وما أدراك ما عرمان !! 2-2
ويهددنا عرمان في بيانه بقوله (إن الدستور الحالي والمواثيق الدولية تضع أصحاب «الإنتباهة» عاجلاً أم آجلاً تحت طائلة المساءلة القانونية)!!
تذكروا أن من يقول هذا الكلام رجلٌ تنكر لبني جلدته وأهلِه والتحق بأعدائهم وهل من عدو للشمال وشعبه أكبر من الحركة والجيش الشعبي الذي قتل عدداً كبيراً من خيرة أبناء السودان الشمالي وعباقرته؟! ألم يكن عرمان بين صفوف الجيش الشعبي.. حمل البندقية وقاتل الشمال وشعبه؟! ألم يبدأ عرمان مسيرة الدماء والدموع منذ مقتل الشهيدَين الأقرع وبلل وهو لما يزل طالباً في الجامعة التي فرّ منها ودخل الغابة ليُكمل مسيرة القتل والتدمير التي حفلت بها حياتُه المجلّلة بالخزي والعار؟!.
رجلٌ كهذا يهددنا بالقانون الذي قال إنه سيطول «الإنتباهة» ذات يوم ولست أدري أين مولانا أحمد إبراهيم الطاهر والأستاذ هاشم أبو بكر الجعلي اللذان توليا الاتهام في قضية الشهيدَين الأقرع وبلل ليكملا مشوارهما ويُخضعا المجرمين والقَتَلَة لسلطان القانون؟!.
على كلٍّ فقد تذكرتُ حين قرأت تهديد عرمان بيت الشاعر جرير وهو يسخر من الفرزدق ويقول:
زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً
فابشر بطول سلامة يا مربع
إن معركتنا مع عرمان لم تنتهِ بعد حتى ونحن نشهد نهايته الأليمة وهو يُركل إلى قارعة الطريق وتملأ الحسرةُ قلبَه ويُقذف به في مزبلة التاريخ شأن كل عميل يتنكّر لأمته وينحاز إلى أعدائها، ولو درى الرجل مقدار الحقد الذي يكنُّه عليه من أهدر عمره في خدمتهم لازدادت حسرتُه على ضياع عمره سُدى ولَعلم أن ذلك هو مصير من يُعلن الحرب على الله ورسوله ويرفض حتى إيراد البسملة في دستور الشعب السوداني المسلم... خِزيٌ في الدنيا وعذابٌ في الآخرة.
هل رأيتم كيف ضربت (الدبرسة) الشيوعيين والعلمانيين الشماليين؟! هل رأيتم كيف بدأت (مناحة) الحزب الكبرى بموثِّق سيرة سيده «قرنق» الشيوعي القديم الواثق كمير ثم تلاه وليد حامد الذي أعلن عن حسرته على ضياع أكثر من عشرين سنة قضاها في سراب الأوهام ثم محمد يوسف أحمد المصطفى الذي بلغ به الغيظ مما سمّاه (انكفاء الحركة الشعبية جنوباً) درجة أن يتمرد ويعلن ــ وهو الجلابي الشيوعي ــ أن سلفا كير لا يمثل الحركة الشعبية ولا يعبِّر عن توجهاتها!! من تُراه يعبِّر عنها يا هذا؟! أنت الجلابي الدخيل أم سلفا كير الأصيل أم هل يعبِّر عنها زعيمُكم قرنق حتى بعد أن أصبح حطاماً؟!.
سبب كل هذه (المناحة) قرائي الكرام يكمن في سقوط مشروع السودان الجديد وزوال (أحلام ظلوط) بأن تحكم الحركة الشمال وتخلِّصه من الإسلام وشريعته ثم بسبب قبْر مسرحية ازدواجية المواطنة التي كانت الهدف من بيان عرمان بعد أن أفتت قيادات المؤتمر الوطني باستحالتها بعد الانفصال فقد كان ذلك هو الأمل الوحيد والأخير المتبقي في مسيرة الخيبة التي عاشها عرمان ورفاقُه في قطاع الشمال ممن راهنوا على الحصان الخاسر ولم يبقَ لهم الآن إلا التعلُّق بخيط الوجود الجنوبي في الشمال حتى يفتّوا به في عضد دولة الشمال بعد أن تتخلص من (ترلة) الجنوب ويعوقوا به من مسيرتها وذلك من خلال ما سمّوه بالحريات الأربع أو حتى بحرية الإقامة فقط والتي أضحت سراباً بقيعة يحسبه عرمان ماء.
لكن حتى هذه أُغلق الباب في وجهها فقد قال د. نافع علي نافع وهو يوضح تصريحات أخرى صدرت من قيادات في المؤتمر الوطني قال متحدثاً عن أبناء الجنوب حال الانفصال (سنحفظ حقوقهم بالشمال إلى حين توفيق أوضاعهم) وقطع الرجل بذلك قول كل خطيب.
لا أظن أن قرائي الكرام قد فاتت عليهم الأحداث التي ضربت قلب الخرطوم في الأيام القليلة الماضية فبعد التظاهرة التي سيَّرتها الحركة الشعبية في مواجهة مسيرة المؤتمر الوطني ضد الجنائية والتي أبرزتها صحيفة الحركة (أجراس الحرية) بمانشيت أحمر يقول: (اشتباكات واعتقالات أمام القصر الجمهوري) ها هم أتباع الحركة وغيرُهم من أبناء الجنوب يدخلون في مواجهات مع الشرطة في قلب الخرطوم يوم السبت الماضي وتحديداً أمام مبنى كمبوني وقد أوردت الخبر صحيفة الحركة الشعبية أمس الأول في صفحتها الأولى!!
هذه هي (المناظر) التي تسبق الفيلم والهدوء الذي يسبق العاصفة فهل بربكم يجوز لعاقل أو حتى لمجنون أن يتحدث عن وجود جنوبي (أجنبي) بعد الانفصال حتى يحيل حياتنا إلى جحيم وأمننا إلى خوف ونومنا إلى سهر وحتى نفتح الباب على مصراعيه لأيام اثنين أسود جديدة تذكِّرنا بتلك المأساة التي ستظل عالقة في ذاكرة الشمال أبد الدهر؟.
إن ما تفعله حكومة الجنوب ضد بعض أفراد القبائل الشمالية المقيمة منذ عقود من الزمان في جنوب السودان يعكس حال العلاقة بين الشمال والجنوب بعد الاستفتاء وما سيحدث للشماليين في جنوب السودان عقب الانفصال خاصة وأن رئيس الحركة سلفا كير قد هاجم بعض تلك القبائل وتحديداً قبيلة الأمبررو التي طُردت من بعض ولايات جنوب السودان حتى قبل أن ينفصل الجنوب ويصبح دولة مستقلة فها هي صحيفة الحركة الشعبية تعترف وتحدِّث في خبرها المنشور بتاريخ 10 أكتوبر عن قرار والي غرب الإستوائية (جوزيف باكوسورو) طرد القبيلة ومغادرتها فورًا فكيف بربكم يكون حالهم بعد الانفصال؟!.
لن ينسى الشماليون ما حدث لهم عقب مصرع قرنق في مدينة جوبا وفي المدن الجنوبية الأخرى وقد فرّ الآلاف منهم إلى الشمال بعد أن قُتل الكثيرون منهم ونُهبت ممتلكاتهم وما تجربة صديق كوراك عنا ببعيد ولذلك فإني أحذر من مجزرة بشعة ستطول الوجود الشمالي في الجنوب حال الانفصال.. وأود أن أحذر كل أبناء الشمال وأطلب إليهم مغادرة الجنوب قبل الاستفتاء فإذا كان بعض الشباب يتحرشون بالشرطة في قلب الخرطوم اليوم فكيف يكون حال الشماليين في جنوب السودان عقب قرار الانفصال؟!.