يامضوي نوّرتنا… !!بقلم: عادل الباز

 


 

 

أوردت صحيفة الأخبار الغرّاء التي تقبع فوق رأسي (قبل أن تطربق) أن الأستاذ مضوي الترابي دعا لتأهيل رؤساء تحرير الصحف، ودعا الحزب الاتحادي للاضطلاع بهذا الدور الخطير!!!. لم أعرف سر الغضب الذي انتاب رؤساء التحرير من جرّاء هذا التصريح. بلاشك أن رؤساء التحرير في أمسّ الحاجة للتأهيل وترقية قدراتهم باستمرار، وليس في ذلك من عيب. وها أنا أعلن أنني على رأس قائمة الذين في حاجة ماسة للتأهيل، والدليل على ذلك أنني لاتمر ثلاثة أشهر إلا وتجدني فى كورس تأهيلي وفي مجالات شتّى. الشهر الماضي مثلا كنتُ ضمن ثلاثين صحفيا تخرجوا من كورس الاتحاد الدولي للصحفيين بواشنطون في الصحافة الاستقصائية. العام الماضي اشتركت في كورس تأهيلي بأديس أبابا حول الصحافة في أفريقيا، وقبل الماضي كنت في جنوب أفريقيا مشاركا في مستقبل الصحافة في العالم، لتأهيل نفسي بنظرة مستقبلية، لمستقبل الصحافة في العالم. قبل عامين ذهبت لجامعة اكسفورد لتأهيل نفسي حول القوانين التي تحكم الإعلام في العالم، وقبل ذلك كنت في جامعة لندن لنيْل زمالة الصحفيين، ولازلت أشعر أن بيني وبين التأهيل اللازم لرئاسة التحرير أميال. أذكر أنني ذهبت لأستاذنا عبد الرحمن مختار بعد اختياري رئيسا لتحرير صحيفة الصحافة في 2003 بداره العامرة بالخرطوم شرق، وكان لقاءً مدهشا. قلت للأستاذ: (الجماعة ديل اتغشوا فيني- ناس الشراكة الذكية- وسوّوني رئيس تحرير، وأنا لست مؤهلا لهذا المنصب وهذا المقعد الذي جلست عليه، ومن بعدك أفذاذ، أذكر منهم محمد الحسن أحمد رحمة الله عليه، وفضل الله محمد، وأستاذنا نور الدين مدني. هذا مكان مخيف وخاصة لمن هو فاقد التأهيل مثلي. أنا الآن جيتك لتنصحني وترفدني بحكمتك وإني لمُنصت). تحدث الأستاذ أكثر من ساعة عارضا لي خلاصة تجربته وحكايته فى بلاط صاحبة الجلالة كما كان يحلو له أن يسميها، وأهداني في ختام اللقاء كتابه الرائع (خريف الفرح). أطرف مافي اللقاء ختامه عندما أمسك الأستاذ بيدي قائلا: (يابني وصية أخيرة- لاتجعل الصحافة مسيخة- كِسرة بموية لاتوسّخ إيديك ولاتغلّط عليك.. هذه ليست الصحافة). ومن يومها وحتى سجن لام اكول أصبحت زبونا دائما للسجون والمحاكم.

 

 يا أستاذ مضوي لك ألف حق في دعوتك، وهي دعوة تُشكر عليها، ولكن ما استغربنا له جميعا أن تدعو لتأهيلنا على يد الحزب الاتحادي.!!!. الحقيقة أننا لم نعرف حتى الآن أيّهم؟ هل هو المُسجّل أم المبُجّل أم المبرجل.؟ هل هو الحزب المشارك أم المعارض أم البين بين؟ هل هو الحزب أبو جِبّة وبنطلون ونظارة، أم هو الحزب أبو قفطان وسجادة؟. يبدو لي أنك تقصد حزبكم الموقر أو ما تعارف على تسميته بحزب الثنائي الدقير والسماني ومن قبلهما الشريف رحمة الله عليه!!. ألا ترى أن حزبكم الموقر أوْلى بالتأهيل العاجل أكثر من الصحفيين!!. والانتخابات على الأبواب والحزب لم يعقد مؤتمر عام منذ خمس سنوات؟.

 ألا يرى المفكر الاستراتيجي مضوي الترابي أن الأحزاب السودانية وقيادتها جميعا في أمسّ الحاجة للتأهيل؟ ألا يرى أن ما نحن فيه من مصائب عمّت البلد من أقصاها لأقصاها بسبب النقص الرهيب في تأهيل تلك القيادات؟. لو أن المفكر فكّر وقدّر ونظر وتأمل، لسعى أولا لتأهيل حزبه، ومن ثم خرج بثقافته التأهيلية للأحزاب الأخرى، ثم جاء إلى حقل الإعلام بدعوته لتأهيل رؤساء التحرير!! ولكن قد يبدو أن مضوي رأى بعد أن نظر في كل القطاعات الأخرى وجدها في كامل تأهيلها، فلم يرَ عيبا في تأهيلها بمثل ما رأى في تأهيل رؤساء التحرير.!! نعم رؤساء التحرير يعانون فعلا من نقص التأهيل، ومن آيات ذلك أنهم فتحوا صفحات صحفهم لتستقبل تصريحات سياسيين لايتمتعون بأدنى قدر من التأهيل السياسي ولا القبول الجماهيري. ترك رؤساء التحرير وراء ظهورهم قضايا الجماهير ومعاناتها، وظلوا يلهبون ظهور الصحفيين لتغطية مؤتمرات السياسيين الفارغة، والتي هي ترديد مُمل لما ظلوا يلوكونه عشرات السنوات، جعجعة لم نرَ لها طحينا. للحقيقة نحن رؤساء التحرير نساهم بشكل يومي في هذا الهراء، بل نحن مسئولون عن خداع الجماهير بنشر تصريحات مضحكة نعرف كذبها، وهذه هي الآية الأكثر نصاعة لعدم تأهلينا!!

 

آراء