يوم مباراة القمة! …. بقلم: الفاضل حسن عوض الله

 


 

 

سطر جديد

 

 

          كتبت من قبل أن منزلنا يقع على بُعد بضعة أمتار من إستاد المريخ بكل ما يمثله هذا الجوار من عنت ومشقة. صباح السبت الماضي (يوم مباراة القمة بين الهلال والمريخ) إستيقظت من الصباح الباكر لأمارس طقساً روتينياً وهو الإتصال تلفونياً بصاحب الحمار الذي يتعهد بإيصال برميلين ماء إلى المنزل نظير عشرين ألف جنيه، ولسوء الحظ وجدت موبايله مقفلاً... لم أيأس فلدي أكثر من تيلفون وأكثر من زبون من هؤلاء الإخوة الأجلاء الذين خصخصوا هيئة مياه المدن والذين أحرص على نمر تيلفوناتهم أكثر من حرصي على تيلفونات الأطباء، ولكن بكل أسف لا أحد منهم يرد. طرق بابي أحد الجيران الأفاضل ليزف لي البشرى بأن تانكر الحكومة يقف أمام المنزل و(أهو على الأقل نوفر العشرين ألف جنيه) على حد قوله. أخرجت البرميلين البلاستيك الكبار على عجل ودون تروي وهما كل ما أملكه من أوعية ووضعتهما في الشارع ثم ملأتهما من تانكر الحكومة. أُسقط في يدي إذ تذكرت كيف يتأتى لي أن أُدخل البرميلان الممتلئان إلى المنزل نظراً لثقلهما كما أني لا أملك أوعية أُخرى تتسع لحمولتهما الثمينة والمجانية. أحضرنا كل الأوعية التي بالمنزل من (طشاته وحلل وبستلات وحتى الأباريق) ورحنا ننقل بالجردل من البرميل الأول إلى تلك الأوعية داخل المنزل إلى أن أفرغناه. بعدها أدخلنا البرميل الفارغ إلى داخل المنزل ورحنا مرة أخرى ننقل بالجردل من البرميل الممتلئ بالشارع إلى البرميل الفارغ داخل المنزل. تذكرت وقتها اللغز الشهير الذي يبحث عن كيفية نقل الخروف والقش والذئب بالقارب من ضفة النهر إلى الأخرى.

          عند التاسعة صباحاً إنتهينا من هذه الملحمة المائية وحللنا لغزها، أما اللغز الآخر (الكهرباء) فبقى قائماً إذ قطعت منذ ساعات الفجر الأولى، عندها تذكرت مقولة صديقنا الدكتور/ موسى عبد الله حامد حين كتب يقول أن الماء والكهرباء ينطبق عليهما القول الشائع (مكّان في ككر.... كان واحد غاب التاني حضر). هذا الترف يا سيدي الدكتور كان على ايامكم النواضر فـ(المكّان في أيامنا هذه غائبان)!

          بعد كل هذا المارثون المائي خرجت من المنزل بحثاً عن الرزق والمعائش (إن كان ثمة رزق) وعدت ظهراً وأنا مطمئن على موقفي المائي ولكني تفاجأت بمولد وسيرك مباراة القمة. باعة الأعلام الزرقاء والحمراء يزحمون الطرق وطبالي السندوتشات وستات الشاي في كل موقع والكل يلقط رزقه من القمة. قطع عليّ الطريق شرطي المرور وأنا قريب من المنزل ليقول لي ممنوع الدخول. تركت عربتي ومشيت على أقدامي إلى أن وصلت المنزل فحمدت الله على تركي العربة بعيداً إذ لا يوجد شبر لأركن فيه العربية أمام المنزل. ما إن دخلت حتى توالى رنين جرس الباب الخارجي لعشرات المرات وفي كل مرة أفاجأ بوجه جديد من رواد الكرة يقول لي (يا إبن العم .. بالله ممكن الحمام أنا مزنوق)، فأعتذر له مكرهاً بأن الحمام أفرنجي والمنزل ليس به ماء!

          صديق من الهلالاب المتشنجين شكوت له حالي ومعاناتي مع الماء والكهرباء ورواد الكرة في هذا الحي الكريم الذي يجاور إستاد المريخ فرد عليّ قائلاً: (إنت تستاهل.. شنو الخلاك تسكن جنب الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بتاع الجماعة ديل؟!!)

الفاضل حسن عوض الله                                                                    سطر جديد

عالم بلا رجال!!

          (الرجالة تطير) هذا القول الشائع لا أذكر متى سمعته أو في أي موضع يقال، ولكن حسب تقديري أنه يقال حينما تصبح الرجالة ضرباً من ضروب الحماقة والتهور. حملت لنا وسائط الإعلام في الأسبوع الماضي نبأً يقول أن علماء الأبحاث في جامعتين بريطانيتين أوشكوا على تصنيع (حيوانات منوية) عبر تقانة الهندسة الوراثية من الخلايا الجذعية لبعض الأجنة البشرية. أدركت حينها أن (الرجالة) حقاً على وشك أن تطير حينما راحت وسائط الإعلام تلك تنفخ في الخبر وتبشر النساء بعالم يخلو من الرجال، وإذا أرادت سيدة في ذاك المستقبل القريب أن تحبل فما عليها إلا التوجه لأقرب صيدلية لتشتري أقراصاً تحتوي على تلك النطف الذكورية المصنعة.

          حدثني صديق من إختصاصي النساء والولادة أن الأطباء في المملكة العربية السعودية وفي بعض الدول العربية باتوا يجرون عمليات للتحكم في نوع الجنين حسب الطلب ذكراً كان أو أنثى. وعندما سألته إن كان في الأمر شبهة حرمة أفادني بأنهم يعملون وفق فتوى من أئمة الحرم المكي تبيح هذا الأمر على شريطة التأكد الجازم بأن النطفة الذكورية يجب أن تكون من صُلب الزوج. مضى أكثر وهو يشرح لي أن البويضة الأنثوية تحمل الكرموزوم (X) بينما النطفة الذكورية قد تحمل الكروموزوم (X) أو (Y)، وفي عملية الإخصاب العادي إذا أُعطى الرجل النطفة (X) فإنها تتحد مع نطفة الأنثى لتكون بويضة ملقحة هي (XX) وبالتالي يكون المولود أنثى، أما أذا أعطى الرجل نطفة (Y) فإن البويضة الملقحة تكون (XY) وبالتالي يكون المولود ذكراً. أي أن الرجل هو المسؤول الوحيد عن نوع الجنين وبالتالي فإن الرجال الذين يتزوجون على زوجاتهم بحثاً عن مولود ذكر فإنهم يتعامون عن هذه الحقيقة العلمية. وبالعودة لعملية تحديد جنس المولود والتحكم فيه فإن العملية ببساطة هي عملية إنتقاء للنطف الذكورية أو الأنثوية من السائل الجنسي للرجال وحقنها في رحم الزوجة للحصول على الجنس المطلوب. الغريب أن هذه العملية المتعلقة بتحديد جنس المولود حسب الطلب، هي ممنوعة في بريطانيا ولكن ليس لأسباب دينية ولكن لأن الإنجليز يرون فيها نوعاً من التمييز (النوعي) بين الإناث والذكور.. هذا التمييز النوعي يزدرونه بقدر ما يزدرون التمييز العرقي أو الديني!

          أما في شأن (عالم بلا رجال) والذي يبشر به هذا الإكتشاف المتمثل في تصنيع النطف الذكورية، إستضاف برنامج نقطة حوار في إذاعة البي بي سي جمهرة من المستمعين والمستمعات ليدلوا برأيهم في هذا المستقبل، فتنبأ أحد المستمعين بإنهيار صناعة مستحضرات التجميل والملبوسات والإكسسوار النسائي وهو يسأل لماذا يتجملن في عالم بلا رجال؟ أما أطرف التعليقات فجاءت من مستمع مصري مضى يقول:- (حسناً فليكن عالم بلا رجال .. ولكن أود أن أسأل النساء الذين يتطلعن إلى هذا العالم: أين سيجدن المغفل الذي يكدح يومياً ليوفر لهن الطعام ومصاريف المدارس والعلاج؟!).

 

آراء