* وصلتني قصاصة إسفيرية من بعض الأصدقاء والمعارف قالوا أنها متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي بشكل واسع ويطلبون مني التعليق عليها لتأكيد أو نفي ما ورد فيها، حيث أن غالبيتهم من الأجيال الجديدة التي نشأت خلال سنوات الانقاذ! ، وهنا نص القصاصة:ـ * (هل تعلم :ـ أن أول عملية فض إعتصام في تاريخ السودان حدثت في عام 1970 عندما أمرت قيادة الحزب الشيوعي الحاكم بفض اعتصام جماهير أم درمان المعتصمة في مسجد الامام عبد الرحمن بودنوباوي الرافضة لانقلاب الشيوعيين وكانت القوات بقيادة الضابط الشيوعي فاروق حمدنا الله واستخدمت في الفض الأسلحة الثقيلة والخفيفة والدبابات، وكان هتاف كوادر الحزب الشيوعي يومها ( أبيد ،، أبيد ،، يا عميد)،(الموت الموت للرجعيين)، خلفت عملية فض الاعتصام (364) شهيد وشهيدة و60 جريح و900 معتقل). * نقول لهم ومنذ المفتتح أن هذه صياغة الكيزان في لي عنق حقائق التاريخ كعادتهم وتشويه الحقائق للأجيال التي ما عاصرت فترات التاريخ!، وهذا الذي قيل لا تقر به حتى كوادر الأنصار حالياً وعضوية حزب الأمة القومي على امتداد أجيالهم!. ويبقى الواجب هو عدم الاستهانة بمثل هذه الكتابات المبتسرة والتقليل من تأثيرها والتصدي والتصدي بحزم وحسم لمثل هذه المحاولات في تشويه الحقائق وتصحيح الوقائع لفضح المرامي الخبيثة وراء مثل هذا السرد المبتسر والمخاصم لوقائع التاريخ الذي تخاصم مجرياته جماعات تتعمد دوماً تشويه حياة وطن بأكملة وتدمير بنية الوعي والمعارف لدى أجياله، دعك من معلومات صغيرة ولو بحجم رأس الدبوس!. * فما حدث حول أحداث ود نوباوي يختلف جملة وتفصيلاً عن ما ساقته جماعة الأخوان المسلمين من سرد مضلل للأحداث!، وهي في مجملها امتداد لحوادث الجزيرة أبا فيما بعد، حيث ونتيجة للشحنات العالية من قبل الراحل الإمام الهادي المهدي وبتحريض من جماعات الأخوان المسلمين، توجهت في صبيحة أحد الأيام في شهر مارس من عام ١٩٧٠مجموعة من الانصار الذين كان قوامهم رجال ونساء أميين إلى جامع السيد عبد الرحمن بحي ود نوباوي فاحتلوه وهم مسلحين. * وصلت قوة صغيرة مسلحة من الجيش بقيادة عقيد على عربة جيب صغيرة. وطلبت منهم تسليم أسلحتهم والتفرق بهدوء. استغل الأنصار صغر حجم القوة العسكرية وعدم تسلحها تسلحاً كافيا فهجموا عليها وابادوها عن بكرة أبيها عن طريق الذبح من الأذن للأذن والطعن بالنصال الحادة!. وفورا وصلت قوات كبيرة من الجيش وحاصرت محيط الجامع وطلبت من المتورطين في اغتيال القوة العسكرية الصغيرة تسليم أنفسهم. فاحتمت تلك الجماعات بالجامع وصعدت أعداد منهم إلى أعلى مئذنة الجامع، وبدأت تطلق النيران على قوات الجيش في منطقة مدنية كود نوباوي مأهولة بالسكان الامنين. * هنا طلبت قيادة القوة العسكرية بمكبرات الصوت من السكان القريبين من محيط الجامع اخلاء مساكنهم فورا ومغادرة الحي. وكان عدد من المواطنين البسطاء يقطنون داخل الجامع ويتخذونه ماواً لهم. كبعض الشحاذين في ام درمان والباعة البسطاء وصبية الأورنيش من أبناء غرب السودان، إضافة للمصابين بالأمراض العقلية من الشيوخ والصبية والشباب من الجنسين، الذين جاء بهم اهلهم للعلاج على أيدي الفكيا( جمع فكي)، وكان جل هؤلاء المرضى المغلوب على أمرهم مربوطين بالسلاسل والجنازير ولم يكن عددهم قليلاً!. * طلبت قيادة القوه العسكرية من المحتلين المسلحين ان يسمحوا لكل هؤلاء الأبرياء الخروج من ساحة الجامع. الا أنهم رفضوا ذلك، مما يشير إلى النية في الاحتماء بهم واتخاذهم دروعاً بشرية!. ثم بدأوا بإطلاق النيران على القوة العسكرية من جميع الأماكن التي احتموا بها من داخل الجامع، وبالاخص أعلى مئذنته!. * وعندما انهمر الرصاص على القوات بما فيهم السكان الذين أصيب بعضهم، لم يكن من بد أمام قوات الجيش، سوى أن تهد المئذنة أولا لإسكات الاعتداء المسلح على سكان المنطقة الابرياء، وهكذا دارت المعركة المسلحة التي تم فيها إبادة عدد كبير من مجموعات المسلحين واعتقال البعض الاخر، وللاسف قتل بعض الذين كانوا يقطنون بالجامع من الذين فصلناهم أعلاه. * وأما الحديث عن ان الحزب الشيوعي هو من قتل (أهل ام درمان المعتصمين بالجامع) وأنه كان الحاكم فليس سوى كذب صراح. حيث تم حشر الحزب حشراً في هذه الأحداث لتصفية خصومات سياسية لا أكثر ولا اقل!. * وأما تصوير أن أهل ام درمان هم الذين اعتصموا بجامع السيد عبد الرحمن فهذه أيضا فرية وكذبة بائسة. لكي يتم تصوير العداء ليس مع مجموعة معزولة ومسلحة اعتدت وقتلت أبرياء عديدين، انما مع جزء كبير من جماهير الشعب السوداني يمثلهم (أهل أم درمان)!، وهذا خبث يجيد الخوض فيه الكيزان دون ان يطرف لهم جفن!. * ثم ناتي لما ادعوه بأن الاعتصام المشار إليه يعتبر االأول من نوعه في تاريخ السودان. والحقيقة هي انه ليس اعتصام، انما تمرد مسلح، فالاعتصام تقوم به مجموعات من جماهير بصورة سلمية تعبيراً عن رفضها لسياسات معينة من قبل السلطة الحاكمة. وقد شهد السودان العديد من مثل هذه الاعتصامات الشهيرة لأقسام من الجماهير، كما حدث داخل ورش عمال السكة حديد بعطبرة في اعتصاماتهم ضد سياسات الإدارة الاستعمارية فترة صراعهم النقابي معهم،. وكما حدث في ايام ثورة أكتوبر عندما لجأت الجماهير إلى الاعتصام أمام الإذاعة وصنع المتاريس (الترس) لعرقلة تقدم دبابات انقلاب مدبر لإعادة جنرالات الحكم العسكري الاول للحكم بعد أن اسقطتهم ثورة أكتوبر المجيدة، فيما عرف بأحداث ليلة المتاريس الشهيرة التي قادها المناضل الراحل فاروق أبو عيسى المحامي!، وهذه نسوقها كامثلة فقط لأن غيرها كثير من الاعتصامات! وهي شبيهة بما حدث في الاعتصام السلمي الشهير أمام القيادة العامة في ثورة ديسمبر الشهيرة. * وفي واقع الأمر يريد الكيزان بحديثهم عن (اعتصام) أهل ام درمان، أن يسوقوا مقاربة بائسة مع اعتصام القيادة العامة الذي تم فضه بدموية تتحمل وزرها أجهزة الكيزان الأمنية!. * تبقى ان نعلم أيضا حول هذا الأمر بأن للحزب الشيوعي موقف ضد كيفية تعامل سلطة مايو مع الأحداث بتلك الطريقة المفرطة في استخدام العنف الذي جرى للانصار! ، فهاهو الشهيد عبد الخالق محجوب وأمام المحكمة العسكرية التي حاكمته بعد فشل انقلاب ١٩ يوليو عام ١٩٧١ رد على سؤال وجهته له المحكمة حول أسباب معارضة الحزب الشيوعي لسلطة مايو والنميري، مشيرا لاعتراض حزبه ضمن إعتراضه على العديد من سياسات مايو، على الكيفية التي تم التعامل بها مع أحداث ود نوباوي والجزيرة ابا!. * وهكذا يذهب الزبد جفاءاً!. * لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة: * كتاب "الحزب الشيوعي السوداني وانقلاب ٢٥ مايو ١٩٩٦". * مجموعة مقالات للدكتور عبد الله علي ابراهيم بموقع سودانايل حول آحداث الجزيرة ابا. * مقال بعنوان " شاهدتهم يحاكمون عبد الخالق محجوب" للصحفي الراحل إدريس حسن. * حوار صحفي مع الامام أحمد المهدي أجراه عبد الوهاب همت " موقع الراكوبة بالنت".