ولن يُتقبّل من أحدهما
عمر العمر
25 April, 2024
25 April, 2024
بقلم عمر العمر
عقليتا دعاة الحرب وأنصار السلام تفتّقت مع اشتباك إبني آدم البكرين. فحينما تمسك هابيل بالسلم والتسامح (ما أنا ببساط يدي إليك لأقتلك )تجاه فض الاشتباك ذهب قابيل إلى العنف(فطوعت له نفسه قتل أخيه،فقتله فأصبح من الخاسرين).هكذا اكتسى موقف الديمقراطيات الأوربية تجاه تنامي قوة هتلر وغطرسته بالتسامح والصبر . إذ توهمت ارتضاء قضمه مناطق حدودية أفضل من مواجهته. لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان أن التسامح أسوأ الخيارات رغم جماليته الفاضلة .ففي مواسم الحسابات الخاطئة في الظروف غير المواتية يفضي التسامح حتما إلى تسمين عدم التسامح فيتجاوز إحماء بؤر التوتر إلى إشعال الحرب . أقصوصة هابيل وقابيل تؤكد توقد الحرب في النفوس والرؤوس قبل استخدام الفؤوس.قليلٌ من يقرأ التاريخ ليتعلم صناعة المستقبل!
*****
الحرب بمفهومها العدواني انتاج قبلي.بينما المؤسسة العسكرية إحدى مفردات الدولة الحديثة .رغم تطور الدول وشعوبها إلا أنها ظلت أسيرة العنف القبلي المشوب بخيوط الهمجية. فكما في حربنا الراهنة الخاسرة تقيس أطرافها حسابات النصر والهزيمة بما ألحقت من تدمير وتخسير في الجانب المقابل،بمافي ذلك منشآت المجتمع ومصادر ثرواته. لا أحد يلتفت إلى الخسائر الاجتماعية الفادحة على كاهل الأجيال المثقلة بعذاباتها من سن الحبو إلى مرحلة التوكؤ. هذا حال عجزنا الفاضح عن تدبر الأمور. فحدودة حميدتي ليست سوى بنات العنف القبلي. كما سيرة الدعم السريع هي إحدى فصول تشحيم اللاتسامح.
*****
في فجر ثورتنا البازخ بعتادها السلمي راهنا على استبدال الثكنات في مدننا الكبرى بمؤسسات التنوير والتطبيب،لكن في سياق التوغل في الحسابات الخاطئة لجهة حماقات مواجهة العنف بالعنف المضاد استبدلنا معسكرات العنف القبلي بالحدائق والميادين العامة.ما أدرك أشباه الساسة وأنصاف المثقفين أن العنف يولّد العنف ولا يزيد العقد إلا تعقيدا. لم يلهمنا مفكر من بيننا ان اليابان والمانيا خرجتا من تحت أنقاض الحرب الماحقة قوتين مهابتين دون اللجوء إلى العنف أوحمل السلاح.كما لم يذكرنا أحد متصدري الشاشات البلورية أن الاتحاد السوفياتي انهار ومستودعاته مكدسة بشتى صنوف الأسلحة المدمرة.
*****
ربما في سيرة البرهان وحميدتي ملمحٌ من أقصوصة هابيل وقابيل على قدر ما فيها بينهما من جهة وبين المؤتمر الوطني من الوجهة المقابلة. كلاهما يشوبهما غير قليل من التسامح المفضي إلى اللاتسامح.كلاهما رواية هزلية عامرة بالسذاجة حد الغفلة.فحميدتي ينطبق عليه قول الراحل جعفر بخيت في حق جعفر نميري بلسان الحزب الاسلامي(ذلك صنم صنعناه بأيدينا ).فهو صنيعة المؤتمر بشقيه السابق واللاحق.والبرهان هو وريث المؤتمر الشرعي بينما الآخر ابنه العاق. كلاهما لم يسمعا نصيحة الرئيس الأميركي الرابع والثلاثين دوايت ديفيد ايزنهاور بجلوس أطراف الحرب إلى طاولة المفاوضات.حتما لم يقرأ أيهما تجربة المهاتما غاندي أو مارتين لوثر كينغ في نبذ العنف.
*****
كما خلص الفيلسوف الألماني جورج هيغل إلى(الدرس الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ). عديد من نخبنا نهضوا بدور حمالة الحطب وصبابة الزيت على نار الحرب.لكنهم لم يلتحقوا بفرقها وكتائبها!هم لم يتخذوا أياً من الموقفين من منطلقات أخلاقية.فالخيار الأخلاقي غير الملتبس تجاه حربنا الراهنة هو إعلاء نداء السلام.الوقوف ضد الحرب هو رفض للتدمير ، التعطيل،التشريد والتمزيق على الصعيد الوطني. الخميني كان أكثر وعيا بالدولة والشعب حينما تجرع (كأس سم السلام )لينهي حرب السنوات الثماني مع العراق رغم تمكن احساس الهزيمة منه.نحن صنعنا أعداءنا بأنفسنا من طينة عداواتنا مثلما أشعلنا الحرب بأيدينا.!
*****
تلك ليست سوى الخطيئة الأولى، إذ توغلنا في المستنقع حينما انهمكنا في محاولات تلبيس إزكاء الحرب القذرة كساءاً أخلاقيا برقع مهترئة فكرية أحيانا ووطنية أحايين. الحرب بيئة صالحة لكل الأوبئة الاجتماعية .فكما قال تولستوي (نحن نقاتل من دون ان نفكر ). الحرب بطبعها بيئة ملائمة لتفشي كل الأوبئة الاجتماعية.مركز القضية ليس من أطلق الرصاصة الأولى بل من دفع الشعب بأسره إلى درك العنف !فالحرب بدأت مع إندياح تبديد فرص السلم الاجتماعي بوسائط العنف المتباينة. ما من مصلح أو داعية حذرنا من دأب أثرياء الحرب على استنفار الفقراء بغية توسيع الحرب ثم استفرادهم باقتسام الغنائم قبل دفن جثث الضحايا!
*****
دعاة الحرب يلوحون - ياللمفارقة- بشعارات الكرامة الوطنية فوق انقاض المؤسسات العامة والخاصة .لكنهم لا يأبهون بكرامة المشردين في دوائر النزوح واللجوء في بيوت أو اوطان لا ينتمون إليها. كما هم غير مهمومين بعيون أطفال تعطلت لغة الإلفة بينهم بعيدا عن مراتع اللعب ومسالك المشاوير اليومية إلى المدارس .نعم أولئك وهؤلاء هاربون من الموت المجاني لكن أي عائد بخس يقبضون أو يترقبون مقابل الشعور بحياة مؤقتة في مكان بديل مؤقت ؟كلهم ضحايا هابيل وقابيل حيث أفضى التسامح إلى استعار اللاتسامح.ذلك كان خيار أشباه الساسة وانصاف المثقفين حينما اتخذوا مقاعد الفرجة تجاه تبديد السلم الإجتماعي بأيدي دولة التطرف والقمع.
*****
تبادل هابيلنا و قابيلنا تقديم القرابين باسم الوطن أحيانا والكرامة مرات والديمقراطية كثيرا والسلم غالبا.ولمّا يتقبل الشعب من أيهما.تبادل كل منهما دوري هابيل وقابيل .ولمّا يقتنع الشعب بأداء أي منهما.لدى الشعب باتت قناعة راسخة بأنهما ألقيانا معا في الجحيم .وأكثر من ذاك يقينا بأن أحدا منهما لن يعيدنا إلى فردوسنا المفقود.
aloomar@gmail.com
عقليتا دعاة الحرب وأنصار السلام تفتّقت مع اشتباك إبني آدم البكرين. فحينما تمسك هابيل بالسلم والتسامح (ما أنا ببساط يدي إليك لأقتلك )تجاه فض الاشتباك ذهب قابيل إلى العنف(فطوعت له نفسه قتل أخيه،فقتله فأصبح من الخاسرين).هكذا اكتسى موقف الديمقراطيات الأوربية تجاه تنامي قوة هتلر وغطرسته بالتسامح والصبر . إذ توهمت ارتضاء قضمه مناطق حدودية أفضل من مواجهته. لكنها اكتشفت بعد فوات الأوان أن التسامح أسوأ الخيارات رغم جماليته الفاضلة .ففي مواسم الحسابات الخاطئة في الظروف غير المواتية يفضي التسامح حتما إلى تسمين عدم التسامح فيتجاوز إحماء بؤر التوتر إلى إشعال الحرب . أقصوصة هابيل وقابيل تؤكد توقد الحرب في النفوس والرؤوس قبل استخدام الفؤوس.قليلٌ من يقرأ التاريخ ليتعلم صناعة المستقبل!
*****
الحرب بمفهومها العدواني انتاج قبلي.بينما المؤسسة العسكرية إحدى مفردات الدولة الحديثة .رغم تطور الدول وشعوبها إلا أنها ظلت أسيرة العنف القبلي المشوب بخيوط الهمجية. فكما في حربنا الراهنة الخاسرة تقيس أطرافها حسابات النصر والهزيمة بما ألحقت من تدمير وتخسير في الجانب المقابل،بمافي ذلك منشآت المجتمع ومصادر ثرواته. لا أحد يلتفت إلى الخسائر الاجتماعية الفادحة على كاهل الأجيال المثقلة بعذاباتها من سن الحبو إلى مرحلة التوكؤ. هذا حال عجزنا الفاضح عن تدبر الأمور. فحدودة حميدتي ليست سوى بنات العنف القبلي. كما سيرة الدعم السريع هي إحدى فصول تشحيم اللاتسامح.
*****
في فجر ثورتنا البازخ بعتادها السلمي راهنا على استبدال الثكنات في مدننا الكبرى بمؤسسات التنوير والتطبيب،لكن في سياق التوغل في الحسابات الخاطئة لجهة حماقات مواجهة العنف بالعنف المضاد استبدلنا معسكرات العنف القبلي بالحدائق والميادين العامة.ما أدرك أشباه الساسة وأنصاف المثقفين أن العنف يولّد العنف ولا يزيد العقد إلا تعقيدا. لم يلهمنا مفكر من بيننا ان اليابان والمانيا خرجتا من تحت أنقاض الحرب الماحقة قوتين مهابتين دون اللجوء إلى العنف أوحمل السلاح.كما لم يذكرنا أحد متصدري الشاشات البلورية أن الاتحاد السوفياتي انهار ومستودعاته مكدسة بشتى صنوف الأسلحة المدمرة.
*****
ربما في سيرة البرهان وحميدتي ملمحٌ من أقصوصة هابيل وقابيل على قدر ما فيها بينهما من جهة وبين المؤتمر الوطني من الوجهة المقابلة. كلاهما يشوبهما غير قليل من التسامح المفضي إلى اللاتسامح.كلاهما رواية هزلية عامرة بالسذاجة حد الغفلة.فحميدتي ينطبق عليه قول الراحل جعفر بخيت في حق جعفر نميري بلسان الحزب الاسلامي(ذلك صنم صنعناه بأيدينا ).فهو صنيعة المؤتمر بشقيه السابق واللاحق.والبرهان هو وريث المؤتمر الشرعي بينما الآخر ابنه العاق. كلاهما لم يسمعا نصيحة الرئيس الأميركي الرابع والثلاثين دوايت ديفيد ايزنهاور بجلوس أطراف الحرب إلى طاولة المفاوضات.حتما لم يقرأ أيهما تجربة المهاتما غاندي أو مارتين لوثر كينغ في نبذ العنف.
*****
كما خلص الفيلسوف الألماني جورج هيغل إلى(الدرس الوحيد الذي نتعلمه من التاريخ أن لا أحد يتعلم من التاريخ). عديد من نخبنا نهضوا بدور حمالة الحطب وصبابة الزيت على نار الحرب.لكنهم لم يلتحقوا بفرقها وكتائبها!هم لم يتخذوا أياً من الموقفين من منطلقات أخلاقية.فالخيار الأخلاقي غير الملتبس تجاه حربنا الراهنة هو إعلاء نداء السلام.الوقوف ضد الحرب هو رفض للتدمير ، التعطيل،التشريد والتمزيق على الصعيد الوطني. الخميني كان أكثر وعيا بالدولة والشعب حينما تجرع (كأس سم السلام )لينهي حرب السنوات الثماني مع العراق رغم تمكن احساس الهزيمة منه.نحن صنعنا أعداءنا بأنفسنا من طينة عداواتنا مثلما أشعلنا الحرب بأيدينا.!
*****
تلك ليست سوى الخطيئة الأولى، إذ توغلنا في المستنقع حينما انهمكنا في محاولات تلبيس إزكاء الحرب القذرة كساءاً أخلاقيا برقع مهترئة فكرية أحيانا ووطنية أحايين. الحرب بيئة صالحة لكل الأوبئة الاجتماعية .فكما قال تولستوي (نحن نقاتل من دون ان نفكر ). الحرب بطبعها بيئة ملائمة لتفشي كل الأوبئة الاجتماعية.مركز القضية ليس من أطلق الرصاصة الأولى بل من دفع الشعب بأسره إلى درك العنف !فالحرب بدأت مع إندياح تبديد فرص السلم الاجتماعي بوسائط العنف المتباينة. ما من مصلح أو داعية حذرنا من دأب أثرياء الحرب على استنفار الفقراء بغية توسيع الحرب ثم استفرادهم باقتسام الغنائم قبل دفن جثث الضحايا!
*****
دعاة الحرب يلوحون - ياللمفارقة- بشعارات الكرامة الوطنية فوق انقاض المؤسسات العامة والخاصة .لكنهم لا يأبهون بكرامة المشردين في دوائر النزوح واللجوء في بيوت أو اوطان لا ينتمون إليها. كما هم غير مهمومين بعيون أطفال تعطلت لغة الإلفة بينهم بعيدا عن مراتع اللعب ومسالك المشاوير اليومية إلى المدارس .نعم أولئك وهؤلاء هاربون من الموت المجاني لكن أي عائد بخس يقبضون أو يترقبون مقابل الشعور بحياة مؤقتة في مكان بديل مؤقت ؟كلهم ضحايا هابيل وقابيل حيث أفضى التسامح إلى استعار اللاتسامح.ذلك كان خيار أشباه الساسة وانصاف المثقفين حينما اتخذوا مقاعد الفرجة تجاه تبديد السلم الإجتماعي بأيدي دولة التطرف والقمع.
*****
تبادل هابيلنا و قابيلنا تقديم القرابين باسم الوطن أحيانا والكرامة مرات والديمقراطية كثيرا والسلم غالبا.ولمّا يتقبل الشعب من أيهما.تبادل كل منهما دوري هابيل وقابيل .ولمّا يقتنع الشعب بأداء أي منهما.لدى الشعب باتت قناعة راسخة بأنهما ألقيانا معا في الجحيم .وأكثر من ذاك يقينا بأن أحدا منهما لن يعيدنا إلى فردوسنا المفقود.
aloomar@gmail.com