يا زمن وقف شويه …. تموت الرجال وتبقى المآثر!! (3ـ10)
حكى لى صديقى واستاذى عبد الله على ابراهيم واحدة من مآثر عبد الخالق محجوب الذى تعرفنا عليه وازددنا اعجابا به من خلال الحكايات والمواقف التى تليق بمفكر وقائد مثله. كان عبد الخالق محجوب وصلاح احمد ابراهيم فى اوج صراعاتهما قبل وبعد فصل صلاح عن الحزب الشيوعى فى ستينيات القرن الماضى. وقتها كان صلاح قد اعطى وردى اغنية (الطير المهاجر) رغم علم وردى بصراعات زعيم الحزب وشاعر الاغنية الا انه قام بتلحينها وغنائها فذاع صيتها وصيت صلاح. شعر بعض الشيوعيين بالغضب فكيف يغنى وردى لشاعر مغضوب عليه من القيادة. فذهبوا لعبد الخالق محجوب مطالبين بتدخله ليأمر وردى بوقف تلك الاغنية التى انتشرت فنظر اليهم عبد الخالق مستهزئا وسألهم (ما علاقة الاغنية بخلافاتى مع صلاح احمد ابراهيم.... حسنا فعل وردى بتلحينها وغنائها وهى من اجمل الغناء السودانى). تلك هى المآثر التى تبقى للزعماء والقادة اما من يسخرون من ضوائق الناس وعوزهم فسيذهب ريحهم وريح افعالهم كما يذهب الزبد جفاء.
(احد كتاب الغفلة ممن يعيشون ازمة مالية خانقة تبرر اندفاعه غير المحدود وهو يخوض معركته ضدنا ظل يروج لمقولة ان الحريات الاربع تتخذ منصة لذبح الاتفاق جملة وتفصيلا ونسى اكثر الصارخين واعلاهم صوتا وتأييدا بلا تحفظ لكل شولة وفاصلة فى الاتفاقيات وكأنها قران منزل.. هذا المسكين لا يحتاج لكل هذه (الاندعارة) مهما ارتفع ثمنها لان الاتفاقيات اودعت البرلمان فهى فى ايد امينة لن تعدل فيها شولة).
الازمة المالية الخانقة التى اعانيها هى التى تبرر اندفاعى غير المحدود ضدهم بحسب صاحب الانتباهة. حسنا. يا ترى هل موقفنا من اعداء السلام وليد الحريات الاربع ام خط استراتيجي ثبتنا عليه منذ زمن بعيد. منذ ما قبل نيفاشا كانت كتاباتنا الداعمة للحوار وضد الحرب مبذولة للعالمين فى كل الصحف التى عملنا بها داخليا وخارجيا. كنا ولازلنا نعتقد ان الحرب لن تحل مشكلات السودان وقد خبرناها خمسين عاما فلم تحل قضايا الوطن بل زادتها تعقيدا. على ايام نيفاشا كنا اكثر الداعين للوصول لاتفاق سلام ينهي الحرب التى ازهقت ارواح الملايين من السودانيين وخلفت وراءها ملايين اليتامى والمشردين. دعمنا نيفاشا حتى وقعت وكنا اكثر الصحفيين حضورا للمفاوضات. لا انسى حين امسك علي عثمان بيدى قائلا لقرنق (ناس الصحافة ديل اكثر الداعمين للسلام). كنت وقتها رئيسا لتحرير الصحافة. حين وقعت الاتفاقية قدنا حملة دعمها ابتداءً من (تبت يدا المستحيل) حتى اخر عنوان فى الصحيفة الى ان تركتها. ثم بعدها ايدنا كل الاتفاقيات التى تمت مع الجنوب وتشاد وغيرها وحتى اتفاق (نافع ـ عقار) الذى دافعنا عنه بشدة. لم تكن لنا مصلحة شخصية فى الدفاع عما وقع من اتفاقيات من ابوجا حتى الدوحة من اتفاق الشرق حتى القاهرة فى كل ذلك انما كنا نبحث عن مصلحة الوطن. كان بامكاننا ان نتربح من الزعيق ودق طبول الحرب واستثارة المشاعر البوهيمية وكنا سنصبح الاعلى توزيعا والاكثر مالا ولكنه كسب رخيص على حساب ارواح الناس وحيواتهم. السلام الذى نتمناه لوطننا ونعمل له عندنا قيمة دينية وانسانية لا ثمن لها يقبض ولكن الناعقين بالحرب يقبضون ثمن ارواح الناس ودماءهم!!.
لازلت اعتبر نيفاشا هى اعظم اتفاق انجزه السودانيون وهى مساومة تاريخية يكفيها عظمة انها اوقفت حربا استمرت خمسين عاما. عجبت للانتباهيين الغافلين دوما من لعنهم لنيفاشا وتأييدهم للانفصال الذي اتاحته نيفاشا، يعتبرون نيفاشا حققت لهم اعظم هدف ولكن الاتفاقية التى حققت لهم هذا الانجاز مؤامرة!!. يتضح من هذا ان خطنا فى الدفاع عن السلام والاستقرار لم يبدأ بالحريات الاربع ولا معركتي مع الانتباهة واهلها هى الاولى ولن تكون الاخيرة طالما ظلوا يوقدون نيران الحروب فى زوايا الوطن المختلفة. الفرق بيننا وبين اهل الانتباهة اذا ما تشظى الوطن (سلمت) سنحمل بقجنا على رؤوسنا و(نهج) فى البرارى ومعسكرات اللجوء اما هم فسيدخلون ايديهم فى جيوبهم ليخرجوا جوازاتهم الاخرى او يهرعون لممتلكاتهم التى تكاثرت عواصمها وبنوكها وشواطئها، هنالك فرق. اللهم امنا فى اوطاننا. امي
adil elbaz [elbaaz40@gmail.com]