التقيت في أديس أببا بمسئول العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم (الجبهة الشعبية الثورية الديموقراطي، أو ما تسمى إختصارا، إي بي آر دي إف) محمد سيتين حسين، عمره ثلاثون عاما فقط لا غير. خريج علوم سياسية وعلاقات دولية من جامعة أببا وبدأ حياته السياسية فور تخرجه في شعبة العلاقات الخارجية في الحزب الحاكم، ونبغ وتفوق، فلما جاء أوان التغيير تقلد الموقع بكل سلاسة.
التقيته المرة الأولى في قطاع الشباب ضمن زيارة تم التنسيق لها بواسطة السفارة السودانية للدكتور شوقار بشار رئيس الإتحاد الوطني للشباب السوداني وصادف وجودي هناك وطُلب مني مرافقة شوقار والأستاذ عوض حسن الذي انتقل حاليا إلى الأمانة العامة لمجلس الشباب العربي والأفريقي بالخرطوم.
كنت أظن أن محمد سيتين ضمن قطاع الشباب ولكنه حضر بغرض التنسيق بين الشباب هنا وهناك لأن مسئوليته هي العلاقات الخرجية، انظروا إلى دقة الترتيب والتنظيم!
إبان المؤتمر العام الرابع للمؤتمر الوطني حضر سيتين وعرفني بوصفه فاحترت في صدقية التحول الإثيوبي في اسناد الموقع للشباب وليس فقط أمانات الشباب والإعلام، والشئون الإجتماعية، ليس فقط في مهام تنفيذية محدودة ومقيدة، ولكن الشباب يقتربون الآن من مركز صناعة القرار هذا إن لم يكن قد دخلوه..!
من النادر جدا أن أقوم بإجراء حوارات وغالبا ما أفضل هضم كل المعلومات وتحليلها لتساعدني على كتابة مقال، ولكن بعد نصف ساعة نقاش مع محمد سيتين وجدت نفسي أتعمق معه في النقاش عن التجربة الإثيوبية وتاريخ النضال والتحدي الذي مثل أمامهم حتى تجاوزوه بإختيار التوجه الذي يقود إثيوبيا حاليا "الدولة التنموية" وهي دولة ذات منهج إقتصادي يجمع بين الحرية وتدخل الدولة وسيطرتها على بعض القطاعات. بمعنى انه منهج هجين بين الرأسمالية والإشتراكية ولكنه هذه ليست النقطة ... النقطة الحقيقية أين تتدخل الدولة؟ وأين تنحسر؟ وهل التدخل للأبد أم أنه مرحلي ومؤقت؟ كل شيء محسوب بدقة!
الدولة التنموية تختلف عن الهجين الآخر المعروف بإقتصاد السوق الإشتراكي، وهو منهج يجمع بين إقتصاد السوق والإقتصاد الإشتراكي. وتختلف أيضا عن نظريات الإقتصاد التعاوني والقصة تطول.
أجريت حوارا مع محمد سيتين وهو يصغرني بنحو عشر سنين لأنني أدركت أن الحوار معه مفيد للقراء الكرام، خاصة الشباب السوداني، وقد وجهت إليه ثلاثة أسئلة وأنا في إنتظار الأجوبة.
التحية له ... وأتمنى أن يحضر للسودان ليلتقي بالشباب السوداني ليتعرفوا على تجربة حقيقية في الإنتقال من جيل إلى جيل.
النقاشات السابقة التي خضتها مع المناضل المعتق آبادي زامو سفير إثيوبيا بالسودان كانت تتناول ذات الأمور وتطرقت إلى ذلكم الصراع التاريخي الذي ذكرت، ورحلة البحث عن المنهج بعده، وكنت أظن أن هذه المعلومات حكر على جيل الحرس القديم من جيل زامو، وأصدقاؤه في السودان، الفاتح عروة وعثمان السيد، وأحمد البدوي، ... ولكن سيتين وجدته حاضر بذات المعلومات عن صراع لم يشهده أو كان عمره وقتها ثمان سنوات، وهذا يعني أن الأجيال ورثت الثقافية الحزبية الداخلية، نقطة نقطة، وشولة شولة، مع الثمرات التي توصل إليها الكبار، ثمرة، ثمرة!