ورحل عقاب عبد الخالق محجوب ،، وداعاً منصور محمد خير !!

 


 

 

 

 

* تمام الثانية في ظهيرة هذا اليوم ثاني أيام رمضان الفضيل، يفاجئنا القدر برحيل حبيبنا منصور محمد خير، هكذا فجأة يرحل، دونما مقدمات أو تمهيد لرحيل أبدي، يخرج من منزله العتيق الكائن بحي الموردة أم درمان والمواجه لخور أبعنجة قصاد مدرسة المؤتمر الثانوية، كان ذلك تمام الواحدة ظهراً، تلاحظ شلته الجالسة أمام دكان الغسال بالحي وكأنه يترنح بينما هو قادم نحوهم!، هنيهة ويزداد عدم انتظام مشيته، برهة أخرى فيخر منصور على الأرض دون حراك، فيهرعون إليه، يتم حمله على عجل لمستشفى أم درمان، ليفارق الحياة بعد وصوله بدقائق معدودات!.
* هكذا وببساطة ودنما أي مقدمات يرحل ويتلاشى للأبد منصور محمد خير!. فتتلاشى ملامح جيل كامل وينهد ركن عزيز بمدينة أم درمان، وهو الذي كان يشغلها طولاً وعرضاً، سيما حي الموردة الذي ترعرع فيه ونشأ بين حواريه وأزقته وسوقه المتواضع، سيما أنه سليل أسرة ممتدة ومعروفة، حيث خيلانه كل من المطربين الكبيرين إبراهيم عبد الجليل والتوم شقيقه.
* في إحدى حراسات القسم الجنوبي بأم درمان يجد الصبي الذي لم يكمل المرحلة الابتدائية نفسه معتقلاً مع مجموعة من شيوعيي أم درمان، فيهم المحامي وفيهم المعلم والمهندس والطالب الجامعي، تهمتهم كانت كتابة شعارات على الجدران، بينما كانت تهمة الصبي مشاجرة في الطريق العام باعتباره أحد فتوات حي الموردة !.
* وهكذا يضع منصور محمد خير أولى خطواته في طريق الانتماء للحزب الشيوعي السوداني بعدما تعمقت علاقاته مع أولئك النفر الذين تعرف بهم داخل تلك الحراسة!.
* وبحكم تفتح ذهنه الوقاد واستعداده الفطري للتعليم، ينهل منصور من إمكانيات الحزب المتوفرة عبر مدارس الكادر والمحاضرات والدروس المكثفة في شتى ضروب المعرفة والوعي، ليصبح مثقفاً ثورياً في غضون فترة بسيطة بل وليضحي مثقفاً عضوياً عن حق وحقيقة، لتسند له مهاماً حزبية في العمل الجماهيري بمدينة أم درمان، برفقة عدد من كادر حزبي فطن ومدرب على أعباء العمل وسط الجماهير حيثما وجدت تلك الجماهير، من أمثال الراحل حسن شمت ورهط عزيز من مناضلي مدينة أم درمان في تلك الفترة.
* يساهم منصور معهم في جلً معارك الحزب، سيما فترة حله عام 1965 ثم الحملة الانتخابية للشهيد عبد الخالق محجوب والتي خاضها وفاز فيها بمقعد داخل الجمعية التأسيسية عام 1968 كنائب برلماني عن الدائرة الجنوبية الشهيرة بأم درمان.
* فضلاً عن التكليف الحزبي الذي أسند للراحل كمسؤول أول عن فريق الحماية للشهيد عبد الخالق في تلك الفترة، حيث تحول إلى أحد أخلص أصدقائه المقربين فيما بعد.
* تعرفنا عليه وعلى أولئك الشيوعيين والديمقراطيين القدامى باكراً ونحن في مراحل الدراسة الثانوية، وسعدنا بمؤانساته الشيقة بمنزله الذي أسسنا فيه فيما بعد جماعة تهتم بالتوثيق لنساء ورجال أم درمان، وحسناً أنجزنا معه هو نفسه تسجيلاً كاملاً لسيرته الذاتية ومسيرته الحزبية التي أبلى فيها بأشكال مدهشة، خاصة قصته التي لا يمل روايتها حينما تم تكليفه "كغواص" داخل تكتل الانقساميين عن الحزب عام 1970 ومعاناته التي تركت أثراً نفسياً عليه فيما بعد!.
* وعلى المستوى الشخصي لن ننس له مدنا بأيادي المساعدة السخية عبر سفرين من أعمالنا الكتابية المتواضعة، الأولى عندما استصحبناه في كتابنا " الهجوم على حلة الشيوعيين" والذي قدم لنا فيه إفادات جمة حول وقائع حلً الحزب الشيوعي والهجوم البربري من قبل الانصار والاتحاديين والأخوان المسلمين على دور الحزب بالعاصمة وكيفية تصدي عضوات وأعضاء الحزب وأصدقائهم لذلك الهجوم وصده!.
* ثم استصحابناه له مرة أخرى في كتابنا "ملهمات" والذي تولى لأجل إنجازه مهمة أقناع غالبية أسر ملهمات حي الموردة للتعاون معنا وسهل لنا بالتالي إمكانية تلقي الافادات الجمة من تلك الأسر والملهمات!.
* يكثر الحديث عن مآثر إنسان نادر الصفات والمواقف الانسانية كمنصور محمد خير، الذي يعد رحيله بمثابة آخر عقاب للذين صادقوا ولازموا الشهيد عبد الخالق محجوب، فلم يتبق منهم سوى القليل أمد الله في أعمارهم.
* لك الرحمة والمغفرة يا صديقنا العزيز منصور ولترقد روحك بسلام بعد أن أديت واجبك الوطني تجاه شعبك ووطنك وحزبك ،، فنم قرير العين يا رفيق.

hassanelgizuli@yahoo.com

 

آراء