يحزنني كل هذا التدليس والتضليل يا محمد جلال!
رشا عوض
12 May, 2023
12 May, 2023
في مقاله بعنوان رشا عوض وفوبيا الكيزان والكتابة المغبونة ، افرد الدكتور محمد جلال هاشم حيزا كبيرا لتجريد موقفي من هذه الحرب اللعينة ، وتفنيد حجج من يحاولون بلا جدوى ستر عورتها بغطاء وطني باعتبارها معركة جيش نظامي ضد مليشيا متمردة، تجريد كل ذلك من اي قيمة موضوعية، وربطه بحالة نفسية او مرض عصابي يسيطر على الكاتبة ويجعلها عاجزة عن التفكير لان الفوبيا والغبن الأعمى قضى على ذكائها وفطنتها، وكأنما يريد محمد جلال ان يرفع عن نفسه وعن كتائب الظل الإعلامية عبء النقاش الجاد لما اكتبه! إذ ليس على المغبون حرج! على وزن ليس على المجنون حرج! ولا قيمة لرأي مصاب بفوبيا الكيزان، وهنا مصادرة متعسفة لكشف علاقة الكيزان باشعال هذه الحرب وهي علاقة مفضوحة بالصوت والصورة! يتهرب محمد جلال من مناقشة ذلك ولم يجد له مهربا سوى هذا المصطلح الرائج بكثافة وسط كتائب الظل الإعلامية: فوبيا الكيزان! رشا تتفجر غبنا من الكيزان والجيش! ( امرأة مسكينة على حافة الجنون، لا تأخذوها مأخذ الجد، فالجيش منتصر والتمرد اندحر وحميدتي هرب وهو الآن على حدود السنغال)
وامعانا في نسف مشروعية ارائي اضاف محمد جلال إلى علة الغبن الحاجب عن الذكاء والفطنة، عبوة ناسفة أخرى وهي عدم علاقتي بالثورة التي رفعت شعار الجنجويد ينحل! في محاولة تستبطن دمغي بالانحياز للجنجويد والمطالبة بتخليدهم! لست أنا من تحتاج شهادة براءة ثورية كغنيمة من حرب اشعلها علي كرتي وانس عمر واحمد هارون وصلاح قوش! أما شعار الجنجويد ينحل الذي يهتف به الثوار فترجمته هي عملية شاملة للإصلاح الأمني والعسكري مرتبطة عضويا بمشروع سياسي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، فالثورة السودانية سلمية لم ترفع السلاح ولم تدع إلى الحرب رغم ان ابطالها العزل استقبلو الرصاص وقنابل البمبان في رؤسهم وصدورهم!
ولا أدري متى واين وفي أي سياق طالب الثوار الجيش بشن حرب على الدعم السريع لتحقيق شعار الجنجويد انحل وتبرعوا بتوفير الغطاء السياسي للجيش في حربه هذه جنبا إلى جنب مع الكيزان؟ هل هذه هي مخايل الذكاء والفطنة ؟
الموقف الثوري من معضلة المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع من وجهة نظري هو اعتبارها احد الألغام الكبيرة والخطيرة الموروثة من النظام البائد( لو ما موروثة من النظام البائد ودي مجرد كيزانوفوبيا وغبن متفجر، والمليشيات دي بناها خالد سلك ولا ياسر عرمان يا ريت يا محمد جلال تنورنا بالتفاصيل نحن ناس مغبونين او مجانين ساي) ، هذا اللغم يحتاج الى تفكيك ذكي، بمعنى إبطال مفعوله في تقويض مساعي بناء الدولة المدنية الديمقراطية عبر التفكيك الامن في سياق عملية سياسية مؤهلة فنيا واخلاقيا ومسنودة بجماهير الشعب السوداني ، عملية تشرف على تفكيك هذا اللغم عبر دمج وتسريح لكل المليشيات لتحقيق شرط الجيش القومي المهني الواحد في سياق عملية اعادة هيكلة للجيش نفسه، مؤكد ان الأمور في هذا الاتجاه لن تمضي ببساطة وفي خط مستقيم وستعتريها كثير من المطبات والعراقيل والمصاعب، ولكنها على كل حال سوف تتحرك إلى الامام ولو ببطء ، فهذا هو منهج التغيير السلمي الذي نعرفه: الوصول إلى التغيير الجذري والشامل بتدرج وتمرحل زمني تزداد سرعة الإنجاز فيه حسب وحدة وتنظيم وكفاءة قوى الثورة السلمية، لكل منهج تغيير منطقه الخاص ، منهج التغيير السلمي هو قبول التدرج والمثابرة فيه والصبر على بلوغ الهدف النهائي بشرط ان تكون البوصلة السياسية مضبوطة بإخلاص واستقامة نحو الأهداف الوطنية العليا، ميزة هذا المنهج السلمي تقليل الكلفة الإنسانية في صفوف الأبرياء وتجنيبهم ويلات الحروب، هذه هي ترجمة شعار الجنجويد ينحل وفق منهج الثورة السلمية، اما اذا كان هذا الشعار معناه ان تختفي قوات الدعم السريع بكل عدتها وعتادها العسكري وقياداتها وشخوصها من الوجود في لمح البصر وتتبخر إلى السماء او تفر هاربة إلى غرب أفريقيا فهذه ليست ثورية بل تفكير رغائبي يتحسس ذاته دون أن يتعقل شروط تحقيقه في الواقع وما بمثل هذا تتحقق أهداف الثورة.
أما إذا كفر الثوار بجدوى الثورة السلمية وقرروا حل الجنجويد حربا اي استئصاله بعملية جراحية، فالمنطق الثوري يقتضي ان تتم هذه العملية الجراحية في ظروف مواتية وبادوات معقمة ، ترجمة ذلك وجود مشروع سياسي ثوري وقيادة ثورية على رأس قيادة البلاد وجيشها، ولن يكون الموقف الثوري هو الاصطفاف خلف جيش مدفوع للحرب باجندة كيزانية، اي في سياق مشروع لحمته وسداه الثورة المضادة كاملة الدسم! وادواته هي ذات الادوات الصدئة التي استخدمت في إنتاج المليشيات! كيف يكون الموقف الثوري هو اعادة تشغيل المصنع الذي انتج واقع المليشيات وتخريب مؤسسة الجيش وحزبنتها؟
لم يجد محمد جلال مبرارا للاصطفاف خلف الجيش سوى انه جيش نظامي! هل يصطف المثقف خلف الجيش لمجرد نظاميته ام يصطف خلفه عندما يكون ذراعا عسكريا لحماية الوطن في سياق سياسي ودستوري محترم؟ الم تكن جيوش هتلر وموسليني نظامية؟ ماذا جرت هذه الجيوش على شعوبها وعلى كل العالم رغم أنف نظاميتها ( الماخمج) ؟!
والتناقض الذي لم يفسره محمد جلال والذي طرحته في مقالتي السابقة، اذا كانت صفة النظامية كافية للاصطفاف خلف الجيش لماذا لم يعترض عندما تمرد جون قرنق رحمه الله على الجيش السوداني الذي كان في ذلك الحين اي عام ١٩٨٣ اكثر نظامية واقل ادلجة اسلاموعروبية بما لا يقاس من وضعه الحالي بعد بشتنة الكيزان له في سياق مشروع البشتنة والعولاق الشامل للدولة السودانية؟ وطرحي لهذا السؤال لا علاقة له ابدا بعقد مقارنة بين الجيش الشعبي بقيادة جون قرنق وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والمساواة بينهما او تفضيل أحدهما على الاخر، فهذه ليست زاوية النقاش على الاطلاق، بل اطرح السؤال لتبيان خطل فكرة حشر واقعنا المعقد في ثنائيات معيارية صارمة من قبيل جيش نظامي يمثل مؤسسة الدولة في مقابل مليشيا متمردة، فهذه الثنائيات لم يلتزم بها محمد جلال نفسه لانه مجد جون قرنق وكتب عن مقتله مقالات طويلة عريضة في صحيفة أجراس الحرية تحت عنوان " من قتل المسيح" وهتف لعبد العزيز الحلو ( عبد العزيز الحلو وي يي يي ) ، المأزق الذي نحن فيه لن نخرج منه عبر الاعتصام بثنائيات معيارية خرقتها وقائع الممارسة لكل الطيف السياسي ، وبالتالي نحتاج لمقاربة الأزمة الوطنية بطرح الأسئلة الصحيحة: لماذا كل حروب جيشنا داخلية ؟ ولماذا سجل تاريخ كل التيارات السياسية الرئيسية في البلاد واقعة رفع السلاح في وجه الجيش؟ وما الذي يجب أن نفعله من أجل التحول التاريخي الذي يجعلنا نبني جيشا وطنيا واحدا لا يقتلنا ولا نقاتله ، جيش نرتدع ذاتيا عن رفع السلاح في وجه في صراع السلطة لانه ببساطة خارج هذا الصراع ولانه في حمايتنا جميعا على اختلاف انتماءاتنا الفكرية والسياسية والاثنية والمناطقية.
حتما لن تكون الاجابة على مثل هذه الأسئلة التاريخية هي ثنائيات الخائن والبطل او ثنائية الجيش النظامي الوطني مقابل المليشيا المتمردة التي يطرحها الان الكيزان لانهم يمتطون ظهر الجيش عبر وجودهم الكبير في مفاصله ومواقعه القيادية، ويريدون استغلاله في طريق عودتهم إلى السلطة! فكيف يطالبنا محمد جلال بتأييد الجيش الذي اتهمه هو بعضمة لسانه بأن عقيدته غير وطنية وانه ارتكب جرائم ! تأييده في حرب عارية سياسيا واخلاقيا لان عقلها المحرك هو الكيزان!
محمد جلال مع كامل الاحترام لشخصه الكريم ولثقافته الموسوعية، وقع في فخ المثقف النرجسي الذي لا يحتمل انهيار نظرياته تحت أقدام الواقع التاريخي! محمد جلال كانت نبوءته لهذه الدولة المركزية هي الانهيار عبر الاجتياح المسلح الذي يفكك هذه الدولة المارقة بتكسير جيشها وجهاز امنها ومليشياتها على نمط نماذج لدول أفريقية، وكان مؤمنا بعدم جدوى الثورات السلمية وعلى رأسها ثورة ديسمبر ويراها تجريبا للمجرب الذي فشل في أبريل واكتوبر وتعلق بنموذج الربيع العربي الفاشل، ولكن الاجتياح المسلح حسب تصور محمد جلال هو اجتياح جيوش الحركات المسلحة في الجنوب ودارفور وجبال النوبة، ولكن هذا الحزء الأهم من النبوءة سقط، فحركات الهامش فشلت في اجتياح الخرطوم واقتلاع نظام الكيزان كآخر حلقة من حلقات مشروع المركز الإسلامو عروبي! المعركة الدائرة مع الكيزان الان يخوضها حميدتي المنحدر من المجموعة الاسلاموعروبية نفسها في سياق صراع سلطة عرياااان يستبطن طرفاه مشاريع استبدادية رعناء! فما دخل محمد جلال في معركة تافهة كهذه؟ هذه الحرب اللعينة لو ترتبت عليها اي نتيجة خيرة، بمعنى لصالح التحول الديمقراطي فإن هذه النتيجة الخيرة ستكون من تداعياتها وليست من اهدافها المقصودة من الطرفين، وبالتالي لا يليق باي مثقف الاصطفاف خلف احد طرفيها.
واختم مقالتي بسؤال عن حكاية رشا المغبونة من الكيزان، لماذا لا يكون غبني من الكيزان هو الغبن النبيل على وزن الحقد النبيل الذي دافع عنه محمد جلال في ندوات جماهيرية عندما كانت تهمة الحقد تلصق بكل من دافع عن قضايا الهامش وتحدث عن الظلم والعنصرية التي مورست عليه؟ ما هو المعيار الموضوعي الذي جعل ذلك الحقد نبيلا وجعل غبني من الكيزان حاجبا للذكاء والفطنة؟ وكيف لا أكون مغبونة من نظام حقن شرايين الوطن بفيروس نقص المناعة الوطنية وجعله مصابا بالايدز السياسي حتى يتمكن من اخضاعه وعندما فشل في اخضاعه قرر احراقه بحرب دنيئة في قلب الخرطوم نسفت فيما نسفت نظرية ان العامل الوحيد في إشعال حروب السودان هو عنصرية مركز اسلاموعروبي ضد هامش افريقي، فالحرب العارية هي ملاذ الدكتاتورية واداتها لحماية استبدادها وفسادها! لو اقتضت مصلحة السلطة الاستبدادية إحراق اهل الشمال والوسط في قلب العاصمة لن تتردد! وهاهي حرب الكيزان تحرقنا وتشردنا!
ولا أدري كيف يريد محمد جلال اقناعنا بأن معركة إصلاح الجيش يمكن أن تبدأ بعد انتصاره على الجنجويد والحرب اندلعت اساسا لاستئصال فكرة الاصلاح الأمني والعسكري من جذورها والخطاب السياسي المنطلق من منصات صناع هذه الحرب هو التجريم المغلظ لمجرد الحديث عن ان الجيش يحتاج الى إصلاح! والزعم بأن فكرة الإصلاح الأمني والعسكري تهدف إلى تفكيك الجيش وتحطيم الدولة إلى آخر مفردات " متلازمة تقديس الجيوش" تلك المتلازمة المستوطنة في خرائب الاستبداد والفساد الذي يلتمس من قداسة الجيوش تقديسا مستداما لنظم سياسية منحطة تتخفى خلف هذه الجيوش.
وامعانا في نسف مشروعية ارائي اضاف محمد جلال إلى علة الغبن الحاجب عن الذكاء والفطنة، عبوة ناسفة أخرى وهي عدم علاقتي بالثورة التي رفعت شعار الجنجويد ينحل! في محاولة تستبطن دمغي بالانحياز للجنجويد والمطالبة بتخليدهم! لست أنا من تحتاج شهادة براءة ثورية كغنيمة من حرب اشعلها علي كرتي وانس عمر واحمد هارون وصلاح قوش! أما شعار الجنجويد ينحل الذي يهتف به الثوار فترجمته هي عملية شاملة للإصلاح الأمني والعسكري مرتبطة عضويا بمشروع سياسي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، فالثورة السودانية سلمية لم ترفع السلاح ولم تدع إلى الحرب رغم ان ابطالها العزل استقبلو الرصاص وقنابل البمبان في رؤسهم وصدورهم!
ولا أدري متى واين وفي أي سياق طالب الثوار الجيش بشن حرب على الدعم السريع لتحقيق شعار الجنجويد انحل وتبرعوا بتوفير الغطاء السياسي للجيش في حربه هذه جنبا إلى جنب مع الكيزان؟ هل هذه هي مخايل الذكاء والفطنة ؟
الموقف الثوري من معضلة المليشيات وعلى رأسها الدعم السريع من وجهة نظري هو اعتبارها احد الألغام الكبيرة والخطيرة الموروثة من النظام البائد( لو ما موروثة من النظام البائد ودي مجرد كيزانوفوبيا وغبن متفجر، والمليشيات دي بناها خالد سلك ولا ياسر عرمان يا ريت يا محمد جلال تنورنا بالتفاصيل نحن ناس مغبونين او مجانين ساي) ، هذا اللغم يحتاج الى تفكيك ذكي، بمعنى إبطال مفعوله في تقويض مساعي بناء الدولة المدنية الديمقراطية عبر التفكيك الامن في سياق عملية سياسية مؤهلة فنيا واخلاقيا ومسنودة بجماهير الشعب السوداني ، عملية تشرف على تفكيك هذا اللغم عبر دمج وتسريح لكل المليشيات لتحقيق شرط الجيش القومي المهني الواحد في سياق عملية اعادة هيكلة للجيش نفسه، مؤكد ان الأمور في هذا الاتجاه لن تمضي ببساطة وفي خط مستقيم وستعتريها كثير من المطبات والعراقيل والمصاعب، ولكنها على كل حال سوف تتحرك إلى الامام ولو ببطء ، فهذا هو منهج التغيير السلمي الذي نعرفه: الوصول إلى التغيير الجذري والشامل بتدرج وتمرحل زمني تزداد سرعة الإنجاز فيه حسب وحدة وتنظيم وكفاءة قوى الثورة السلمية، لكل منهج تغيير منطقه الخاص ، منهج التغيير السلمي هو قبول التدرج والمثابرة فيه والصبر على بلوغ الهدف النهائي بشرط ان تكون البوصلة السياسية مضبوطة بإخلاص واستقامة نحو الأهداف الوطنية العليا، ميزة هذا المنهج السلمي تقليل الكلفة الإنسانية في صفوف الأبرياء وتجنيبهم ويلات الحروب، هذه هي ترجمة شعار الجنجويد ينحل وفق منهج الثورة السلمية، اما اذا كان هذا الشعار معناه ان تختفي قوات الدعم السريع بكل عدتها وعتادها العسكري وقياداتها وشخوصها من الوجود في لمح البصر وتتبخر إلى السماء او تفر هاربة إلى غرب أفريقيا فهذه ليست ثورية بل تفكير رغائبي يتحسس ذاته دون أن يتعقل شروط تحقيقه في الواقع وما بمثل هذا تتحقق أهداف الثورة.
أما إذا كفر الثوار بجدوى الثورة السلمية وقرروا حل الجنجويد حربا اي استئصاله بعملية جراحية، فالمنطق الثوري يقتضي ان تتم هذه العملية الجراحية في ظروف مواتية وبادوات معقمة ، ترجمة ذلك وجود مشروع سياسي ثوري وقيادة ثورية على رأس قيادة البلاد وجيشها، ولن يكون الموقف الثوري هو الاصطفاف خلف جيش مدفوع للحرب باجندة كيزانية، اي في سياق مشروع لحمته وسداه الثورة المضادة كاملة الدسم! وادواته هي ذات الادوات الصدئة التي استخدمت في إنتاج المليشيات! كيف يكون الموقف الثوري هو اعادة تشغيل المصنع الذي انتج واقع المليشيات وتخريب مؤسسة الجيش وحزبنتها؟
لم يجد محمد جلال مبرارا للاصطفاف خلف الجيش سوى انه جيش نظامي! هل يصطف المثقف خلف الجيش لمجرد نظاميته ام يصطف خلفه عندما يكون ذراعا عسكريا لحماية الوطن في سياق سياسي ودستوري محترم؟ الم تكن جيوش هتلر وموسليني نظامية؟ ماذا جرت هذه الجيوش على شعوبها وعلى كل العالم رغم أنف نظاميتها ( الماخمج) ؟!
والتناقض الذي لم يفسره محمد جلال والذي طرحته في مقالتي السابقة، اذا كانت صفة النظامية كافية للاصطفاف خلف الجيش لماذا لم يعترض عندما تمرد جون قرنق رحمه الله على الجيش السوداني الذي كان في ذلك الحين اي عام ١٩٨٣ اكثر نظامية واقل ادلجة اسلاموعروبية بما لا يقاس من وضعه الحالي بعد بشتنة الكيزان له في سياق مشروع البشتنة والعولاق الشامل للدولة السودانية؟ وطرحي لهذا السؤال لا علاقة له ابدا بعقد مقارنة بين الجيش الشعبي بقيادة جون قرنق وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي والمساواة بينهما او تفضيل أحدهما على الاخر، فهذه ليست زاوية النقاش على الاطلاق، بل اطرح السؤال لتبيان خطل فكرة حشر واقعنا المعقد في ثنائيات معيارية صارمة من قبيل جيش نظامي يمثل مؤسسة الدولة في مقابل مليشيا متمردة، فهذه الثنائيات لم يلتزم بها محمد جلال نفسه لانه مجد جون قرنق وكتب عن مقتله مقالات طويلة عريضة في صحيفة أجراس الحرية تحت عنوان " من قتل المسيح" وهتف لعبد العزيز الحلو ( عبد العزيز الحلو وي يي يي ) ، المأزق الذي نحن فيه لن نخرج منه عبر الاعتصام بثنائيات معيارية خرقتها وقائع الممارسة لكل الطيف السياسي ، وبالتالي نحتاج لمقاربة الأزمة الوطنية بطرح الأسئلة الصحيحة: لماذا كل حروب جيشنا داخلية ؟ ولماذا سجل تاريخ كل التيارات السياسية الرئيسية في البلاد واقعة رفع السلاح في وجه الجيش؟ وما الذي يجب أن نفعله من أجل التحول التاريخي الذي يجعلنا نبني جيشا وطنيا واحدا لا يقتلنا ولا نقاتله ، جيش نرتدع ذاتيا عن رفع السلاح في وجه في صراع السلطة لانه ببساطة خارج هذا الصراع ولانه في حمايتنا جميعا على اختلاف انتماءاتنا الفكرية والسياسية والاثنية والمناطقية.
حتما لن تكون الاجابة على مثل هذه الأسئلة التاريخية هي ثنائيات الخائن والبطل او ثنائية الجيش النظامي الوطني مقابل المليشيا المتمردة التي يطرحها الان الكيزان لانهم يمتطون ظهر الجيش عبر وجودهم الكبير في مفاصله ومواقعه القيادية، ويريدون استغلاله في طريق عودتهم إلى السلطة! فكيف يطالبنا محمد جلال بتأييد الجيش الذي اتهمه هو بعضمة لسانه بأن عقيدته غير وطنية وانه ارتكب جرائم ! تأييده في حرب عارية سياسيا واخلاقيا لان عقلها المحرك هو الكيزان!
محمد جلال مع كامل الاحترام لشخصه الكريم ولثقافته الموسوعية، وقع في فخ المثقف النرجسي الذي لا يحتمل انهيار نظرياته تحت أقدام الواقع التاريخي! محمد جلال كانت نبوءته لهذه الدولة المركزية هي الانهيار عبر الاجتياح المسلح الذي يفكك هذه الدولة المارقة بتكسير جيشها وجهاز امنها ومليشياتها على نمط نماذج لدول أفريقية، وكان مؤمنا بعدم جدوى الثورات السلمية وعلى رأسها ثورة ديسمبر ويراها تجريبا للمجرب الذي فشل في أبريل واكتوبر وتعلق بنموذج الربيع العربي الفاشل، ولكن الاجتياح المسلح حسب تصور محمد جلال هو اجتياح جيوش الحركات المسلحة في الجنوب ودارفور وجبال النوبة، ولكن هذا الحزء الأهم من النبوءة سقط، فحركات الهامش فشلت في اجتياح الخرطوم واقتلاع نظام الكيزان كآخر حلقة من حلقات مشروع المركز الإسلامو عروبي! المعركة الدائرة مع الكيزان الان يخوضها حميدتي المنحدر من المجموعة الاسلاموعروبية نفسها في سياق صراع سلطة عرياااان يستبطن طرفاه مشاريع استبدادية رعناء! فما دخل محمد جلال في معركة تافهة كهذه؟ هذه الحرب اللعينة لو ترتبت عليها اي نتيجة خيرة، بمعنى لصالح التحول الديمقراطي فإن هذه النتيجة الخيرة ستكون من تداعياتها وليست من اهدافها المقصودة من الطرفين، وبالتالي لا يليق باي مثقف الاصطفاف خلف احد طرفيها.
واختم مقالتي بسؤال عن حكاية رشا المغبونة من الكيزان، لماذا لا يكون غبني من الكيزان هو الغبن النبيل على وزن الحقد النبيل الذي دافع عنه محمد جلال في ندوات جماهيرية عندما كانت تهمة الحقد تلصق بكل من دافع عن قضايا الهامش وتحدث عن الظلم والعنصرية التي مورست عليه؟ ما هو المعيار الموضوعي الذي جعل ذلك الحقد نبيلا وجعل غبني من الكيزان حاجبا للذكاء والفطنة؟ وكيف لا أكون مغبونة من نظام حقن شرايين الوطن بفيروس نقص المناعة الوطنية وجعله مصابا بالايدز السياسي حتى يتمكن من اخضاعه وعندما فشل في اخضاعه قرر احراقه بحرب دنيئة في قلب الخرطوم نسفت فيما نسفت نظرية ان العامل الوحيد في إشعال حروب السودان هو عنصرية مركز اسلاموعروبي ضد هامش افريقي، فالحرب العارية هي ملاذ الدكتاتورية واداتها لحماية استبدادها وفسادها! لو اقتضت مصلحة السلطة الاستبدادية إحراق اهل الشمال والوسط في قلب العاصمة لن تتردد! وهاهي حرب الكيزان تحرقنا وتشردنا!
ولا أدري كيف يريد محمد جلال اقناعنا بأن معركة إصلاح الجيش يمكن أن تبدأ بعد انتصاره على الجنجويد والحرب اندلعت اساسا لاستئصال فكرة الاصلاح الأمني والعسكري من جذورها والخطاب السياسي المنطلق من منصات صناع هذه الحرب هو التجريم المغلظ لمجرد الحديث عن ان الجيش يحتاج الى إصلاح! والزعم بأن فكرة الإصلاح الأمني والعسكري تهدف إلى تفكيك الجيش وتحطيم الدولة إلى آخر مفردات " متلازمة تقديس الجيوش" تلك المتلازمة المستوطنة في خرائب الاستبداد والفساد الذي يلتمس من قداسة الجيوش تقديسا مستداما لنظم سياسية منحطة تتخفى خلف هذه الجيوش.