ياسر عرمان: لم أستقل من المكتب السياسي للحركة ولن أغادر صفوفها مطلقا

 


 

 

نائب الأمين العام للحركة الشعبية السودانية المكلف قطاع الشمال لـ«الشرق الأوسط»: إذا حدث انفصال فسينقسم السودان إلى عدة دول * إذا اندلعت الحرب مجددا فسوف تكون الأسوأ في تاريخ السودان * محاولة إثارة الشماليين ضد الجنوبيين تقربنا من الانفصال وليس الوحدة * اتفاقية السلام السودانية تمر بمأزق والبعض في الحزب الحاكم يحاول تمزيقها * أخشى على زعيم الحركة سلفا كير من خصومه
لندن: الشرق الأوسط
نفى نائب الامين العام للحركة الشعبية السودانية المكلف قطاع الشمال ياسر عرمان، تقديمه استقالته من المكتب السياسي للحركة، لكنه طالب بالتخلي عن مسؤوليات محددة، مشددا على انه لن يغادر صفوف الحركة مطلقا، موضحا انه اذا غادر لأي سبب سواء للدراسة او العمل بطريقة اخرى داخل التنظيم، فان ذلك سيتم بالاتفاق مع رئيس الحركة. وشن هجوما عنيفا على من سماهم بعض المتنفذين في قيادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم واتهمهم بالعمل ضد اتفاقية السلام وإعاقة تنفيذها للوصول الى كراسي السلطة.
وقال عرمان في حوار اجرته معه «الشرق الأوسط» خلال زيارته لندن الاسبوع الماضي قبيل عودته الى الخرطوم التي تحدثت صحفها عن هجرته من السودان نهائيا، وهو ما نفاه وقال «ان البلاد تمر بمرحلة دقيقة وعلى مفترق طرق في ان تكون او لا تكون»، معتبرا أن الأزمة في السودان هي ازمة مشروع وطني، محذرا من انفصال الجنوب وقال «اذا حدث ذلك، فان السودان سينقسم الى عدة دول». وردا على اتهام الرئيس السوداني عمر البشير لقيادات في الحركة بتحويل عائدات البترول الى جيوبهم الخاصة، قال عرمان «ان الرئيس هو المسؤول الاول، وان الحديث بهذه الطريقة يمكن ان يجلب المشاكل»، وبرأ ساحة زعيم الحركة الراحل جون قرنق من التورط في مبلغ الـ (60) مليون دولار التي تحدث عنها البشير في الاحتفال الذي أقيم في جوبا الشهر الماضي بمناسبة مرور عامين على اتفاقية السلام. وفي ما يلي نص الحوار:
* أنت أحد الذين شاركوا في الحرب والسلام في السودان والآن بعد مضي عامين على اتفاقية السلام كيف تنظر الى تنفيذها في ظل ازدياد حدة الاتهامات بين طرفي الاتفاقية في الآونة الاخيرة؟
ـ السودان يمر بمرحلة دقيقة وحساسة من تاريخه، وليس بإمكاننا إلا تمني الخير لبلادنا، والسودان الآن على مفترق طرق بان يكون أو لا يكون، ومسرحه شكسبيري وعلى قادته عدم الاستهانة بالأوضاع الجارية، فكم من بلدان عظيمة مثل يوغسلافيا اختفت من خريطة العالم لسوء السياسات وسوء القيادة.
والسودان لديه الفرصة للنهوض، وأزمته الحقيقية هي ازمة مشروع وطني وقيادة صاحبة رؤية، وهذا التحدي مطروح الآن اكثر من اي وقت مضى وان النجاح والفشل فيه مرتبطان بعوامل متداخلة ومتشابكة وشائكة، ولا توجد إجابة باللونين الابيض او الاسود، فالمشهد السوداني متعدد الألوان والإجابات، وما تزرعه اليوم تحصده غدا.
* لذلك أصبحت قضية انفصال جنوب السودان عن شماله طافحة بشكل سافر في المشهد السياسي السوداني ولا تعدو ان تكون مسألة وقت كما اتهمكم أحد قيادات المؤتمر الوطني بأن الحركة أصبح لديها سفارات في الخارج وتأشيرات دخول للأجانب وتستخرج جوازات. سفر ما ردكم على ذلك؟
ـ طبعا هناك ردود عديدة، هذه الحملة هي نفسها التي تسهم في الانفصال لأنها تخاطب قضية جادة للشعب السوداني وهي السودان كبلد واحد، وأؤكد لكم اذا انفصل الجنوب، فلن يصبح الجنوب دولة واحدة وذات الشيء الشمال، بل سينقسم السودان الى عدة دول، والحديث عن ان الشمال وحدة واحدة غير صحيح، لأن هناك دارفور، جبال النوبة، النيل الازرق، الوسط وأقصى الشمال، ولذلك فان الانفصال لن يصبح بالحدث اليسير بل باهظ التكاليف.
وإذا انفصل الجنوب فلن يصبح جنوب افغانستان او جنوب البرازيل بل سيصبح جنوب السودان الذي تربطه الجغرافيا وسيصبح جارا لكل مكونات السودان الاثنية والجغرافية، وأود ان اقول لك قضية مهمة للغاية، ان الذي ينتقص من تاريخه سوف تنتقص جغرافيته، ونحن السودانيين قد انتقصنا من تاريخنا وأسأنا اليه، لأن السودان بلد قديم، جزء من فضاء تاريخي وجغرافي كبير وتمتد صلاته الى حضارة وادي النيل القديم مرورا بكل الحضارات وعدم اعترافنا بالتنوع التاريخي والمعاصر للسودان الذي به اكثر من (750 ) مجموعة اثنية وأكثر من مائة لغة، وان الانتقاص من هذا التنوع انتقاص من تاريخ السودان، ونحن لا نريد الاحتراب بالوقائع القديمة والجديدة، ويجب ان نعترف انه لا يمكن ادارة البلاد كما في السابق، وان اتفاقية السلام الشامل وضعت نظامين في دولة واحدة.
ان من حق جنوب السودان ان يقيم ممثليات في الخارج، في ألمانيا مثلا توجد أعلام لكل الولايات الألمانية وممثليات لبافاريا وسكسونيا العليا والسفلى، ولذلك الحديث عن الاتفاقية بذات الفترة ما  قبلها مضر، وفي الملحق (د) في الفقرة (19) من اتفاقية السلام أعطت في توزيع السلطات لحكومة الجنوب اقامة ممثليات لقضايا التعليم، الاستثمار، التجارة، الرياضة والمنح، والذين يتحدثون بخلاف ذلك يتحدثون عن الغرض الذي فيه مرض او هم يجهلون الاتفاقية ومحاولة اثارة الشماليين ضد الجنوبيين يقربنا من الانفصال وليس للوحدة.
* دارت أحاديث في الخرطوم عن  ان زيارتك الى لندن بسبب ابعادك عن الحركة كجزء من الصراع داخلها وانك ستهاجر من السودان نهائيا ما صحة ذلك؟
ـ أولا هذا امتداد لحملة على الحركة الشعبية وقادتها، وتأتي من وسائل اعلام لها علاقة بدوائر وأجهزة معلومة لدى الحركة، وأنا أمضيت 21 عاما مع الحركة، والحركة التي نعرفها ليست هي التي تقيل الناس من امثالنا ونحن موجودون في قلبها، وكل ما ذكر لا أساس له من الصحة وهو جزء من حملة شرسة معادية للسلام ومن مجموعة موتورة أصيبت بالإحباط نتيجة للعمل والنجاح الذي صاحب حملة تنظيم الحركة في قطاع الشمال في عشر ولايات وشاركت فيها كمسؤول للقطاع مع فريق عمل شهد له الجميع بالنجاحات الباهرة.
هذا الأمر لا يستحق الالتفات، لأن الصحف ووسائل الاعلام التي تحدثت عن مغادرتي السودان نهائيا وان زوجتي سبقتني الى لندن ومن ثم سأهاجر الي استراليا، وأنا الآن ذاهب الى الخرطوم (غادر لندن الى الخرطوم مساء الاربعاء الماضي)، وهذه إجابة كافية للعناوين التي تحدثت عن خروجي النهائي من السودان.
* هل استقلت من المكتب السياسي ورئاسة الهيئة البرلمانية للحركة ورئاسة قطاع الشمال؟
ـ هذا غير صحيح، انا ما زلت عضوا في المكتب السياسي للحركة ولكن قمت بإجراء انتخابات للهيئة البرلمانية بعد اجازة اللوائح الداخلية، وطلبت من المكتب السياسي في الاجتماع الذي عقد في جوبا ومن رئيس الحركة لاحقا أن اتخلى عن مسؤوليات محددة، وقد ووجهت بمعارضة قوية من نواب الحركة وأحاطوني بعواطف قوية، اما قطاع الشمال فان رئيس الحركة كون لجنة من كوال ميانق ودينق الور عضوي المكتب السياسي لأقوم بتسليم مهامي لمالك عقار بعد اكمال تنظيم القطاع، وذلك بعد اصراري رغم معارضة زملائي التخلي عن مهامي.
اذن ليس صحيحا ان هناك حملة ضد الشماليين او كأن هناك صراعا داخل الحركة وان هناك حملة اثنية موجهة ضد الشماليين، ولكن هناك من يتمنى ان تزول الحركة في يوم واحد وليس كل ما يتمناه المرء يدركه وبالذات الامنيات التي لا تتماشى مع الواقع، وكل ما تم كان بإصرار مني لأن رغبتي أن أجد فرصة لأواصل عملي في داخل الحركة بطرق مختلفة، وهذه قضية قديمة ومعلومة لدى الراحل قرنق ولرئيس الحركة الحالي القائد سلفا كير الذي تربطني به علاقة وثيقة للغاية، وهو القائد الوحيد الذي يتمتع بمشروعية تامة في قيادة الحركة ويحظى مني  بتأييد مائة في المائة، وبغض النظر عن ملاحظات يبديها اي شخص إلا انه أنجز مهاما كبيرة بتوحيد الحركة، وأخشى عليه من خصومه، وأنا مع الحركة قلبا وقالبا اليوم وغدا، ولن أغادر الحركة مطلقا وسأكون موجودا في صفوفها في كل الأوقات.
*ولكن ظلت دوائر كثيرة في الخرطوم تردد أن هناك خلافات داخل الحركة وما يعرف بأبناء جون قرنق وأبناء سلفا كير ويربطون بين مغادرتك واستقالة نيال دينق نيال من حكومة جنوب السودان وابتعاد القائد عبد العزيز آدم الحلو وسيلتحق بكم آخرون، ما ردك؟
ـ أولا سلفا كير هو الابن الأكبر لجون قرنق والوحيد الموجود من مؤسسي الحركة، وحارب كتفا بكتف مع قرنق في كل المعارك، وقد تعرف الى قرنق منذ حركة الأنانيا الاولى (اول حركة تمرد في جنوب السودان عام 1958) عندما التقيا في شرق الاستوائية وبعد اتفاق اديس أبابا (التي وقعتها الانانيا مع الرئيس الاسبق جعفر نميري عام 1972) عملا سويا في القوات المسلحة السودانية، ثم عملا بالتنظيم سرا للتمرد وتفجير حركة تحرر هي الأكبر في تاريخ السودان الحديث، واختاره قرنق نائبا له في الحركة وبعد الاتفاقية نائبا لحكومة الجنوب قبل مقتل قرنق، وقد دحض سلفا كير في خطاب جوبا الشهير في احتفال الذكرى الثانية لاتفاقية السلام، محاولات تقسيم الحركة بأبناء قرنق وآخرين.
هذه اللغة ليست لغة الحركة بل من خصومها، ونحن لا يمكن ان نشتري بضاعة من خصومنا، والحركة الشعبية لا يمكن فصلها عن الدكتور جون قرنق لأنه هو مؤسسها وقائدها وصاحب مشروعها الاكبر (السودان الجديد)، ولذلك هذا الحديث نوع من الترهات مقصود منها الاساءة وتمزيق الحركة وعليه يجب التفريق بين بضاعة خصومنا وبين ذهاب أصدقاء أعزاء لهم شأن كبير فهم من صناع الحركة وبنائها نيال دينق نيال وعبد العزيز آدم الحلو، وثلاثتنا كانت لدينا رؤيتنا منذ وقت طويل انه وبعد نهاية الحرب يجب ان نجدد طرق عملنا ونؤهل أنفسنا وناقشنا دكتور جون قرنق في ذلك، وأنا شخصيا حضرت بعد تشييع قرنق بطلب من سلفا كير الذي عرض علي ان اصبح وزيرا، واعتذرت له كما سبق ان اعتذرت لقرنق عندما طلب مني ذلك.
وقد اتفقت مع القائد سلفا كير وبحضور دينق الور أن أمكث عاما وانتهى العام والآن، أنا موجود بطلب من رئيس الحركة، وإذا غادرت لأي سبب للدراسة او العمل بطريقة اخرى فان ذلك سيتم بالاتفاق مع سلفا كير وزملائي في قيادة الحركة الشعبية، لذلك يجب عدم خلط الأوراق ومحاولة تقسيم الحركة لأنها محاولات بائسة تمت بالأمس وفشلت وستفشل، والذين يظنون انهم بذلك يمكنهم تمزيق الحركة، فإننا نقول لهم ان بضاعتهم كاسدة ورخيصة ولن يشتريها أحد من الحركة الشعبية.
* من الذين تتهمونهم بقيادة هذه الحملة هل شريككم في الاتفاقية وحكومة الوحدة الوطنية ام مجموعات اخرى؟
ـ نعم هم جزء من شركائنا في الحكم، وهذه الحملة تأتي من بعض ، وأركز على كلمة بعض قيادات المؤتمر الوطني وهذه المجموعة ضد اتفاقية السلام ولا تريد تنفيذها وهي لا تشن حملتها فقط ضد الحركة، بل تشن حملة لتمزيق المؤتمر الوطني نفسه، لأنها تحاول أن تبعد قيادات كبيرة في المؤتمر الوطني كي تصل الى كراسي السلطة، وهي غير مقتنعة بالشراكة بين الحركة والمؤتمر الوطني وتسعي الى تتبيع وتدجين الحركة. هذه القيادات خلف السياسات التي تعمل بان المؤتمر الوطني حزب يحكم بالأغلبية الميكانيكية لتمرير كل سياسته ولا تريد تراضيا وشراكة متكافئة، وانه لا توجد حكومة وحدة وطنية، وهي بذلك تقود بلادنا نحو الهاوية لأن هذه الحكومة مشروعيتها مستندة الى اتفاقية السلام وإذا أزيلت الاتفاقية، فان ذلك يعني إزالة الحكومة، لذلك نطمح في مؤسسة الرئاسة لكي تقود الجميع نحو خيارات لا ترضى بالخيار الذي تطرحه هذه المجموعة الصغيرة.
*وهل تعتقد ان هذه المجموعة تقود حملة ضدك شخصيا ؟
ـ هناك جهات ودوائر لا تستهدفني شخصيا، وإنما قضايا اكبر لأنها غير مرتاحة لرؤية السودان الجديد، والتي نعتقد انها يمكن ان تقود السودان، كما ان هذه المجموعة غير سعيدة لعمل قطاع الشمال الذي أقوده، والحركة من دون ان تكون موجودة في الشمال لن تكون لديها رغبة في وحدة السودان لأن وجودها يساهم بفاعلية في توحيد السودان. وهذه الدوائر لا تحترم الدستور بل تنادي ليل نهار بطرد الجنوبيين من الشمال ولا نعلم هل ستطرد كل الجنوبيين من شخصيات وقيادات في المؤتمر الوطني أمثال علي تميم فرتاك ورياك قاي، بل لقد تنكرت لدماء بعض الجنوبيين الذين كانوا جزءا من النظام مثل أحمد الرضي جابر، وهي لديها العديد من الصحف وتؤثر في توجهات الدولة وأدخلت اتفاقية السلام في أزمة، وكذلك هي وراء ما جرى من أحداث في جوبا وملكال التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء.
* وما تأثير هذه المجموعة على أهم بند في الاتفاقية؛ وهو الاستفتاء على حق تقرير المصير والمآل الذي يمكن ان تقود اليه في حال عدم الوفاء بممارسته؟
ـ هذا أمر يهم وجود السودان نفسه، ونحن سنتجه عما قريب الى الاستفتاء على حق تقرير المصير، وهذه المجموعة المتنفذة اذا رأت انها قادرة على قهر الجنوبيين وأنها لن توفي بالتزاماتها في ممارسة هذا الحق، فإنها تبحث عن كارثة غير مسبوقة، وان ظنت انها ستتفادى تنفيذ هذا البند الهام للغاية، فهي مخطئة لأنها بذلك تبحث عن حرب وستكون الاسوأ من بين الحروب الاهلية التي خاضتها وشهدتها بلادنا، وهذا أمر مؤسف، إذ لا يمكن اللعب على أهل الجنوب، فهم قدموا تضحيات كبيرة ولهم قدرات واسعة.
هذه المجموعة المتنفذة في المؤتمر الوطني تتهمنا بأننا مجموعة نعمل لمصلحة الجنوبيين أحيانا او اننا مجموعة جلابة (تجار الشمال في الجنوب) وأحيانا اخرى اننا نعمل لمصالحنا لبناء حزب جديد على حساب الحركة الشعبية، وهي غرضها الاساسي ارباك الحركة ظنا منها انها يمكن ان تمزق الحركة، وهذا نتيجته نقض العهود والمواثيق وجربت من قبل ونتيجتها كانت واضحة والآن ستصبح الأسوأ.  
* واضح ان الشراكة بينكم تواجه مشاكل، ما المخرج من هذه الدوامة من الاتهامات المتبادلة وماذا عن الآليات التي تم تشكيلها من قبل؟
ـ أقول بوضوح إن اتفاقية السلام تمر بمأزق لكن اذا توفرت الارادة السياسية واستخدمت الآليات وأولها آليات الدولة من رئاسة الجمهورية التي تضم الرئيس ونائبيه ومجلس الوزراء والبرلمان ولما يتمتع به الرئيس ونائباه من خبرة طويلة، لأن البشير وسلفا كير وعلي عثمان لديهم تجربة كبيرة وشاركوا بشكل مباشر وأداروا الحرب في اشرس اوقاتها وأداروا التفاوض، لذلك توفرت لديهم الخبرة والدراية، وإذا تم عمل كبير في بناء الثقة وتفعيل بناء الثقة وتفعيل مؤسسة الرئاسة واتخاذ القرارات، انا أثق تماما انهم سيجدون معالجات كثيرة، الي جانب ذلك هناك آليات الشراكة ان تتسم بالفعالية وهناك اجتماع ربما سيعقد في الثامن من هذا الشهر بجوبا، وهذا الاجتماع اذا أحسن استخدامه ربما يؤدي الى نقلة نوعية.
* ما يحدث ربما يجد استقواء لدى القوى السياسية المعارضة بصحة رؤيتها بضرورة انعقاد مؤتمر جامع للخروج من المأزق الماثل، ألا تتفق مع هذا الطرح ؟
ـ اتفاقية السلام هي الآلية الوحيدة الموجودة الآن، ومع احترامي الكامل لهذه الآراء، لكن إذا قصد من المؤتمر الجامع إعادة التفاوض فهذا أمر غير ممكن ومعالجة قصور الاتفاقية يتم من خلال الاتفاقية نفسها لأنها اوضحت بجلاء كيفية استخدام الآلية للوصول الى إجراء تعديلات عليها إلا ما نصت عليه الاتفاقية نفسها، وأنت تعلم نقض العهود والمواثيق، لذلك من الصعب العودة مرة اخرى لفتح الاتفاقية لأن ذلك سيؤدي الى مخاطر عديدة وكبيرة، لكن الأهم من ذلك فان الاتفاقية وفرت مسألتين أساسيتين، التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات نزيهة وعلى القوى السياسية إجراء تحول ديمقراطي وإصلاحات ليختار الشعب من يختار دون اللجوء للعنف والقضية الثانية وحدة السودان طواعية عبر الاستفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان ليختار الوحدة او الانفصال، لكن يمكن إجراء حوار مع كل القوى السياسية لخلق إجماع وطني حول الاتفاقية دون فتحها من جديد لنشرك هذه القوى في كيفية تناول القضايا الراهنة والوصول الى معالجات.
* لكن ظهر أول تمرين لمسألة الاجماع في تصويت البرلمان على قانون الاحزاب الذي وجد معارضة من القوى السياسية في المادة التي تتيح حل الاحزاب اذا كانت لديها مواقف من الاتفاقية، وصوت أعضاء الحركة الى جانب المؤتمر الوطني الذي يصر مع بعض اعضاء حركتكم على هذه المادة واعتبر تمرير القانون بتلك الصورة اول مسمار في نعش الديمقراطية وانتم غير مبرأين من ذلك ما رأيك ؟
ـ أقول بوضوح ان إجازة قانون الأحزاب كانت بداية سيئة، وكان يجب خلق الاجماع لأن القانون يؤسس الى حياة سياسية جديدة مع اتفاقية السلام، ولذلك كان يجب ان يأتي برضا القوى السياسية لاسيما التجمع الوطني الديمقراطي، وإذا رفض ماذا عن القوى الاخرى التي هي (لا في العير ولا في النفير) وما تم كان مؤسفا لأنه تم الخلط  بذكاء من دهاقنة وأساطين المكر في مادة بين قضيتين الضمانات باتفاقية السلام التي يقف عليها نواب الحركة الشعبية والتي كان يجب ان تتم عبر الدستور  والأخرى حل الاحزاب والتي ما كان يجب خلطها مع الضمانات، ونحن لا ناقة لنا ولا جمل في مسألة حل الأحزاب، وأسفت لانسحاب نواب التجمع لأن القانون تم دون رضاهم، ذلك ان القوى السياسية عانت من وجود ديمقراطية تعددية مع استمرار الحرب، واستمرار الحرب في ظل الشمولية، لكن لأول مرة اتفاقية السلام التي ربطت بين إنهاء الحرب والتعددية السياسية.
هذه التجربة يجب ألا نفسدها وان نعمل بقدر الإمكان أن نصالح ونوطن ونزاوج بين السلام والديمقراطية. وما تم من تصويت لا يمثل مصالح الحركة وخطها واستراتيجيتها وتكتيكاتها التي ظلت تنتهجها طوال (23) عاما، وموقف الأمين العام للحركة الى جانب ستة من أعضاء الحركة التقوا في ملكال عارضوا تلك المادة، لكن انشغال العديدين منهم جعل المادة والتصويت تتسرب من بين ايديهم من دون ان ينتبهوا لهذه القضية الخطيرة والجادة، وهذا أمر مؤسف، وأرى ان من مصلحة الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني الوصول الى معالجة لأن القانون الذي لا تلتزم به الأحزاب لا معنى له.
* هل تفكرون بمغادرة التجمع الوطني الديمقراطي الذي تحالفتم معه؟ وما صحة ان شريككم الجديد يسعى الى استثمار هذا التباعد؟
ـ القضية ليست أن يقول التجمع وداعا للحركة ولا ان تقول هي وداعا يا عمو لامبو، لكن القضية ان القوى التي شكلت التجمع تواجه انقضاء صلاحيته بشكله القديم، وكما عبر الميرغني ان التجمع مرشد للحياة السياسية ووعاء جامع للقوى السياسية، لذلك التجمع بأساليبه وطرقه القديمة لا يمكن ان يؤدي دوره ولا بد من البحث عن رؤية وآليات جديدة للعمل لأن الفكرة في جوهرها ما زالت صالحة وأهميته لم تنته ولا يمكن مخاطبة قضايا اليوم بأسلوب الأمس.
وإذا رأى المؤتمر الوطني أن مصلحته تقتضي ان يستثمر في مصاعب الآخرين هذا من حقه، وعلى الآخرين ألا يسمحوا بالاستثمار في مصاعبهم، لذلك اعتقد أن تحالفات الحركة وعلاقاتها مع القوى السياسية يجب ان تعالج بعيدا عن المؤتمر الوطني لأنها حركة مستقلة ولديها تكتيكاتها واستراتيجياتها، وذات الشيء ينطبق على القوى السياسية، وتعلم ان هناك تغييرات حدثت في الحياة السياسية السودانية، الحركة الآن شريك في الحكم والآخرون ليسوا بذات القدر في المشاركة، وهناك قصور وأوهام وأفكار وتصورات من القوى السياسية ناحية الحركة تثير كثيرا من التوهمات وللحركة قصور تجاه هذه القوى، والتجمع لم يكن في مقدوره الاستمرار لولا جهود قياداته وفي مقدمتهم الراحل جون قرنق.
* هناك تخوفات من ان تقود الخلافات بين الحركة والمؤتمر الوطني الى ما يحدث الآن في فلسطين بين حركتي فتح وحماس، وهما أيضا شركاء في حكومة بينهما كيف تنظر الى هذا السيناريو؟
ـ حركتا فتح وحماس لديهما قضية واحدة وتعملان في ذات الهموم، اذن القضية مختلفة ولا نتمنى ان تسوء الأمور بين الحركة والمؤتمر الوطني ونتمنى ان تتجه نحو الأفضل، ولكن اذا ما حدث أي شيء فان المثال سيصبح أمرا آخر.
* ما يتردد عن وجود فساد في حكومة الجنوب جاء هذه المرة من رئيس الجمهورية الذي قال ان عائدات البترول تذهب الي جيوب قيادات الحركة ما ردكم ؟
ـ إذا ذهبت عائدات البترول وأصبحت الأموال في جيوب القيادات في حكومة الجنوب، فان المسؤول الأول هو رئيس الجمهورية نفسه والحديث بهذه الطريقة يجلب مشاكل أكثر مما يجلب من حلول، والحديث عن مبلغ (60) مليون دولار اتضح بما لا يدعو مجالا للشك ألا علاقة للدكتور جون قرنق بها، وهي لم تكن منحة بل هي ترتيبات لفترة ما قبل الانتقالية لكي تؤسس الحركة حكومة الجنوب في ذلك الوقت، لذلك فان قضايا الفساد يجب ألا تكون حملة من حملات الدعاية السياسية، بل يجب ان تخضع لمحاسبة حقيقية وللشفافية، وطالبنا بأن يتم تشكيل مفوضية من نساء ورجال ذوي كفاءة وحيادية للتحقيق في كل قضايا الفساد وتسلم الشكاوى ومعلومات المواطنين السودانيين والتحقيق مع كل توجه له اتهامات، لاسيما ان اقرارات الذمة للدستوريين لم تجد الاستجابة حتى الآن. لذلك المجموعة المتنفذة في المؤتمر الوطني التي لا ترغب في تنفيذ الاتفاقية وتكيل الاتهامات، تفكر على طريقة إحدى دعابات شارلي شابلن (إذا مت فمن يضحك الناس) وتلك المجموعة تردد إذا غابت فمن سيدير شؤون الحكم في السودان، فكأنما السودان خلق لكي يحكموا هم وكأنما السودان ينتمي اليهم هم ولا ينتمون اليه.
* الأوضاع المتفاقمة في دارفور تلقي بظلالها على تنفيذ اتفاقية السلام وكانت للحركة رؤية للخروج من الأزمة الماثلة هل لديكم رؤية جديدة لحل المشكلة ؟
ـ الأوضاع في دارفور ستتعقد أكثر، ما لم يتم التركيز على المسار السياسي والوصول الى حل شامل وعادل، وذلك بطلب الوصول الى وقف اطلاق نار فوري والجلوس الى طاولة المفاوضات وكل ذلك يحتاج الى عمل تحضيري معقد ومهم.
الحركة من جانبها تواصل اتصالاتها مع كافة الاطراف، ونرى ضرورة ان تتفق الحركات التي لم توقع على رؤية تفاوضية واحدة ووفد موحد للتفاوض، أو في أقل الأحوال موقف تفاوضي مشترك ان تعذر الوفد الواحد، وفي اتصالاتنا التي اجريناها في لندن في الايام الماضية قبيل مغادرتي، أوضحنا اننا على استعداد لاستضافة كافة الأطراف غير الموقعة وشخصيات دارفور الفاعلة في اجتماع موسع او مؤتمر بجنوب السودان يشرف عليه القائد سلفا كير رئيس حكومة جنوب السودان للمساعدة في الوصول الى موقف تفاوضي موحد ووفد تفاوضي موحد، مما يجعل من التفاوض بين الاطراف ممكنا والحل السياسي الشامل واقعا يمكن التوصل اليه. كذلك الحركة ترى ضرورة فتح قنوات مع القبائل العربية لكي تصبح هذه القبائل جزءا من الترتيبات في عملية المصالحة الشاملة.


 

آراء