ياسر عرمان و”صخرة سيزيف”!
ثبت لي بما لا يدع مجالا للشك أن خطوة تكوين الجبهة الثورية لم تكن مفيدة ولا إستراتيجية، بل كانت ضارة بقطاع الشمال ومفيدة للحكومة السودانية، أو بتعبير أدق تجمع بين "السلبيات والإيجابيات" ولا تؤدي الغرض المطلوب من الطرف الذي خطط لها بتاتا، تماما مثل خطوة إنفصال الجنوب، أضرت بجنوب السودان وحملته عبء تغيير النظام في الخرطوم فلا هو استطاع تغيير النظام شمالا ولا استطاع بناء النظام الجديد جنوبا، ومقابل كل كأس سم كان يسقيها للشمال كان مجبرا على تجرع عشرات الكؤوس المميتة، حتى أنهك إقتصاده ودخل في دوامة من العنف الدموي.
لقد كانت مغامرة غير محسوبة العواقب تم الزج فيها بشعب جنوب السودان وهو أحوج ما يكون لإلتقاط أنفاسه في شقاء السنين المتطاولة.
بل لو كان الجنوب قادرا على تأسيس نظام علماني جاذب لرؤوس الأموال والكوادر الشمالية والنخب والأحزاب، ربما كان طريقا أفضل لمنح "السودان الجديد" مقدارا من الجاذبية خصما على المشروع الإسلامي "المخنوق إقتصاديا" ولكن لم يحدث هذا وكأنما من يخطط للجنوب وللجبهة الثورية كان يخطط لصالح المؤتمر الوطني ويعمل مساعدا لعمر البشير.
خطوة تكوين الجبهة الثورية كانت رهانا مستعجلا على نقاط ضعف في الحكومة السودانية والمؤتمر الوطني، وكان من مستلزمات هذا الرهان تكوين حكومة موازية وجيش موازي، يستطيع بالتعاون مع الأحزاب تشكيل حكومة إنتقالية بعد حدوث الفوضى في الخرطوم وسقوط مدن في الولايات ويحدث بعدها ما يسمى بالإنقلاب الزاحف.
كان هنالك رهان على أن السودان اشبه بالكونغو أو يوغندا أو الدول التي فقدت جيوشها وتم تفكيكها وتركيبها، ثم ظهر رهان على أن الربيع العربي سيكون قاسيا على السودان ويلحق بالسيناريو الليبي أو السوري باعجل ما تيسر ... وفي أحسن الأحوال السيناريو اليمني في سياق المبادرة الخليجية.
فشلت الرهانات واتضح أن السودان من "صناع الربيع" والآن هو وسيط مقبول للأطراف اللليبية والدولية.
بالمقابل قطاع الشمال تحالف مع حركات دارفور التي لم تستطع هي التوافق مع نفسها ... وصار القرار في قطاع الشمال رهين بالمستحيل وهو اتفاقها ... وما هو يفوق المستحيل وهو توافق القوى السياسية الأخرى فردا فردا ... ولذلك على ياسر عرمان أن يجمع توقيعات كل أركان قطاع الشمال أولا ... مالك والحلو ... وبعد ذلك يجمع توقيعات فصائل الجبهة الثوررية والشخصيات الملحقة بها حديثا ... يتحدث مع هذا ويوسط آخرين لهذا ... وعندما يصل إلى نصف الشوط وهو يحمل دفتر "الأوتوغرافات" يكون قد فقد التوقيعات في الصفحات الأولى.
ياسر صار أشبه بمن يحمل "صخرة سيزيف"، وحتى نأخذ إجازة من التحليلات السياسية دعونا مع هذه الفقرة التعريفية بالسيد سيزيف:
سيزيف أو سيسيفوس كان أحد أكثر الشخصيات مكراً بحسب الميثولوجيا (الأساطير) الإغريقية، حيث استطاع أن يخدع إله الموت ثاناتوس مما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا حتى الأبد، فأصبح رمز العذاب الأبدي.
makkimag@gmail.com
///////////