وصايا مالك عقار لعقول خاملة

 


 

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن
في أبيات للشاعر "عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي" الذي عاش في القرن السابع الميلادي، و قد صارت أبياته من الحكم التي توصف بها حالات العجز و و الانكسار في قوم عطلوا عقولهم، و رفضوا سماع اراء الأخرين، حتى تحكم فيهم العجز و الفشل.. يقول في الوصف
لقد اسمعت لو ناديت حيا و لكن لا حياة لمن تنادي
و لو نار نفخت بها أضاءت و لكن أنت تنفخ في رماد
أن طول فترة النظم الشمولية في السودان، كان لها أثرا سالبا في عملية التربية السياسية، و أيضا في صعود قيادات لا تعرف عن السياسة إلا كلمة الطاعة العمياء و الولاء، بهدف تحقيق مصالح خاصة، و النظم الشمولية و اعتمادها على المؤسسات القمعية في الحفاظ على النظام، جعلتها تشن حربا ضروسا على الأحزاب السياسية و تقليم أظافرها، و مطاردة قياداتها الوطنية الواعية، و المدركة لدورها السياسي في تحقيق أهدافها التي تتمثل في الحرية و المشاركة الجماهيرية الفاعلة في مؤسسات الدولة و صناعة القرار، هذه الدعوة تتطلب اتساع المعرفة و الفكر و الإيمان بدور الجماهير في عملية التغيير... طول فترة القمع و المطاردة أدت إلي صعود قيادات في قمة الأحزاب متواضعة القدرات.. و قيادات أيضا صعدت إلي الوظائف الدستورية هي لا تملك من الخبرة " شروى نقير" لا في الخدمة المدنية و لا في السياسة و لا في الشأن الاجتماعي و لا في الرياضة.. هؤلاء قد صعد بعضهم النسب و ليس غيره فكان السقوط حتما يحدث.
أن تقديم مالك عقار وصايا لقيادات ظلت جالسة أمام أبواب السلطان، فقط تنتقد قوى أخرى، في الوقت الذي هي عاجزة أن تفعل مثلهم في النشاط و الحركة، هو بمثابة نقد لين العريكة لسامعه، و هؤلاء لا يرغبون في النقد لأنه يعري أجندتهم. و قد طالبهم عقار أيضا بالذهاب و الجلوس لكي يتفقوا على الحد الأدني، الشيء الذي يؤهلهم أن يقدموا رؤاهم للخارج، كما تفعل "قحت المركزي" و التي تحولت إلي " تقدم" و لم يكتف بالمطالبة فقط للاتفاق، بل اعلن أنه سوف يدعم حركتهم للطواف بالخارج كما تفعل " تقدم" لكن هل هؤلاء بالفعل قد لا يستبين لهم النصح كما قال الشاعر ( أمرتكم أمري بمنعرج اللوى --- فلم تستبينوا النصح إلا ضحى الغد) هؤلاء لا يريدون نصحا، و لا يريدون وصايا، هؤلاء يريدون وظائف قيادية هي التي تجمعهم و تفرقهم، هؤلاء درجوا أن يكونوا دائما في الصفوف الخلفية لآن مقدراتهم لا تساعدهم أن يكونوا في المقدمة، لذلك يحجزون الصفوف الخلفية التي لا تتطلب منهم إلا حناجر قوية تظهر قوة كل واحد منهم في الهتاف لعلها تشف له عند الذي يقوم بدور التوظيف...
أن الذهاب من أجل الاتفاق على الحد الأدني، يتطلب معرفة بالهدف المطلوب تحقيقه و الاتفاق عليه.. و هل المطلوب العمل على وقف الحرب عبر التفاوض و الوصول لتسوية، أم أنتصار للجيش و تغيير في كل المعادلة السياسية في البلاد؟..أم السعي فقط من أجل تشكيل حكومة تصريف أعمال و الدعوة للمشاركة فيها. و هل هؤلاء لو كان لهم علم بمصطلح الحد الأدني كانوا جاءوا يطرقون أبواب السلطان؟.. أن النخب السياسية التي صنعت أثناء حكم الإنقاذ و بعد الثورة ديسمبر هؤلاء وجهتهم واحدة المحاصصات بأي تكلفة و أي ثمن..
قال عقار لجمع من السياسيين جاءوا من أجل التمسح على ثياب السلطان من أجل السلطة، أننا لا نيريد التصفيق و الهتاف، و لكن نيريد العمل، فقط أن تذهبوا تتفقوا على الحد الأدني،..ألا يعلم عقار أن المصالح الذاتية تحتم على هؤلاء أن لا يكون لهم علم بالحد الأدني و لا هم يطالبون بالحد الأدني.. هؤلاء دائما يسخروا انفسهم لخدمة السلطة لكي يحتلوا الأعلى في وظائف الدولة، فالرجاء يا عقار لا تشمت بهم الأعداء، أطلب منهم التصفيق تجدهم أفضل الناس فيه.. أطلب منهم الهتاف تجدهم قد جهزوا حناجرهم، لكن أن تطالبهم برؤية سياسية و مشروع سياسي لماذا هذا العداء و العمل على فضحهم.
أن المعادلة السياسية التي صنعت بعد ثورة دبسمبر 2018م إذا لم تتغيير بدخول عناصر جديدة من الشباب الواعي، و القادر على حمل المسؤولية و تقديم أجندة الوطن على الأجندات الأخرى، ستظل البلاد تنزف من الحروب و النزاعات.. السودان يحتاج لفكر يتجاوز كل تراكمات الفشل السابقة.. يحتاج لثقافة سياسية جديدة تتجاوز كل مرارات الماضي و رواسب الصراع الأيديولوجي العقيم.. عقليات جديدة قادرة أن تحدث أختراقات في جدار الأزمة.. نسأل الله حسن البصير.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////

 

آراء