يوميات الحرب- انسحاب تكتيكي

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
اضطررنا لتغيير مكاننا بعد أن تكاثرت علينا الزعازع، عاودت الكهرباء الانقطاع مع انقطاع المياه منذ يوم 15 أبريل، ثم أعقبتها انقطاع شبكة الاتصالات، لا مكالمات ولا انترنت وكلما سكت التليفون بعد نفاد شحن بطارياته تبتدئ رحلة تجميع الموبايلات والوصلات، والعبور لمنزل في مربع مجاور فيه كهرباء.
غير هذا فإن المنطقة كلها فقدت مظاهر الحياة، كل البقالات والمخابز مغلقة وباعة الخضروات والكسرة "الخبز البلدي" اختفوا بعد أن لزموا منازلهم طلبا للسلامةـ، كنت أقف في منتصف سوق الحي تعبيرا عن افتقادي لهم، ثم تداهمني موجة تساؤلات وحزن. كثير من باعة السوق من النساء، ويعملن بنظام رزق اليوم باليوم، الآن وبعد ثلاثة أسابيع من الحرب وانقطاع الرزق ترى ماذا يطعمن أبنائهن، يا إلهي كم تخفي هذه المنازل المغلقة من مآسي وربما مجاعات.
من الغريب أن هذا الظرف المأساوي أعاد صلتنا بالحليب، فقدنا هذه الصلة منذ زمن بعيد واعتمدنا على الحليب المجفف. لكن في هذه الايام كان يأتي باعة الحليب الطازج ليبيعوا مباشرة للمنازل برخص التراب، بعد أن كانوا يبيعونه للبقالات الكبيرة. كنا نتناول وجبة واحدة بما يتيسر، ثم أضفنا لها كميات من الحليب صباحا ومساء.
بدأت الحرب في الاسبوع الاخير من رمضان، ويعرف كل بيت سوداني أن سيدات البيت يقمن بعمل ضخم استعدادا لرمضان، وغالبا ما يزيد عن الحاجة بكثير، لكنها العادة.. كل منزل فيه ثلاجة وربما فريزير تجده قد امتلأ عن آخره بكل الاحتياجات، حتى قطع الفاكهة الطازجة اللازمة لعمل عصير الفواكه. كنت مطمئنا لأن احتياجاتنا مؤمنة ربما لمدة شهر قادم. المشكلة الوحيدة كانت في الخبز، لكن بدائله البلدية موجودة طالما كان الدقيق موجودا.
انقطعت الكهرباء لأيام، انتهت صلاحية بعض المواد ولم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي، فأفرغنا نصف المخزون في أماكن النفايات، عادت الكهرباء ليومين، ثم عادت وانقطعت لخمسة أبام أخرى فتخلصنا من النصف الآخر من المواد، والحمد لله.
مع تزايد صعوبة الحياة في المنطقة اضطررنا لعمل انسحاب تكتيكي، بلغة الجيوش المهزومة، إلى مكان آخر.
اليوم أخبرنا صاحب المحل المجاور بسقوط دانة في منزلنا لكنها لم تحدث أضرارا كبيرة لسقوطها في حوش المنزل وأخذت معها بعض الكراسي.
نقلا من صفحة الأستاذ فيصل محمد صالح على الفيس بوك
/////////////////////

 

 

آراء