادة هَنْدَرَة حتي تَخرُج أبدياً من غارٍ لا تجد فيه إلا البؤس والعَنت والشقاء.
جاء إختياري لمفاهيم الهندرة (Re-ingineering) بديلاً لمفاهيم إعادة الهيكلة (Restructuring) فيما أنا بصدده بسبب أن الهندرة هي الأعم والأشمل من مفاهيم إعادة الهيكلة التي تُعنَي بعمليات إعادة التصميم والتحديث للهياكل التنظيمية في أي مؤسسة وهي عمليات ترميم وترتيق ظلت سائدة لعقود صاحبت مسيرة الدولة السودانية الحديثة منذ بواكير تأسيسها في منتصف خمسينات القرن الماضي، وما ذلك إلا لتَيقُني تماماً أن عمليات الترميم والترتيق تلك ما عادت صالحة لبناء أُمة سودانية مُوحدة داخل حدودنا الجغرافية، لذا رأيت أن هندرة الدولة السودانية هي الطريق الأفضل لإعتبار أن الهندرة أو ما يسمى بإعادة الهندسة والإدارة هي القالب الأنسب طالما أنها تستخدم عادةً في إعادة هندسة أعمال وعمليات المؤسسات والمنظمات والشركات .. إلخ، فهي بعُمومها وشمولها سيؤثران بعُمقٍ أعمق في هيكليتها التي أرهقتها عمليات الترميم والترتيق في بنائها التنظيمي إذا ما إفترضنا أن (المؤسسة) مقصودٌ بها في هذا السياق البناء التنظيمي للدولة السودانية، فهو أمرٌ يتطلب جُهداً شاملاً وعملاً معقداً كما يجب أن يكون مصحوباً بتنازلات هي في مقام التضحية من أجل بقاء الدولة وبناء أمة سودانية مُوحدة.
إن أي مشروع للهندرة وقبل الشروع فيه من أصحابه لابد أن يرتكز اولاً علي الإرادة وفي ذات الوقت علي القدرة في إنفاذ تلك الإرادة وهي ما أشرت إليها آنفاً بتنازلات هي في مقام التضحيات، فإذا ما توفرت الإرادة والقدرة علي إنفاذها فسيبقي الطريق بعدها مُعبّداً لذوي المعرفة والخبرة والتجربة في الولوج بكل يُسْر في مرحلة ما يُسمي بتحليل الفجوة (Gap-Analysis) وهي مرحلة بكل تأكيد لهم بحُكم التخصص في مجالات كالسياسة، نظم الحكم والإدارة، القوانين، الدساتير، الإقتصاد، الإجتماع .. إلخ، في مرحلة تحليل الفجوة فإن أهم ما سيتم تناوله بالمُدارسة المُتعمِقة هو دراسة الوضع الحالي (As-Is) لدولتنا السودانية الحديثة منذ بدايات التأسيس وتحليله عِلمياً وفقاً لمناهج التحليل المُتعارف والمُتفق عليها وبحَياد بعيداً عن أي ظِلال أو مُيول أياً كانت وهو ما سيقودنا مباشرةً إلي الوضع المستقبلي (To-be) المنشود منا جميعاً أَنْ كيف نبني أمة سودانية مُوحدة في دولة سودانية واحدة.
لقد تَغَشّت دولتنا السودانية الحديثة منذ تأسيسها غاشيات عديدة عصفت بها حين غادرها جنوبنا الحبيب مُختاراً لإستقلاله بعد أطول صراع أهلي دموي (56 عام تقريباً) شهدته قارة إفريقيا بدأ في توريت من العام 1955 وإنتهي في يوليو 2012 بل ومُرشح لأن يستمر صِراعاً بين دولتين كانتا يوماً ما دولة واحدة بسبب منطقة أبيي ومناطق حُدودية أخري لم يتم حسمها بعد.
رغم تزامُن صراعاتنا الدموية في جنُوبِيِّنا وغرِبيِّنا لفترة لا تقل عن ثمانية سنوات هي تاريخ إندلاع الحرب في دارفور غربي البلاد من العام 2003 وإستقلال جنوبِيِّها في العام 2011 وما تلاها وصاحبها من حُروب في جنوبِي كردفان والنيل الأزرق إلا أن الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة السودانية تبدو حائرة من غير إعتراف أمين بحيرتها من الإجابة علي السؤال الماثل أمامنا الآن وبعد إنقضاء سِت عقود ونيف وهو لِمهْ كل هذا الكَمْ والكَيْف من الصراعات والحروب ؟؟
لقد تعددت وتنوعت الصراعات والحروب في الدولة السودانية وإن إتفقت وتشابهت في بداياتها المطلبية التي لم تَتعدَ سقوف الفيدرالية أو الحكم الذاتي في جنوبِيِّنا أو التنمية المتوازنة في غربِيِّنا ورغم ذلك فإن ذات الذهنية العامة لذوي الصلة بإدارة بنيان وهياكل الدولة لم تنتبه لنوعٍ معروف من الحروب وهي الحرب الإقتصادية التي نشبت في شرقي البلاد (يوليو 2021) وما جَرّته عليها من مُهددات لوحدة الدولة والمشروع الفطري لبناء الأمة إلي جانب خسائر إقتصادية يصعب تعويضها علي المدي القريب..
لم ينحسر تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب ليقف مُصطدماً بحائط صَد يُعيد
ولو قليل من الرُشْد الوطني
لعُقول وقلوب وأوجدة وضمائر ساسة وقادة تِلكمُ الصراعات والحروب، فشهدنا عما يُعرف بظاهرة (الدروع) كدرع البطانة في الوسط ودرع الشمال في شمالِي البلاد وقوات أحزاب الشرق في شرقِيها، وأخيراً بِنُشوب حرب الخرطوم في الخامس عشر من أبريل 2023 بين من يُفترض أنهما عِماداً أساسياً لحائط الصد الوطني فبلغ وللأسف تعدُد وتنوُع الصراعات والحروب في الدولة السودانية مداهُ الأقصي، إن غياب حائط الصد من وجهة نظر الكاتب هو ما يشرح وبوضوح مدي الحاجَة إلي مشروع وطني لهندرة الدولة السودانية ..
إن هذا المقال وبمَدْخلِيَته في الطَرْح هو مجرد دعوة تَنافُس مُبرَّأ من أسقامِنا وعِلَلنِا التي أنهكت كل القوي السياسية والمدنية وبكل أطيافها وألوانها كيما تجترح حُلولاً ذات صلةٍ وثيقةٍ بما أُسميه بالواقع الأصيل للمجتمعات السودانية داخل الدولة وإمتداداتها أيضاً خارج الحدود، بالطبع فإن عملية إجتراح الحلول هذي لابد أن تتسم بصِدْقِية مُتناهية وعَقلٌية مّتفَتِحة لا تُصيبها أي دهشة عند إصطدامها بمطلوبات حائط الصد الذي نُريد ونشتهي لبقاء دَولتِنا كدولة ناهضة وناشدِة لتَحوُل مُجتمعاتها إلي أُمة مُوحدة واحدة، لذا تأتي وفي صدارة هذه المطلوبات هي التنازلات العظيمة عِظم التاريخ الطارف والتليد لحضارتنا المخبوءة تحت دُخَان صراعاتنا ولهيب شهواتنا ومن غير أُفٍ ولا شُحٍ بعيداً عن أي قَوْلبة عَقَدية يميناً كانت أم يساراً ..
خلال العامين 16-2017 شَرعنا وبِجد في بحثٍ مُضنٍِ بصُحبة أخيار من عُلماء وخُبراء السودان حول هذا الأمر الذي مضي وبحمد الله إلي نهاياته ولكن حالت أقدار الحراك السياسي المُضْطرب دون طرحِه رغم إعداد العُدة لذلك لأكثر من مرة، لكننا نأمل أن يكون قريباً مع الصُبح القادم بإذن الله جلا وعلا
mielmobashr@gmail.com