وداعاً شيخ المناضلين!

 


 

 

الفاضل حسن عوض الله

سطر جديد

 

          غيب الموت فجر أول أمس شيخ المناضلين وأحد فرسان البسالة السياسية في السودان الحاج مضوي محمد أحمد عن عمر يناهز الخامسة والتسعين. تفتحت أعيننا على هذا الشيخ الجسور وهو دوماً يتخير المركب الصعب والمقعد الخشن في مجابهة الأنظمة الشمولية العسكرية التي توالت على حكم السودان.

          مازلت أذكر ونحن أيفاع في السنة الأولى بجامعة الخرطوم بداية السبعينات، حينما كانت الجامعة توصف بواسطة قوى اليسار في شهر عسلها القصير مع مايو (بالجزيرة الرجعية في موج ثوري هادر).. في تلك الفترة كنا نمضي صوب دار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والتي كانت تنتظم فيها الندوات السياسية المناوئة للنظام المايوي. كان أبرز فرسان تلك الندوات شيخ المناضلين الحاج مضوي محمد أحمد إلى جانب الأستاذ/ أحمد خير المحامي. كان حاج مضوي ببساطة كلماته النابعة من الوجدان الحي للمواطن العادي قادراً على إقناع تلك الجموع من الطلاب الجامعيين ذوي العقول المستنيرة، وكان من المألوف أن يعتقل الإثنان فور خروجهما من الندوة ويرحلا إلى سجن كوبر.

          حاج مضوي عليه رحمة الله وبرغم صلابته وجسارته التي عُرف بها، إلا أنه كان يملك قلباً رقيقاً فياض العاطفة.. أذكر أنني كنت أجلس بجواره في حفل تأبين للراحلة السيدة/ سارا زوج السيد/ الصادق المهدي بمنزله، وتصادف أن تحدثت السيدة/ حفية حديثاً مؤثراً من القلب عن الراحلة سارا، فالتفت تجاه عمنا الحاج مضوي ووجدت عينيه تذرفان الدمع وهو يكفكفه بعبائته ولما لاحظ أنني لاحظت ذلك قال لي إن حديث السيدة/ حفية قد قطّع قلبه!

          كان الحاج مضوي وفياً للزعيم الأزهري ومبادئه لا يتزحزح عنها قيد أنملة وقد شقى بتمزق الحزب الإتحادي أكثر مما شقى بمجابهة الأنظمة الشمولية التي توالت على البلاد، وكان جُل همه توحيد الحزب على أسس المؤسسية والديمقراطية. كان هذا الهم هو فردوسه المفقود الذي ظل يركض وراءه بكل سنوات عمره الطوال لعشرات السنين. ولعل مما يدلل على إرتباط حاج مضوي بالأزهري ومبادئ الأزهري وحتى بيت الأزهري أنه هاتف أبناءه من تايلند التي توفي بها قبل أسبوع من وفاته مذكراً الأبناء أن يبعثوا بعضاً من ثمار مزرعته إلى منزل الرئيس إسماعيل الأزهري!!

          وداعاً شيخ المناضلين ونسأل الله لك الرحمة والمغفرة بقدر ما بذلت وبقدر ما قاتلت وبقدر ما جاهدت.

 

آراء