يوم الصحافة الغيهب!!!

 


 

 


“كثيرا ما أتساءل: لماذا إذن نمارس هذه المهنة؟ إذ بعد كل حساب، أنا أيضا زوج، وأب لثلاثة أطفال رائعين، أنا أيضا عليّ مسؤوليات والتزامات تتجاوز مهنتي، سواء كانت المحاماة أم الصحافة، فهل تستحق المخاطرة؟ كثير من الناس يقولون لي لا، ولكن هناك نداء يتعالى على المهنة والسمعة والربح والأمن، إنه صوت الضمير”.
لاسانتا ويكريماتونج
 الصحفي السريلانكي الذي اُغتيل بعد مقالاته عن الحرب الدائرة بين الجيش السريلانكي ومتمردي التاميل.
 (اليوم، أضم صوتي تأييدا لكل رجال، ونساء الصحافة ،إعجابا بهم، لكدّهم في سبيل كشف الحقيقة ، وتعزيز المحاسبة في العالم. وإنني إذ أفعل هذا أستحضر كلمات توماس جيفرسون: “بما أن أساس حكوماتنا هو رأي الشعب، فإن أول هدف يجب أن يكون الحفاظ على هذا الحق، ولو خيّرت بين أن تكون لنا حكومة بدون صحف، أو صحف بدون حكومة، فلن أتردد لحظة في تفضيل الخيار الأخير).
 هذا هو صوت الرئيس الامريكى اوباما وجزء من رسالتة للصحفيين في يوم احتفائهم بحرية الصحافة أمس الأول. جرى الاحتفال هذا العام تحت شعار (سلامة الصحفيين). فقد دلت الإحصائيات أن 41 صحفيا قُتلوا خلال العام 2008 فيما زُج 401 في السجون ولايزال هناك من زملائنا معتقلون كُثر أبرزهم روكسانا صابري في إيران، ويونا لي ولورا لينغ في كوريا الشمالية، وجي إس تيساناياغام في سريلانكا، أو شي تاو وهو جيا في الصين. غير أن الذي دفع الاتحاد العالمي للصحفيين لتبنّي شعار سلامة الصحفيين هو التخوف المستمر من التضييق على الحريات الصحفية بواسطة القوانين وسلطة المال والإعلان وخاصة في ظل أوضاع عالمية ملتهبة بالحروب، وانهيارات مالية مما أصبحت معها الصحافة نفسها تواجه أخطارا محدقة تبدأ من الافلاس والخضوع للابتراز الاعلاني وحتى القتل. فمنذ أن بدأ الاحتفال بهذا اليوم أول مرة قبل ستة عشر عاما قتل 692 صحفيا. في أفريقيا اليوم 71 صحفياً ومحرراً وناشراً على الأقل مودعون في السجون بينما لقي 84 صحفياً أفريقياً مصرعهم وهم يمارسون مهنتهم.
 أعدّ المركز الدولي لمساعدة الإعلام تقريرا بعنوان “تمكين الإعلام المستقل” ذكر فيه بعض الأسباب التي تجعل العنف يسود ضد القطاعات الصحفية المختلفة والتي شملت أخيرا حتى المدوّنين. ومن بعض الأسباب لذلك:
- قوانين الإعلام غالبا ما تكون فضفاضة وتُنفذ بصورة انتقائية.
- الحكومات تتحكم بالإعلام وتفرض الرقابة عليه.
- انعدام التعاون من أجل الوصول الى المعلومات.
- هناك القليل القليل من المحامين المستعدين للدفاع عن الصحفيين وحمايتهم.
بالأمس طرح صحفي فلسطيني من داخل الأرض المحتلة علينا نحن مجموعة الدارسين في كورس الصحافة الاستقصائية الذي يقيمة الاتحاد الدولي للصحفيين هذه الأيام، طرح سؤالا محيرا قائلا: (في الداخل الفلسطيني كصحافيين نعاني جدا من مشكلة، وهي الإعلام العربي الفلسطيني التجاري مرتبط بالإساس بالاقتصاد الإسرائيلي والإعلانات من الشركات الإسرائيلية وكذلك من الإعلانات الحكومية. على سبيل المثال كصحفي تقوم بإعداد تحقيق حول فساد منتوجات وسلع غذائية لشركة إسرائيلية تروّج وتسوّق منتوجاتها في الأسواق العربية في الداخل، تتوجه الى الشركة للحصول على تعقيبها في أغلب الأحيان يصل التعقيب المفصل وتدمجه مع التقرير، إذا كانت الشركة التجارية معلن رئيسي في الصحيفة، تجد تقريرك في سلة المهملات.) وتساءل إذا ما كنا كصحفيين معنيين بمثل هذا النوع من القمع الذي يرزح تحته الصحفيون الفلسطينيين تحت الاحتلال.
 نبّهتني مداخلة الزميل  الفلسطينى الى مفارقة مهمة وهي أننا حين نرفض الرقابة على الصحف والقوانين الصحفية المعيبة لانناضل بالقدر الكافي ضد رقابات أخرى قد تكون أشد قمعا وتكبيلا للصحفيين من الرقابة الرسمية.
اليوم الذي يحتفل فيه العالم بحرية الصحافة تواجه الصحافة نفسها مأزقا تاريخيا يتعلق بوجودها نفسه وليس بحريتها فقط. في نهاية العام الماضي دعا المعهد الأمريكي للصحافة خمسيناً من رؤساء الصحف إلى اجتماع حمل عنوان “قمة رؤساء الصحف لإنقاذ صناعة مأزومة”.
حذر خبيران رؤساء الصحف من أنهم أمام خيار كلاسيكي ما بين “التطور أو الزوال” وأن عليهم التحرك بسرعة. بالفعل تواجه الصحافة مخاطر الزول بأسرع مما توقع الكثيرون وهو الشيء الذي حدا بالرئيس ساركوزي إطلاق صيحة مدوية قائلا: (إن الصحافة الفرنسية المكتوبة تواجه “الموت” إن لم تجد طرقا لمنافسة الصحف المجانية وصحافة الإنترنت). الصحافة تشهد انهياراتها الكبرى الآن في أوروبا وأمريكا، وتشهد موتا بطيئا في عالمنا الثالث، وسيتسارع قريبا مع حدة الازمة العالمية. في واقعنا الصحفي في السودان ماتت خمس صحف في ظرف عام، وستموت أخرى خلال هذا العام. صحافتنا اليوم في غيهب. الدولة لاتفكر بإنقاذ عدو من الموت، أصحاب المصلحة في صناعة الصحافة ليس  لهم احساس بالمخاطر، الصحفيون العاملون بالصحف ليس لهم حساسية تجاه موت مهنتهم. الله غالب.

 

آراء