وضاع آدم عندما اختفت حواء!!
بقوة الأمر الواقع الكوروني، تحولت البيوت، ومن ضمنها بيت آدم وحواء، إلى سجون كورونية كئيبة، أصبح الزوجان آدم وحواء يعملان من داخل المنزل حسب الإجراءات الاحترازية الرسمية المطبقة، خيمت على المنزل أجواء الملل والصمت المفعم بالتوتر والقلق، ومن وقتٍ لآخر، كان آدم يفتعل مناوشات مع حواء، كانت تلك المناوشات بلا معنى ويبدو أنها كانت تنشأ نتيجة للضغط الكوروني فقط لا غير، في ذلك اليوم وبعد انتهاء دوام العمل المنزلي الروتيني الرتيب، شعر آدم بانحراف مزاجي حاد وبغضب متصاعد دون وجود أي سبب واضح على الإطلاق، اشتبك آدم مع حواء في نقاش عبثي حول لا شيء، ثم لاذ بعدها بالصمت العميق، شعر آدم في قرارة نفسه أنه أخطأ بشدة في حق حواء وصاح فيه ضميره طالباً منه الاعتذار لها، لكنه، وكالمعتاد، غير رأيه في آخر لحظة ومارس هوايته المفضلة في ركوب الرأس وممارسة العناد الذكوري ورفض الاعتذار لحواء، وعندما أرخى الليل سدوله، ارتمى آدم على السرير إلى جوار حواء، أدار لها ظهره، ووضع رأسه على إحدى يديه ثم واجه الحائط وراح يلعن كورونا ويلعن حواء ويلعن نفسه وهو يغمغم بشتيمته المفضلة وما لبث أن شعر بالنعاس ثم راح في سبات عميق!!
فجأة ودون أي مقدمات ودون أي سابق إنذار، اختفت كل النساء والفتيات من كل المجتمعات البشرية في كافة أنحاء الكرة الأرضية، حتى دمى الفتيات مثل باربي وفلة اختفت من رفوف محلات ألعاب الأطفال ولم يعد هناك وجود لأي تجسيد أو رمز لأي كائن أنثوي وكأنما انشقت الأرض وابتلعت الجنس اللطيف بأسره فلم يبق على ظهرها سوى رجال تقطعت بهم السبل العاطفية بعد أن فقدوا حبيباتهم، امهاتهم، اخواتهم، زوجاتهم وبناتهم، وراحوا يحاولون استعادة رجولة فقدت معناها عند اختفاء كل الأنوثة بكامل عطائها اللامحدود!!
عندما اختفت حواء، حينما تلاشى النصف الحلو، أخذت تداعيات اختفائه تتوالى بشكل مروع أمام عينيّ آدم وأمام عيون جميع الرجال، اختفت كل الفنون الجميلة، فقد اضرب الفنانون عن الابداع الذي لا تحركه إلا طاقة الأنوثة الخلاقة، اختفى الشعر، الغناء، والرقص، فلا موسيقى ولا إيقاع بلا نساء، تم إغلاق المسارح ودور السينما والمتاحف والمعارض الفنية إلى أجل غير مسمى فلا متعة فنية ولا متعة بصرية بلا نساء!! حينما توارت القوة الشرائية النسائية العظمى تدهور الاقتصاد العالمي الذكوري وأفلست جميع الدول بشكل مفاجئ فقد اختفت محلات العطور والورود، محلات الأزياء والملابس النسائية، أدوات الزينة، محلات الكوافير، محلات المشغولات الذهبية والمجوهرات وتم اقفال عيادات التجميل وأعلنت شركات الاتصالات إفلاسها في جميع أرجاء العالم فقد فقدت كل الخطوط الهاتفية حرارتها منذ الإعلان المأساوي المريع عن الاختفاء الانثوي الكبير!! أصبحت نشرات الأخبار الذكورية كريهة الملامح بعد اختفاء الوجوه الانثوية للمذيعات المتأنقات اللائي كن يلطفن الأجواء بابتسامات حلوة تضفي جمالاً أخاذاً حتى على الأخبار القبيحة في النشرات الإخبارية وتجعل كل سحابة تمطر فرحاً في النشرات الجوية!!
اختفت تاء التأنيث، فتلاشت الابتسامة، انعدمت الضحكة واندثرت القهقهة وانسحبت البهجة واختفت في جهة غير معلومة، وعندها أدرك آدم وفهم جميع الرجال أن الحياة نفسها التي يتعلق بها الجميع عبارة عن أنثى وأن الموت الذي لا يحبه أحد ويهرب منه الجميع عبارة عن ذكر!!
عندما اختفت أجمل مخلوقات الدنيا، عندما اختفت النساء وتلاشت آخر معالم المرأة من الحياة، اختفت مشاعر الحب والشوق، انقرضت ظاهرة الخطوبات والأعراس، تلاشت المؤسسة الزوجية العريقة وانقرضت مشاعر الأمومة والأبوة والأخوة والبنوة وتم إقفال مستشفيات الولادة وأصبح جنس الرجال بأكمله مهدداً بالانقراض بعد أن اكتشف الرجال حقيقة بديهية وهي أن الرجل نفسه مجرد انتاج نسائي ولا يمكن إعادة انتاجه بأي وسيلة علمية بديلة، وعندها أدرك الرجال عدم صدق المقولة التي مفادها أن المرأة نصف المجتمع حينما أيقنوا أن المرأة تساوي كل المجتمع وفقاً لقواعد الحساب والمنطق التي لا تعرف المجاملات!!
اكتشف آدم واكتشف جميع الرجال، لكن بعد فوات الأوان، أن معادلة الحياة لا يُمكن وزنها أبداً من دون المرأة وأن أي تصور لخلاف ذلك ينطوي على ضيق أفق وقصر نظر ذكوري بالغ، ندم كل الرجال على سياسة ازدواجية المعايير التي كانوا يتعاملون بها مع النساء حينما كانوا يحترمون الأمهات، الزوجات، الأخوات والبنات ويبتذلون سائر النساء الأخريات وكأنهن بلا أبناء أو أزواج أو إخوان أو آباء!! تمنى كل الرجال إعادة عقارب الساعة إلى الوراء حتى يقوموا برد الحقوق التي نهبوها من النساء، تمنى آدم أن تعود حواء من جديد حتى يعتذر لها ألف مرة عن كل الحماقات الآدمية الفظيعة التي ارتكبها في حقها، لكن المفاجأة القاسية الكبرى جاءت مسرعة نحو جميع الرجال مصحوبة بتباشير النهاية المروعة فحتى قارات العالم التي لم يكن معظم الرجال يعرفون أنها إناث جيولوجية وأنها تحمل أسماءً أنثوية في كل اللغات، حتى أفريقيا، آسيا، أوربا، أمريكا الشمالية، أمريكا الجنوبية واستراليا، بدأت بدورها في التلاشي والاختفاء التدريجي في أعماق المحيطات تضامناً مع الاختفاء الأنثوي الكبير، وشيئاً فشيئاً بدأت الحياة في الانقراض لا بسبب السلاح النووي أو المجاعات العالمية أو أنفلونزا الطيور أو أنفلونزا الخنازير أو كورونا بل بسبب اختفاء حواء فقط لا غير!!
شعر آدم بفزع هائل ورعب مطلق، أطلق صيحة عالية: لا لا، لا لا!! وعندها شعر بيد حانية تهزه برفق، فتح عينيه، ووجد حواء تنظر إلى بحنو بالغ وشفقة شديدة وتسأله بقلق بالغ: قل بسم الله!! قل بسم الله!! هل حلمت مرة أخرى بالسقوط من المكان العالي أم ماذا؟! فرك آدم عينيه وتلفت يمنةً ويسرةً وبلع ريقه مرتين حتى يتأكد من توفر الوجود الأنثوي الجميل ثم أطلق أطول تنهيدة بعد أن شعر بأعمق راحة في حياته ثم قال لها كاذباً: نعم يا حواء لو لم توقظيني الآن لسقطت على رأسي من قمة أعلى جبل في العالم!! لكن آدم أيقن في قرارة نفسه أن كل الأحلام، بما في ذلك أحلام السقوط من الأماكن العالية، هي أحلام سعيدة طالما بقيت حواء موجودة وأن أفظع كابوس في العالم هو كابوس اختفاء حواء!!
فيصل الدابي/المحامي
menfaszo1@gmail.com