من لم تنتابه حالة حزن يوم أمس فليراجع محبته للسودان!!.إذا كانت للسياسية أقدارها وللتاريخ أحكامه فإن لعواطفنا دفقا لا تحدده اتجاهات السياسية ولا حساباتها الباردة. بدأتُ يومي وأنا ممزق الضمير ودواخلي مثقلة بغيوم حزن لا أعرف كنهها. وطني يتمزق وليس بيدى ما يوقف تشظيه. وطن لم نقدر على صون وحدته ولا محتملين تشظيه، فكيف لا تنتابنا هذه الحالة من التشظي والتوهان العاطفي؟!.
اليوم غادر جزء من السودان شواطئ وطنه وأبحر تجاه مستقبله الخاص، ولا يسعنا إلا رفع أيدينا ملوحين له بالوداع، متمنين له الوصول لبر آمن يختاره ويحدد فيه خياراته، آملين أن نرى شعب الجنوب أكثر استقرارا وازدهارا.
في ذات الأمس ننظر لسوداننا الجديد، ليتجدد أملنا في بناء نهضته وصنع استقراره، فلقد قضينا من الوقت ما يكفي في الاحتراب. ستون عاما أليست كافية؟. بعد الأمس إلى أي أفق نسير، وما هي علاماتنا الهادية، وأي الطرق سنسلك لنبلغ أماننا النهائي، لنعبر لآمالنا وتطلعات شعبنا؟. نقول للنخبة الحاكمة والمعارضة قد أوصلتم البلاد إلى ما وصلت إليه، وطويت مرحلة في تاريخ السودان بخيرها وشرها، الآن ماذا أنتم فاعلون؟. الشعب سيلتفت لما ستفعلونه لا إلى ما ستقولون. الشعب بانتظار قيم جديدة وأفكار جديدة، لم يعد ممكنا الانتظار، كما لم يعد ممكنا الدوران في لعبة الصراع السياسى المفرغة التي أدمنتموها منذ الاستقلال. الآن، هل لديكم ما تقدمونه للأجيال الجديدة, للسودان الجديد؟, أخشى ما أخشاه أن تهطل علينا وعود لا يتبعها عمل، وأخشى أن نجد أنفسنا في ذات السكة, سكة التية لخمسين عاما أخرى.
ينتظرنا طريق طويل لنحدث التغيير اللازم في بلادنا وشرطه الأهم أن نغيِّر من أنفسنا, نغيِّر طرائقنا السخيفة في صراعنا السياسي المتبلد, نحتاج أن نكون أكثر إبداعاً في إنتاح الحلول اللازمة لأزماتنا المزمنة. نحتاج أن نكون أكثر تسامحا مع بعضنا وأكثر تعاضدا لبناء وطننا. الفرصة بيدي النخبة الحاكمة الآن لتصنع التغيير بيدها قبل أن يفرض عليها وبيد النخبة المعارضة أن تسهم في التغيير قبل أن يتخطاها التاريخ، ولهم في معارضة مصر المهترئة عبرة, فلما جاءها التغيير من عالم افتراضي وجدهم في حالة غيبوبة فعجزوا في أن يتعاملوا مع الثورة، فطفقوا (يتلهوجون) لا عرفوا كيف يقودون الثورة ولا تركوها تمضي لشأنها، فكانوا ولا زالوا كوابح للتغيير، بدلاً عن أن يكونوا قادته!!