يوميات الحرب- جولة في بحري
فيصل محمد صالح
20 May, 2023
20 May, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
يوميات الحرب (2)
جولة في بحري
أظن أن برامج الناس في مناطق مختلفة من العاصمة، متشابهة جدا، بالذات في مناطق وسط بحري، الديوم والختمية والمزاد وكوبر وكافوري. يستيقظون من النوم وهم يسمعون أصوات القصف وأزيز الطائرات ويبدأون البرنامج الأول وهو استجلاب الماء، مهمة تبدو غير مفهومة لمدينة حديثة في القرن الحادي والعشرين. هذا يحدث عندما تكون الدنيا فيها أمان نسبي، لكن الأمور تغيرت مع تغير مستوى الأمان إلى نسبة تقترب من الصفر
أتيح لي قبل يومين أن أتحرك في جولة طويلة من الحاج يوسف وحلة كوكو إلى شمبات لإجلاء بعض أفراد الاسرة، ثم العودة مرة أخرى. بدت مدينة بحري كمدن الأشباح، مدينة في حالة حرب حقيقية، دخلنا من حلة كوكو إلى القنطرة ثم كافوري، أكاد أجزم أن 90% من بيوت كافوري خالية من السكان، يسكنها بعض الخفراء، ويسكن جنود الدعم السريع بعض بيوتها أيضا، وتعيث عصابات النهب والسلب في باقي المنازل. تعرضت المنازل للكسر والنهب، حمل اللصوص ماخف وزنه وغلا ثمنه، في المرحلة الثانية جاءت الدفارات والتكاتك فحملت الثلاجات والغسالات والأجهزة الكهربائية. في هذا اليوم رأيت الجزء الثالث من النهب. مجموعات كبيرة من النساء تدخل لهذه المنازل لتأخذ الثياب التي رماها اللصوص على الأرض في بحثهم عن النقود والذهب. كن يحملن بقج الثياب الكبيرة على رؤوسهن ويخرجن من كافوري زرافات ..وزرافات، ينتظرن المواصلات أو عربات الكارو لتنقلهن مع المسروقات.
بعض الشوارع مغلقة أمام حركة حافلات المواصلات القليلة التي تعمل، فسارت الحافلة بشارع الشفاء ، ثم الدخول شمالا عند محطة بنزين بشائر، ثم اتجهت شمالا بشارع الصناعات، ربما لنشاهد المآسي التي حدث للمصانع المختلفة التي تم نهبها وحرقها، بما في ذلك الشركة التجارية الوسطى CTC التي تم نهب الأجهزة والأدوات الكهربائية ، بل وحتى السيارات من مخازنها.
دخلت السيارة من شارع البيبسي حتى شارع الإنقاذ، أوقفتنا ارتكازات الدعم السريع أكثر من مرة، يتفحصون الوجوه، يسألون بعض الناس عن بطاقاتهم، ثم يسمحون بالمرور. نزلت عند تقاطع البيبسي مع الإنقاذ باعتباره أقرب نقطة لشمبات، لا تزال بعض الجثث في الشارع إلى جانب السيارات المحترقة، ومن الواضح أنها تتبع للدعم السريع تم قصفها بالطائرات. أكملت المشوار سيرا على الاقدام، لم تقابلني غير سيارات الدعم السريع، أو بعض جنودهم الذين يستخدمون المواتر "موتوسيكلات". يقف بعضهم لينظر إلي، لم أتعرض لمساءلة، ربما افادني الشيب الذي يكلل رأسي.
تركت الشوارع الرئيسية وبدأت في الدخول من الشوارع الجنوبية، لحق بشمبات ما لحق بكافوري، هجرها سكانها أيضا، وبدأت فيها ظاهرة السلب والنهب. شاهدت ذلك بعيني، ومررت كأنني لم ألاحظ شيئا. وصلت مقصدي، وأمام البيت المجاور كانت تقف سيارة وبها بعض المنقولات، عرفت أنها ظلت من الصباح تنقل أجهزة ومنقولات من هذا المنزل، عندما رآهم الجيران أخرجوا مسدسات ووضعوها بشكل ظاهر ليراها المارة كرسالة تهديد غير مباشرة بعدم التدخل.
خرجنا من شمبات إلى شارع المعونة، نفس البؤس والجو المخيف الذي يعم كل بحري، سالنا وقيل لنا أن هناك سيارة مواصلات تمر بين الحين والآخر. كنا نقف في بداية شمبات من ناحية الصافية، قرب مبنى سوداتل. عرض علينا سائق رقشة أن يوصلنا للمؤسسة مقابل ثلاثين ألف جنيه "خمسون دولارا". بعد قليل وصلت حافلة، وقفنا أكثر من مرة أمام نقاط التفتيش، سألني جندي الدعم السريع إلى أين نذهب بحقائبنا، قلت له إلى أرض الله الواسعة، رد بثقة أن الأمر سينتهي سريعا وسنعود لمساكننا. وصلنا حتى سعد قشرة ، وليتنا لم ننظر له.
هذا المكان الذي كان يضج بالحياة والحركة تجول لمظهر للخراب، تم نهب كل السوق وحرقه. وقفت أتأمل حال من نعرفهم من أصحاب المحلات، وأشعر بالأسف لما حل بهم. تذكرت الرجل المهذب واللطيف عادل بشرى، صاحب أشهر محلات الثيااب، والصادق ترزي الجلاليب وغيرهم ممن ظللنا نتعامل معهم لزمن. أسال الله أن يعينهم في محنتهم هذه ويعوض عليهم.
من شارع الخور في نهاية سعد قشرة كانت تقف عشرات من النساء اللائي أكملن نهب المصانع والمطاحن، كن يحملن شوالات الدقيق وكراتين الصابون والبسكويت، هجمن على أول حافلة ظهرت فابتعدنا عنها لعدم القدرة على مزاحمتهن. جاءت حافلة أخرى واتخذت نفس الطريق، شارع الإنقاذ شمالا حتى تقاطع البيبسي، ثم شرقا حتى شارع الصناعات، وجنوبا في شارع الصناعات حتى مصانع الكوكولا، وإلى شارع الشفاء، شارع مسجد النور، القنطرة، وحتى حلة كوكو. طوال هذه الرحلة لم نلتق مواطنين عاديين يسيرون في الشوارع إلا ما ندر.
طوال الرحلة التي استغرقت حوالي أربع ساعات لم يكن هناك قصف كثيف، لكن في مرتين كان هناك صوت رصاص ينطلق ويتم الرد عليه، قال لي جندي الدعم السريع أن هناك قناصين ينتشرون في بعض المباني.
وصلنا مقصدنا في حلة كوكو، ومن هنا إذا دخلت للحاج يوسف يتغير الوضع تدريجيا، تبدأ مظاهر الحياة في الظهور، باعة الخضروات والفواكه، باعة المياه الباردة والعصير، بعض المخابز والجزارات، ثم، وهذا هو المهم، مواطنون عاديون يسيرون هنا وهناك، وسيارات للمواصلات على الخطوط المختلفة.
تمت المهمة بنجاح Mission Accomplished
يوميات الحرب (2)
جولة في بحري
أظن أن برامج الناس في مناطق مختلفة من العاصمة، متشابهة جدا، بالذات في مناطق وسط بحري، الديوم والختمية والمزاد وكوبر وكافوري. يستيقظون من النوم وهم يسمعون أصوات القصف وأزيز الطائرات ويبدأون البرنامج الأول وهو استجلاب الماء، مهمة تبدو غير مفهومة لمدينة حديثة في القرن الحادي والعشرين. هذا يحدث عندما تكون الدنيا فيها أمان نسبي، لكن الأمور تغيرت مع تغير مستوى الأمان إلى نسبة تقترب من الصفر
أتيح لي قبل يومين أن أتحرك في جولة طويلة من الحاج يوسف وحلة كوكو إلى شمبات لإجلاء بعض أفراد الاسرة، ثم العودة مرة أخرى. بدت مدينة بحري كمدن الأشباح، مدينة في حالة حرب حقيقية، دخلنا من حلة كوكو إلى القنطرة ثم كافوري، أكاد أجزم أن 90% من بيوت كافوري خالية من السكان، يسكنها بعض الخفراء، ويسكن جنود الدعم السريع بعض بيوتها أيضا، وتعيث عصابات النهب والسلب في باقي المنازل. تعرضت المنازل للكسر والنهب، حمل اللصوص ماخف وزنه وغلا ثمنه، في المرحلة الثانية جاءت الدفارات والتكاتك فحملت الثلاجات والغسالات والأجهزة الكهربائية. في هذا اليوم رأيت الجزء الثالث من النهب. مجموعات كبيرة من النساء تدخل لهذه المنازل لتأخذ الثياب التي رماها اللصوص على الأرض في بحثهم عن النقود والذهب. كن يحملن بقج الثياب الكبيرة على رؤوسهن ويخرجن من كافوري زرافات ..وزرافات، ينتظرن المواصلات أو عربات الكارو لتنقلهن مع المسروقات.
بعض الشوارع مغلقة أمام حركة حافلات المواصلات القليلة التي تعمل، فسارت الحافلة بشارع الشفاء ، ثم الدخول شمالا عند محطة بنزين بشائر، ثم اتجهت شمالا بشارع الصناعات، ربما لنشاهد المآسي التي حدث للمصانع المختلفة التي تم نهبها وحرقها، بما في ذلك الشركة التجارية الوسطى CTC التي تم نهب الأجهزة والأدوات الكهربائية ، بل وحتى السيارات من مخازنها.
دخلت السيارة من شارع البيبسي حتى شارع الإنقاذ، أوقفتنا ارتكازات الدعم السريع أكثر من مرة، يتفحصون الوجوه، يسألون بعض الناس عن بطاقاتهم، ثم يسمحون بالمرور. نزلت عند تقاطع البيبسي مع الإنقاذ باعتباره أقرب نقطة لشمبات، لا تزال بعض الجثث في الشارع إلى جانب السيارات المحترقة، ومن الواضح أنها تتبع للدعم السريع تم قصفها بالطائرات. أكملت المشوار سيرا على الاقدام، لم تقابلني غير سيارات الدعم السريع، أو بعض جنودهم الذين يستخدمون المواتر "موتوسيكلات". يقف بعضهم لينظر إلي، لم أتعرض لمساءلة، ربما افادني الشيب الذي يكلل رأسي.
تركت الشوارع الرئيسية وبدأت في الدخول من الشوارع الجنوبية، لحق بشمبات ما لحق بكافوري، هجرها سكانها أيضا، وبدأت فيها ظاهرة السلب والنهب. شاهدت ذلك بعيني، ومررت كأنني لم ألاحظ شيئا. وصلت مقصدي، وأمام البيت المجاور كانت تقف سيارة وبها بعض المنقولات، عرفت أنها ظلت من الصباح تنقل أجهزة ومنقولات من هذا المنزل، عندما رآهم الجيران أخرجوا مسدسات ووضعوها بشكل ظاهر ليراها المارة كرسالة تهديد غير مباشرة بعدم التدخل.
خرجنا من شمبات إلى شارع المعونة، نفس البؤس والجو المخيف الذي يعم كل بحري، سالنا وقيل لنا أن هناك سيارة مواصلات تمر بين الحين والآخر. كنا نقف في بداية شمبات من ناحية الصافية، قرب مبنى سوداتل. عرض علينا سائق رقشة أن يوصلنا للمؤسسة مقابل ثلاثين ألف جنيه "خمسون دولارا". بعد قليل وصلت حافلة، وقفنا أكثر من مرة أمام نقاط التفتيش، سألني جندي الدعم السريع إلى أين نذهب بحقائبنا، قلت له إلى أرض الله الواسعة، رد بثقة أن الأمر سينتهي سريعا وسنعود لمساكننا. وصلنا حتى سعد قشرة ، وليتنا لم ننظر له.
هذا المكان الذي كان يضج بالحياة والحركة تجول لمظهر للخراب، تم نهب كل السوق وحرقه. وقفت أتأمل حال من نعرفهم من أصحاب المحلات، وأشعر بالأسف لما حل بهم. تذكرت الرجل المهذب واللطيف عادل بشرى، صاحب أشهر محلات الثيااب، والصادق ترزي الجلاليب وغيرهم ممن ظللنا نتعامل معهم لزمن. أسال الله أن يعينهم في محنتهم هذه ويعوض عليهم.
من شارع الخور في نهاية سعد قشرة كانت تقف عشرات من النساء اللائي أكملن نهب المصانع والمطاحن، كن يحملن شوالات الدقيق وكراتين الصابون والبسكويت، هجمن على أول حافلة ظهرت فابتعدنا عنها لعدم القدرة على مزاحمتهن. جاءت حافلة أخرى واتخذت نفس الطريق، شارع الإنقاذ شمالا حتى تقاطع البيبسي، ثم شرقا حتى شارع الصناعات، وجنوبا في شارع الصناعات حتى مصانع الكوكولا، وإلى شارع الشفاء، شارع مسجد النور، القنطرة، وحتى حلة كوكو. طوال هذه الرحلة لم نلتق مواطنين عاديين يسيرون في الشوارع إلا ما ندر.
طوال الرحلة التي استغرقت حوالي أربع ساعات لم يكن هناك قصف كثيف، لكن في مرتين كان هناك صوت رصاص ينطلق ويتم الرد عليه، قال لي جندي الدعم السريع أن هناك قناصين ينتشرون في بعض المباني.
وصلنا مقصدنا في حلة كوكو، ومن هنا إذا دخلت للحاج يوسف يتغير الوضع تدريجيا، تبدأ مظاهر الحياة في الظهور، باعة الخضروات والفواكه، باعة المياه الباردة والعصير، بعض المخابز والجزارات، ثم، وهذا هو المهم، مواطنون عاديون يسيرون هنا وهناك، وسيارات للمواصلات على الخطوط المختلفة.
تمت المهمة بنجاح Mission Accomplished